يعيش المغرب أزمةَ طاقةٍ كبيرة بسبب تعطيل عمل مصفاة سامير منذ 2015، وذلك بعد تراكم الديون على الشركة بسبب سوء التدبير الذي رافق مرحلة خصصة المؤسسة وبيعها للملياردير السعودي محمد الحسين العمودي، الذي "أغرق" الشركة وراكم أرباحاً وراءها بالمليارات.
ومنذ خمس سنوات تسعى جهات نقابية وسياسية في المغرب إلى إعادة تشغيل مصفاة سامير الوحيدة في البلاد المتخصصة في تكرير وتجارة النفط، رغم دخولها مرحلة التصفية القاضية.
إنقاذ مصفاة سامير
أمام الأزمة التي وصلت لها مصفاة سامير قدمت المجموعة النيابية لحزب التقدم والاشتراكية بمجلس النواب (الغرفة الأولى)، ومجموعة المركزية النقابية العمالية الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل بمجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان)، مقترحي قانونين يتعلقان ببيع أصول شركة سامير لحساب الدولة.
وكشف مبارك الصدي، رئيس المجموعة النيابية للكونفيدرالية الديمقراطية للشغل بمجلس المستشارين، أن مقترح القانون الذي قدموه جاء بعد "المطالب المتكررة للحكومة لبحث حل مشكل مصفاة سامير، دون أي تفاعل في هذا الاتجاه، بالإضافة إلى المعارك التي تخوضها الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة (تضم أحزاباً ومركزيات نقابية) على مستويات عدة ومنها الجانب التشريعي".
وأوضح القيادي النقابي في حديثه مع "عربي بوست" أنه "في هذه الظروف التي يمر منها العالم، أُبرز دور الصناعات المحلية ودور الأمن الطاقي ومن الواجب أن تُفوّت أصول الشركة للدولة باعتبارها الدائن الكبير والمسؤولة عن الأمن الطاقي للبلاد وحماية المصالح والحقوق المرتبطة بهذه الصناعة".
ويعتبر رئيس مجموعة الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل أن "استمرار تعطيل المصفاة هو خسارة كبرى لموارد الدولة، ومغامرة غير محسوبة العواقب بالنسبة للأمن الطاقي وديمومته، وخسارة بالنسبة للمواطن المغربي الذي يؤدي ثمن هذا التعطيل".
من جانبها، تدعو مذكرة تقديم مقترح مشروع القانون الذي قدمته المجموعة النيابية لحزب التقدم والاشتراكية بالغرفة الأولى للبرلمان، التي اطلع عليها "عربي بوست" لتفويت أصول شركة مصفاة سامير إلى الدولة من أجل إعادة تأهيلها وتطويرها، وضمان استمرار تزويد السوق الوطنية بحاجياته من الطاقات الأحفورية.
وتنص تفاصيل مواد مقترح مشروع القانون على أن "تفوّت لحساب الدولة المغربية جميع الأصول والممتلكات والعقارات والرخص وبراءات الاختراع المملوكة للشركة المغربية لصناعة التكرير، مطهرة من الديون والرهون والضمانات، بما فيها الشركات الفرعية التابعة لها والمساهمات في الشركات الأخرى".
وأعهد المشروع الحزبي لوزارة المالية والاقتصاد القيام بكل الإجراءات المطلوبة لنقل الملكية مصفاة سامير لحساب الدولة المغربية والشروع في استئناف الإنتاج بالشركة.
تعهّدات في مهب الريح
سنة 1996 أُدرجت شركة سامير في بورصة الدار البيضاء، وبعد ذلك بسنة تقرر خصخصتها بتحويل 67.27% من رأسمال المصفاة إلى مجموعة "كورال السويدية" التي يملكها رجل الأعمال السعودي محمد الحسين العمودي.
بعدها بـ8 سنوات، أي سنة 2004 وقَّعت الحكومة اتفاقية استثمار مع مجموعة العمودي من أجل تحديث المصفاة وتطويرها وتوسيع أنشطتها، إذ تعهّد رجل الأعمال السعودي باستثمار 300 مليون دولار لهذا الغرض، وظل الأمر حبراً على ورق.
لم يلتزم العمودي بتعهداته وبدأت مسيرة تصفيته ممتلكات شركة سامير التي تضمّنت فنادق وعقارات، إضافة إلى حصص في شركات التأمين التي راكم من ورائها أرباحاً كبيرة.
ووصلت سامير في نهاية 2015 لوضعية غير متوقعة، بعدما تراكمت ديونها لفائدة الجمارك والبنوك المغربية وصلت إلى 40 مليار درهم، الشيء الذي جعلها تدخل المسطرة القاضية في المحكمة التجارية في الدار البيضاء التي قضت بتصفيتها في 2016.
