يتواصل الجدل في المغرب حول منع الأسماء الأمازيغية لمواليد جدد في تعارضٍ تام مع دستورية اللغة الأمازيغية وهُوية وثقافة المملكة، ما يدفع الجمعيات الحقوقية إلى استنكار استمرار هذا الحصار الذي يطوّق الاسم الأمازيغي.
قبل أيام، وجّه نائب برلماني عن الفريق الاشتراكي بمجلس النواب (الغرفة الأولى) سؤالين كتابيين إلى وزير الداخلية ووزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، حول منع الأسماء الأمازيغية، بعدما تقدم مواطن مؤخراً بشكوى مفادها رفض موظف بأحد مكاتب الحالة المدنية بمدينة الدار البيضاء، تسجيل ابنته باسم "سيليا" (فاتنة الجمال بالأمازيغية).
منع الأسماء الأمازيغية
السؤال الذي قدمه النائب البرلماني أعاد الجدل في المغرب حول منع الأسماء الأمازيغية، رغم أن الدستور مُقر باللغة كلغة رسمية في البلاد، الأمر الذي دفع عدداً من "ضحايا" التمييز إلى اللجوء إلى مجلس النواب والقضاء لإنصافهم.
النائب البرلماني عن الفريق الاشتراكي بالغرفة الأولى للبرلمان المغربي، سعيد بنعزيز، استغرب رفض مكتب الحالة المدنية بمقاطعة سلام 2 بسيدي مومن بمدينة الدار البيضاء (غرب المملكة)، تسجيل ابنة مواطن باسم "سيليا" داخل الأجل القانوني بدعوى أن لائحة وزارة الداخلية لا تتضمن اسماً كهذا.
وقال النائب البرلماني في تصريح لـ"عربي بوست إن "الحكومة الحالية منعت ما يزيد على 55 حالة تسجيل اسم شخصي أمازيغي وهي التي تتحمل المسؤولية السياسية والقانونية والأخلاقية، في مواصلة ممارسة سياسة عمومية مكرّسة للتمييز العنصري ضد الأمازيغية والأمازيغ بالمغرب، في تحدّ سافر لمقررات الهيئات التعاقدية لحقوق الإنسان، ومقتضيات الوثيقة الدستورية للمملكة".
بدوره يعتبر هشام المستوري، عضو المكتب الفيدرالي لمنظمة "تامينوت" الأمازيغية، أن منع تسجيل المواليد بالأسماء الأمازيغية "سلوك تمييزي مرفوض بالرغم من تأكيد الدستور على رسمية الأمازيغية وإصدار قانون تنظيمي لتفعيل طابعها الرسمي".
كما يشير عضو المنظمة الأمازيغية إلى أن "وزارة الداخلية واللجنة العليا للحالة المدنية أصدرا مجموعة من الدوريات التي تلغي العمل باللائحة القديمة، وتسمح بتسجيل الأسماء الأمازيغية، غير أن مزاجية بعض موظفي الحالة المدنية، وسلوكهم الانتقائي في تفعيل مضمون الدوريات، جعلهم يصرّون على اعتماد دورية قديمة عمّمتها وزارة الداخلية في ثمانينات القرن الماضي.
وتنصّ الدوريات القديمة على منع مجموعة من الأسماء بعلّة أنها لا تحمل الطابع المغربي، غالبيتها أسماء أمازيغية، إضافة إلى الاعتماد على لائحة اللجنة العليا للحالة المدنية التي تشمل الأسماء الشخصية المقبولة والمرفوضة.
بهذا الخصوص، يقول هشام المستوري، الناشط الأمازيغي، إن "ما يقوم به هؤلاء الموظفون بمنع الأسماء الأمازيغية يعتبر منافياً للدستور ومخالفاً للقانون وخرقاً سافراً للمواثيق الدولية، خصوصاً ما يتعلق باتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها المغرب".
