قالت صحيفة The New York Times، الأحد 13 ديسمبر/كانون الأول 2020، إن وكالة الأخبار الاستقصائية الروسية Proekt، ذكرت أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنى مكتبين متطابقين لعقد اجتماعاته عبر الفيديو، أحدهما في منزل حكومي خارج موسكو، والآخر على شواطئ البحر الأسود الدافئة، الأمر الذي عرض الرئيس لاتهامات بالخداع.
بوتين يخشى كورونا
الصحيفة قالت إنه في حين يرى بعض المعلقين السياسيين أن الأمر يأتي ضمن التسريبات الأخرى، التي تشير إلى صراع داخلي مندلع بين أطراف النخبة الحاكمة، وعزاه زعيم المعارضة إلى عادة الكذب المعروفة عن الكرملين، فإن كثيرين ممن عملوا من المنزل منذ شهور، يذهبون إلى أن تقرير الموقع الإخباري الروسي جاء منطقياً تماماً.
كان مشهد بوتين وهو جالس في مكتبه قليل الأثاث، مع كرسيين باللون البيج والعلم الروسي في الخلفية، قد أصبح مشهداً مألوفاً على شاشة التلفزيون هذا العام، حيث يدير الرئيس الروسي أعماله الرسمية بعيداً عن فيروس كورونا.
كما استدل آخرون بفكرة أن التقيد بمكان واحد لفترة طويلة أمرٌ لا يستقيم مع طبيعة الرئيس الروسي، الذي عادة ما يكون رجل الحركة والأفعال أثناء الأزمات، ولطالما ظهر في الفيضانات وحرائق الغابات لتعزية الروس وتوجيه ردود الفعل.
لكن، وعلى الرغم من أن تقرير الوكالة الروسية جاء مستنداً إلى حد كبير إلى مصادر مجهولة وأدلة ظرفية لا يمكن تأكيدها من مصادر مستقلة، فإنه أثار موجة من التعليقات في موسكو حول مهارات التلاعب والخداع المعروفة عن بوتين، الذي عمل جاسوساً لبلاده في السابق.
أكثر من مقر رسمي لبوتين
مع ذلك فإن التقرير استشهد بالسجلات العامة لرحلات الطيران الرئاسية التي يبدو أن مساراتها تتعارض مع تصريحات الكرملين حول مكان وجود بوتين، بالإضافة إلى عدة مصادر لم يعيّن اسمها والتي قال إنها على علم بالمكتب المتطابق للرئيس الروسي في مدينة سوتشي الواقعة على البحر الأسود. غير أن الكرملين نفى المعلومات الواردة في التقرير.
ويوجد لدى بوتين أكثر من مقر رسمي للإقامة وتسيير العمل، أبرزها ذلك المقر خارج موسكو، "نوفو أوغاريوفو"، إضافه إلى الملاذ الرئاسي الآخر في مدينة سوتشي المطلة على البحر الأسود "بوتشاروف روشي".
أما قبل الوباء فكان بوتين قد عمل على نحو متكرر- وعلني- من مقر إقامته بمدينة سوتشي، في محاولةٍ للترويج لصناعة السياحة في المدينة أو لاستقبال الزوار الرسميين في بيئة أكثر استرخاءً، لكن تقرير Proekt قال إن محددات السياسة العامة قد تغيرت مع الوباء.
في هذا السياق، أشار تقرير الوكالة إلى أنه "في مثل هذه اللحظات، بحسب فهم الكرملين للأمور، يجب أن يعتقد الناس أن الرئيس موجود في العاصمة أو قريب منها"، والعمل على مكافحة انتشار الفيروس، الذي أصاب روسيا بشدة، وعدم قضاء الوقت في المنتجع.
إيكاترينا شولمان، المعلقة السياسية في إذاعة Echo of Moscow، في تعليقها على ما أورده التقرير، قالت إن "التقرير الذي جاء في أعقاب مقالات أخرى تتناول الحياة الشخصية للدائرة المقربة من بوتين وأفراد أسرته، هو دليل آخر على وجود صراع داخلي ما اندلع مؤخراً بين أطراف النخبة الحاكمة. ففي السنوات الأخيرة، كانت التسريبات الشخصية والتشهير بمعلومات مضللة أمراً نادراً في السياسة الداخلية الروسية".
في هذا الصدد، جاءت منصة Proekt، التي أسسها قبل عامين مراسل مخضرم لصحف المعارضة والصحف الاقتصادية الروسية، هو رومان بادانين، فيما تصف نفسها بأنها موقع ممول من الجماهير لتحقيقات الصحافة الاستقصائية حول روسيا وشؤونها. وكثيراً ما استندت التقارير والانفرادات الصحفية التي تنشرها إلى مصادر غير مسماة.
انتقاد لبوتين
من جانبه، فإن المعارض الروسي البارز، ألكسي نافالني، الذي قالت ألمانيا إنه تعرض للتسميم بغاز الأعصاب في روسيا- وهو أمر ينفيه الكرملين، كتب في تغريدة على موقع تويتر تعليقه على موضوع المكاتب المتطابقة التي أشارت إليها التقارير، قائلاً إن امتلاك مكتبين متطابقين [ادعاء الوجود في مكان، وواقع الوجود في آخر] "يتوافق تماماً مع أسلوب بوتين؛ الكذب حتى في الأشياء الصغيرة".
في المقابل، قال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، إن "الرئيس الروسي لديه العديد من المكاتب الرئاسية، لكن ليس لديه مكاتب متطابقة"، وطعن في استخدام Proekt لسجلات الرحلات الجوية لمُناقضة البيانات الرسمية حول مكان وجود بوتين.
قال الكرملين أيضاً إن الطائرات الرئاسية تتمركز أحياناً خارج موسكو، لكنه رفض مناقشة رحلات جوية محددة، مشيراً إلى أن تحركات رئيس الدولة تندرج تحت بند السرية لأسباب أمنية.
مع ذلك، أصبح التحقق من مكان وجود بوتين أمراً أصعب بكثير هذا العام، لأنه اتخذ احتياطات غير عادية ضد فيروس كورونا، حتى وفقاً لمعايير رؤساء الدول الآخرين.
عن ذلك يقول الصحفيون الروس المعنيون بنقل أخبار الرئيس الروسي من الكرملين، إنهم نادراً ما رأوه عن قربٍ منذ مارس/آذار الماضي. كما يتعين على زواره أن يخضعوا للحجر الصحي لمدة أسبوعين قبل الوصول إلى مسافة قريبة منه.
أحد المواقع التي أعادت نشر التقرير، وهو موقع T Journal، أثار الخبر الذي نشرته مئات التعليقات من القراء الذين أخذوا يتأملون صور بوتين الجالس في مكتبه ويدير أعماله الحكومية بجدية وبدأوا في رصد التشابهات والاختلافات بين تلك الصور، ووجد بعضهم علامات اعتبرها دليلاً على استخدام الرئيس خدعة المكتب المتطابق.