حذرت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني من ردود فعل سياسية واجتماعية عنيفة في العام المقبل في دول الشرق الأوسط، في ظل غياب أي تحسن اقتصادي، بعد أن تبنت إجراءات مالية قاسية لاحتواء تداعيات أزمة كورونا على ماليتها العامة.
وكالة رويترز أشارت، الأربعاء 9 ديسمبر/كانون الأول 2020، إلى أنه بعد انكماش حاد هذا العام، من المتوقع أن تعود معظم اقتصادات دول الشرق الأوسط إلى النمو مع تعافي أسعار النفط وتراجع الإنفاق التحفيزي لمواجهة جائحة كوفيد-19.
توقعات برد فعل سياسي واجتماعي "عنيف"
لكن فيتش ذكرت في تقرير هذا الأسبوع أن "انخفاض أسعار النفط لفترة أطول وغيرها من التداعيات المحتملة للجائحة يطرح تساؤلات بشأن النماذج الاقتصادية والاجتماعية في المدى الطويل لبلدان دول مجلس التعاون الخليجي".
ذكر التقرير أن إجراءات الضبط "المالية القاسية والاضطراب الاقتصادي جراء تدابير احتواء فيروس كورونا تنذر برد فعل اجتماعي واقتصادي عنيف في 2021، في ظل غياب الفرص الاقتصادية وتحسن المعايير المعيشية لإرضاء شعوب دول الشرق الأوسط التي ما زالت تنمو على نحو سريع ويغلب عليها سن الشباب وتعاني من قلة التوظيف".
إذ رفعت السعودية، أكبر اقتصاد عربي وأكبر مصدر للنفط في العالم، ضريبة القيمة المضافة إلى ثلاثة أمثالها هذا العام إلى 15% لتعويض الضرر الذي تكبدته ماليتها العامة بفعل انخفاض أسعار النفط.
بينما أعلنت سلطنة عمان، أحد أضعف البلدان من الناحية المالية في الخليج، عن خطط لفرض ضريبة قيمة مضافة في العام المقبل في إطار إجراءات لإنعاش خزائن الدولة المتضررة من هبوط أسعار النفط.
خاصة في دول مثل السعودية وعُمان
قالت فيتش: "رد الفعل الاجتماعي في مواجهة الإصلاحات المالية يشكل خطراً ينذر بخفض التصنيفات الائتمانية في 2021 لا سيما في عمان والسعودية وإلى حد ما في العراق والأردن وتونس".
في تقرير منفصل هذا الشهر، قالت الوكالة إن عُمان المثقلة بعبء الدين ستسجل على الأرجح أداء أقل من أهدافها المالية، وستكون عمليات السحب من الأصول والدعم المالي الخارجي مهمة لتغطية احتياجاتها التمويلية في الأعوام المقبلة.
كما قالت فيتش إنه من المتوقع تحسن التوازنات المالية الكلية للدول المصدرة للنفط في دول الشرق الأوسط في العام المقبل مع تعافي أسعار النفط إلى 45 دولاراً للبرميل في المتوسط، لكن العجز سيظل كبيراً، ومن المتوقع استمرار زيادة مستويات الدين.
فيما تتوقع الوكالة أن يبلغ إجمالي مبيعات الدين الخارجي لدول مجلس التعاون الخليجي 50 مليار دولار، فيما سيصل السحب من صناديق الثروة السيادية إلى 60 مليار دولار وستسجل إصدارات الدين المحلية نحو 40 مليار دولار، معظمها من السعودية.
تعافي اقتصاد دول الشرق الأوسط يحتاج 10 سنوات
تقرير فيتش جاء ليؤكد ما ذكره صندوق النقد الدولي خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عندما كشف أن عودة دول الشرق الأوسط وآسيا الوسطى إلى مستويات النمو الاقتصادي التي كانت تشهدها قبل أزمة فيروس كورونا قد تستغرق عشر سنوات، إذ تضغط نقاط ضعف قائمة بالمنطقة منذ مدة طويلة على تعافيها.
