بسبب الهوس بالألعاب الإلكترونية، تسبب طفل مغربي قبل أيام بوفاة والدته بالخطأ، التي تعرضت لضربة قوية على مستوى الرأس بعدما دفعها بقوة إلى أن ارتطم رأسها بحاجز صلب، وذلك بسبب رفضها مده بمبلغ مالي لتعبئة رصيد هاتفه ليكمل المنافسة في لعبة "فري فاير" الإلكترونية.
الحادثة التي وقعت بمدينة صفرو (شمالي المغرب)، أعادت للأذهان خطر الهوس بالألعاب الإلكترونية على سلوكيات الأطفال والشباب المراهقين، وذلك في ظل الإقبال الكبير لمستخدميها، خصوصا أن هذه الألعاب أصبحت أغلبيتها تعتمد على نظام تفاعلي بين اللاعبين من خلف الشاشات ومن دول العالم المختلفة.
ويُصنف الهوس بالألعاب الإلكترونية إلى نوعين وهما، إدمان الألعاب التي تتضمن مهمة واحدة، ويلعبها لاعب واحد، إذ عندما يقوم اللاعب بإنهاء هذه المهمة أو عندما يُحرز نتيجة معينة، فإن الإدمان عليها غالباً ما ينتهي. أما إدمان الألعاب التي ليس لها نهاية، ويلعبها أكثر من شخص، فهذا الأمر خطير ويُستعمل كطريقة للهروب من الواقع .
هوس قاتل
يقول عدنان قبلي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء، "إن المجتمع العربي والعالم بأكمله طبِّع مع وجود هذه الألعاب في المنازل، وأصبحت تحظى بمساحة زمنية مهمة، إذ يمكن للطفل أو الشاب الجلوس بالساعات وراء شاشة الهاتف أو التلفزيون، ليحقق الفوز في مستوى من مستويات اللعبة، الأمر الذي تحول من التسلية والترفيه والتواصل مع الآخرين إلى إدمان خطير يجب معالجته".
وأضاف المتحدث في تصريحه لـ"عربي بوست" أن "الإقبال على الألعاب الإلكترونية في العالم بأكمله تضاعف بوتيرة كبيرة في السنوات الأخيرة، بل حتى عدد الاشتراكات المفعلة في هذه الألعاب ارتفع بشكل مهول، وما زال يحقق ارتفاعاً مستمراً بشكل يومي".
واعتبر المتحدث أن "الأسرة هي المسؤول الأول على سلوكيات أطفالها، فهي الجهة الأولى الموكل لها دور المراقبة، بالإضافة إلى التوعية الخارجية التي تتجلى في دور الإعلام والمدرسة، وذلك لتجنب الآثار السلبية للظاهرة التي وصلت حد الهوس بالألعاب الإلكترونية".
تصنيف مرعب
منتصف سنة 2018 صنفت منظمة الصحة العالمية الهوس بالألعاب الإلكترونية في التصنيف الدولي للأمراض ICD-11، وحسب نفس التقرير فاضطراب الألعاب الإلكترونية يُعَرف بأنه نمط لسلوك الألعاب الرقمية أو الفيديو التي تتميز بصعوبة التحكم في الوقت الذي يقضيه المصاب (اللاعب)، كما أنها تعطي أولوية للألعاب على الأنشطة والمهام الأخرى.
ويرى البروفيسور أحمد السالمي، طبيب أمراض باطنية بكلية الطب في الدار البيضاء، أن "أغلب الدراسات حول الهوس بالألعاب الإلكترونية أكدت بشكل مضبوط 100% تأثير هذه الألعاب على صحة ممارسيها، منها التأثير على النمو دون تناسي التأثير على السلوكيات، التي تُصبح أكثر عدوانية بسبب الإدمان الإلكتروني".
ومن ناحية بيولوجية فسر البروفيسور أحمد السالمي أن الهوس بالألعاب الإلكترونية له تأثير سلبي على الدماغ، إذ يتم إفراز "الدوبامين"، وهي المادة الكيميائية التي تُسهم في الشعور بالسعادة والنشوة، كما أن المستوى العالي من إفراز مادة "الدوبامين" يؤثر بشكل سلبي على الدماغ، ويؤثر على طريقة تفكير الشخص، كما أن هذه الألعاب خصوصاً العنيفة منها، تقلل من القدرة على الشعور بالآخرين.