تقيّد بالإجراءات طبقاً للقوانين
وترى المنظمات الحقوقية الأمازيغية عموماً أن استمرار سلوكيات المنع التي تطال الاسم الأمازيغي في المغرب، يعدّ "شططاً وتعسّفاً" من مسؤولي الحالة المدنية في استعمال السلطة، و"إهانة" لموروث حضاري أمازيغي.
وكشف مصدر مسؤول في حديثه لـ"عربي بوست" أن "لائحة الأسماء الممنوعة أو المسموح بها قد أُلغيت سنة 2003، وأُصدر منشور في عام 2010 ينص على عدم منع أي اسم إلا ما يخالف المادة 21 من قانون الحالة المدنية".
وتنصّ المادة 21 من قانون الحالة المدنية على أنه "يجب أن يكتسي الاسم الشخصي الذي اختاره من يقدم التصريح بالولادة قصد التقييد في سجلات الحالة المدنية طابعاً مغربياً"، دون تحديد المقصود بهذا الشرط.
ونفى ذات المصدر أن يكون الأمر يتعلق بمنع قطعي للأسماء الشخصية ذات المرجعية الأمازيغية، بل هو "احترام للإجراءات التي يتقيّد بها ضبّاط الحالة المدنية، كلما استعصى عليهم الأمر في تحديد معنى اسم ما عند التسجيل بالحالة المدنية طبقاً للقوانين الجاري بها العمل".
من جهته يؤكد هشام المستوري، عضو المكتب الفيدرالي لمنظمة "تامينوت"، أن "مبرّرات الحكومة تكتسي طابعاً تمييزياً خطيراً عندما يوضح مسؤولوها أن ضباط الحالة المدنية لا يمتنعون ولا يرفضون تسجيل المواليد الجدد بهذه الأسماء الأمازيغية، بل يلزمهم بعض الوقت للتحقق من معنى الأسماء".
وأضاف: "لا يسري على كل أفراد المجتمع على حد سواء، بل على البعض فقط، بالنظر إلى أن نفس الضباط الرافضين، يسجلون بعض الأسماء التي تعتبر دخيلة عن ثقافتنا ولا يعرفون لها معنى، سوى أنها متداولة في الإعلام والمقررات الدراسية".
كما دعا عضو منظمة "تامينوت" الأمازيغية وزارة الداخلية "لإدراج تكوينات في اللغة والثقافة الأمازيغيتين لكل موظفيها وأطرها، ضمن مخططها القطاعي حول أجرأة ترسيم الأمازيغية الذي لم تنجزه بعد للأسف الشديد".
طريق القضاء المُنصف
أمام استمرار منع الأسماء الأمازيغية ورفض بعض موظفي أقسام ومصالح الحالة المدنية تسجيل مواليد جدد بأسماء أمازيغية، لجأ آباء وأمهات إلى القضاء بهدف استصدار أمر قضائي لتسجيل أبنائهم بأسماء أمازيغية، هذا القضاء الذي أصدر أحكاماً تقول إن الأسماء الأمازيغية لا يوجد أي مانع قانوني يحول دون قبول تسجيلها في سجلات الحالة المدنية.
وكشف شعب حارث، المحامي بهيئة الدار البيضاء، أن "الإطار المنظّم لتسجيل المواليد الجدد هو قانون الحالة المدنية، الذي لا يشمل استثناءات تشير إلى أنه لا يجب أن يكون الاسم الشخصي بالأمازيغية أو ببُعد أمازيغي".
وتابع المحامي في حديثه مع "عربي بوست" أنه فقط يشترط في الاسم الشخصي "ألا يكون مخالفاً للنظام العام، أو أن يكون اسماً ثلاثياً مركباً، أو يحمل اسم مدينة مثلاً".
وشدد شعيب حارث، المحامي بهيئة الدار البيضاء، على أنه "من حيث الإطار القانوني ليس هناك ما يمنع أي مواطن من تسجيل مولوده باسم أمازيغي"، منبهاً إلى أنه في حالة المنع "يمكن للأب أو الأم اللجوء إلى القضاء الذي سينصفهم لا محالة في تسجيل أبنائهم بأسماء ذات مرجعية أمازيغية".