يقول الحسين اليماني، منسق الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول سامير، إن "ما وصلت إليه المصفاة الوحيدة في المغرب اليوم كان نتيجة طبيعية للخصخصة التي تمّت في ظروف غامضة لشركة سامير سنة 1997، التي لم تُواكب بمتابعة تنفيذ الالتزامات التي جاءت مُلحقة بدفتر التحملات".
وأضاف اليماني في حديثه مع "عربي بوست" أن "خصخصة شركة مصفاة سامير أضرّ المالك السابق كثيرا بهذا المؤسسة الوطنية، وأضرّ كذلك بكل مصالح المغرب المرتبطة بهذا الملف"، داعياً إلى "الدفاع عن مصالح المغرب التي تتعلق بملف شركة حالياً خارج المغرب، لكون الدولة في مواجهة مع رجل الأعمال السعودي في إطار التحكيم الدولي".
خطأ خصخصة مصفاة سامير
وأمام سؤال هل تُنقذ الدولة المغربية مصفاة سامير الوحيدة المتخصصة في تكرير البترول، يُعلق مراقبون ومتابعون للقضية أسباب الأزمة على منح الشركة لرجل الأعمال السعودي، الذي أساء التسيير وأغرق مؤسسة وطنية عريقة مقابل جنيه أرباحاً عظيمة وتهريبه الأموال خارج البلاد.
ويرى مبارك الصدي، رئيس مجموعة الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل بمجلس المستشارين، أن الغياب التام لـ"مراقبة المستثمر وغضّ الطرف على العديد من التجاوزات، خاصة إغراق الشركة في الديون الخارجية والاستمرار في توزيع الأرباح رغم عجزها، وتهريب الأموال للخارج اعتماداً على تزوير الفواتير والنفخ فيها هو السبب في الوضعية التي وصلت لها المصفاة الوحيدة للتكرير في المغرب".
من جهته قال الطيب أعيس، المحلل المالي والاقتصادي، إن "الدولة أخطأت بخصخصتها مؤسسة استراتيجية مثل مصفاة سامير، وهو الأمر الذي كان ينبغي اجتنابه وعدم تفويتها لمستثمر أجنبي، لكي يتحكم في منتج حيوي بالنسبة لكافة المغاربة".
واعتبر المحلل الاقتصادي والمالي في حديثه مع "عربي بوست" أنه "كان من الضروري تتبع ومراقبة هذا المستثمر الذي راكم أرباحاً كبيرة على حساب هذه الشركة"، مضيفاً أن "تراكم الأخطاء تسببت في ضياع المستخدمين وهم من خيرة خبراء البلاد في مجال البترول والطاقة الأحفورية".
مقابل ذلك يقول إدريس الفينة، المحلل الاقتصادي، إن "الاقتصاد الوطني اليوم يدفع ثمناً باهظاً، نتيجة الخطأ الكبير لعملية خصخصة شركة تمثل جوهر الصناعة في المغرب، الذي ساهم فيه عدد من المسؤولين السابقين".
وتابع المحلل الاقتصادي في حديثه مع "عربي بوست" أن "هناك حلولاً بديلة متعددة يمكن سلكها لكي تعود هذه الشركة لعملها السابق"، مستبعداً الحديث "عن إعادة اقتناء الدولة لهذه الشركة بعد أن تمت خصخصتها، في ظل وضع صعب تمرّ به المالية العمومية".
على عكس ذلك يرى الطيب أعيس، المحلل المالي والاقتصادي، أنه "من واجب الدولة ضمان استمرارية "سامير" وعدم التخلي عنها كونها مؤسسة وطنية استراتيجية مهمة بشكل كبير على مستوى الأمن الطاقي للبلاد".
رأي المحلل يسانده موقف الجبهة الوطنية لإنقاذ مصفاة سامير والتي قال منسقها الحسين اليماني إن "هناك ضرورةً ملحةً لتدخل الدولة كونها أكبر دائن، وأن تُفوت الشركة لصالحها".
من جهته يرى مبارك الصدي، رئيس مجموعة الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل بالغرفة الثانية من البرلمان، أن "شركة سامير لها دور وطني كبير، خصوصاً في تأمين الحاجيات الوطنية من الطاقة البترولية والحد من غلاء أسعار المواد البترولية، وتوفير فرص شغل للمغاربة والعديد من المقاولات الأخرى، زيادة على مساهمتها في التنمية المحلية وتمكين الدولة من توفير العملة الصعبة".