التصريحات العلمية التي أدلى بها البروفيسور السالمي عززتها شهادات الأم بشرى الحليفي التي تحدثت إلى "عربي بوست" حول تجربتها مع الهوس بالألعاب الإلكترونية، بعدما تعرض طفلها لخلل دماغي بسبب إدمانه على اللعب من وراء شاشة الهاتف في لعبة "فري فاير".
تقول المتحدثة إنها قضت سنة بيضاء من 2019 بسبب تدهور الوضع الصحي لطفلها البالغ من العمر 16 سنة، وذلك بعدما أدمن على لعب "فري فاير"، الأمر الذي تسبب له في اضطراب في شبكية العين، وأثر على الدماغ فلم تعد له القدرة على النوم.
وأضافت بشرى أن الطبيب شخص حالة طفلها وأرجع السبب إلى اللعب المتواصل في شبكة الإنترنيت، ومنعه بشكل عام من حمل الهاتف، الأمر الذي فرض عليه قضاء سنة بيضاء بدون دراسة، التي كانت هذه السنة عن بعد وكان من الضروري استعمال الهاتف أو الكمبيوتر للتتبع.
الهوس بالألعاب الإلكترونية
بالإضافة إلى التأثير الجسدي، فإن الهوس بالألعاب الإلكترونية له تأثير على الصحة النفسية مثل انخفاض مستوى الثقة في النفس، والوحدة، وتفضيل العزلة، وانخفاض الأداء الدراسي، وعدم التفاعل مع الآخرين، وعدم القدرة على التعامل الصحيح في الكثير من المواقف.
وكشف عزيز رفيقي أن "أغلب الدراسات أكدت أن الألعاب الإلكترونية تُشكل خطراً على سلوكيات الأطفال والمراهقين، كذلك تأُخر تأقلمهم واستيعابهم للعالم الحقيقي المحيط بهم سواء في المنزل، أو في المدرسة، أو خارجهما، الأمر الذي يمنع الطفل من اكتساب مهارات التركيز والتفسير والتحليل والمتابعة".
واعتبر المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن "الطفل أو المراهق المدمن على الألعاب الإلكترونية لا يستمتع بالساعات التي يقضيها أمام الشاشة ولكنه يبقى مرهوناً بشروط وقواعد اللعبة، الأمر الذي ينطبق عليه في لغة علم النفس "الخضوع لاستراتيجية صندوق سكنر"، وهي نظرية تعتمد على "المكافأة" لدراسة سلوك أي شخص فوق الأرض".
وفسر المتحدث هذه النظرية بكون "هذا الهوس بالألعاب الإلكترونية مصمماً حول فكرة خداع العقل البشري، إذ يقضي الطفل أو المراهق يوماً أو أسبوعاً أمام لعبة دون شعوره بذلك، وفي هذه الفترة تبدأ نفس اللعبة بالتدرج في المستويات إلى ما هو أصعب، فيجد اللاعب نفسه مجبراً على المسايرة بكل الطرق للفوز في المستويات القادمة وتحقيق نصر لن يأتي".
وتتعمد تصميمات هذه الألعاب الإلكترونية على منح اللاعب "سلاحاً جديداً" للمواجهة حتى تضمن عودته للعبة بشكل متواصل، هذا السلاح الذي يكون في أغلب الأوقات مدفوع الثمن بتعبئة هاتفية مباشرة، أو عن طريق بطاقة بنكية بشكل مباشر.
تقول الأم بشرى التي تحدث لـ"عربي بوست" إن معاناتها مع الهوس بالألعاب الإلكترونية مع طفلها دفع بعض أفراد أسرتها لإخبارها أن الطفل مصاب بالتوحد، خصوصاً أن سلوكياته تغيرت كثيراً في 4 سنوات فقط، فأصبح له عالم خاص منعزل، ولا يشارك أي شيء مع أسرته وأصدقائه، حتى الأكل أصبح يختار أكله بشكل فرضي.
وأضافت المتحدثة أنها فطِنت رفقة زوجها بالمشكل النفسي والصحي الذي أصبح يلازم طفلها، فاختارت أن تُعالجه، مشيرة إلى أن "الأسرة هي المنقذ الوحيد للأطفال المصابين بهوس الألعاب الإلكترونية، وإذا استطاعت الأسرة مواجهة المشكل ومعالجته فمن الممكن أن يمر الأمر بسلام قبل تطوره".