فيما قال الصندوق في توقعاته للمنطقة، التي تشمل نحو 30 دولة تمتد من موريتانيا إلى كازاخستان، إنه من المرجح أن يتأثر النمو بفعل الافتقار إلى تنوع المصادر لدى الدول المصدرة للنفط، واعتماد الدول المستوردة للخام على قطاعات مثل السياحة وأيضاً اعتمادهم على التحويلات من الخارج.
كما أشار إلى أن الدول المصدرة للنفط هي الأكثر تضرراً، فقد تراجعت أسعار النفط نحو 40% عن مستويات ما قبل الأزمة، مما أدى لانخفاض حاد في مصدر إيراداتها الرئيسي وقلب مسار النجاح المحدود الذي حققته في تنويع اقتصاداتها.
فيما قال صندوق النقد: "تمثل أزمة كوفيد-19 أسرع صدمة اقتصادية تأثيراً في التاريخ الحديث". وأضاف أن "الجرح" الاقتصادي، الذي يشمل خسائر طويلة الأجل للنمو والدخل والتوظيف، سيكون على الأرجح أكثر عمقاً وأطول أجلاً من ذلك الذي تبع الأزمة المالية العالمية في عامي 2008 و2009.
الصندوق قال إن التقديرات تشير إلى أنه بعد خمس سنوات من الآن، قد يقل مستوى الناتج المحلي الإجمالي في دول الشرق الأوسط 12% عما انطوت عليه اتجاهات ما قبل الأزمة، وقد تستغرق العودة إلى مستوى الاتجاه ذلك أكثر من عقد.
كما يتوقع صندوق النقد الدولي، الذي مقره واشنطن، انكماش اقتصادات المنطقة 4.1% هذا العام، وهو انكماش أكبر من 1.3 نقطة مئوية عن توقعه في إبريل/نيسان الماضي.
خاصة بالنسبة للدول التي تعتمد على صادرات النفط
قبل ذلك وفي تقرير نشره خلال شهر أبريل/نيسان الماضي، قال الصندوق إن دول الشرق الأوسط التي تعتمد موازناتها بقوة على صادرات النفط ستعاني ضغطاً إضافياً، نتيجة انهيار أسعار الخام، الناجم عن تراجع الطلب على النفط، رغم اتفاق تخفيض الإنتاج الذي توصلت إليه منظمة أوبك وروسيا والولايات المتحدة، الأحد 12 أبريل/نيسان، بسبب تأثير الجائحة التي هوت بالطلب على النفط.
كما قال الصندوق إن اتفاق الخفض القياسي بين كبار المنتجين الدوليين قد يقدم بعض الدعم لأسعار الخام، ولكن "الانخفاضات في أسعار النفط كبيرة لدرجة أنه من المتوقع أن تنخفض الإيرادات المالية وحصيلة الصادرات في جميع دول المنطقة المصدِّرة للخام وضمن ذلك التي قد تتمكن من كسب حصة في السوق من منتجين أعلى تكلفة".
قد ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في دول الشرق الأوسط المصدِّرة للنفط 4.2%، العام الجاري، في تعديل حاد، نزولاً من توقعات الصندوق بنمو 2.1% التي أعلنها في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي. ومن المتوقع أن تنخفض صادرات نفط تلك الدول بأكثر من 250 مليار دولار.
كما قال الصندوق إنه من المتوقع أن ينخفض النمو في المنطقة من 1.2% في 2019 إلى انكماش 2.8%، العام الجاري. وبالنسبة لأكبر مُصدِّر للنفط الخام في العالم وهي السعودية، توقَّع تقرير الصندوق أن ينكمش اقتصادها بنسبة 2.3% في العام الجاري، من نمو 0.3% في 2019، بحسب الصندوق الذي كان يتوقع نمواً بنسبة 2.2% للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي هذا العام، قبل أن تغير الجائحة جميع توقعات النمو.