بدأ الناخبون الكويتيون، السبت 5 ديسمبر/كانون الأول 2002، اختيار أعضاء مجلس الأمة (البرلمان) الجديد، الذي تمتد مدته الدستورية أربع سنوات، وذلك في ظل أزمتي جائحة فيروس كورونا، وهبوط أسعار النفط الذي يعتبر المورد شبه الوحيد للدولة.
منافسة كبيرة: يتنافس في هذه الانتخابات أكثر من 300 مرشح، بينهم 29 امرأة للفوز بمقاعد المجلس الخمسين، حيث تجري الانتخابات في 590 لجنة موزعة على 102 مدرسة، وفقاً لما ذكرته وكالة رويترز.
يبلغ عدد سكان الكويت 4.77 مليون نسمة، منهم 1.43 مليون من المواطنين بواقع 30%، والباقي من الوافدين، بينما يبلغ عدد من يحق لهم الانتخاب 568 ألفاً، منهم 294 ألفاً من الإناث و274 ألفاً من الذكور.
شملت الإجراءات التي فرضتها وزارة الصحة على المقترعين بسبب الجائحة ارتداء الكمامات وقياس درجة الحرارة قبل دخول اللجان الانتخابية، ومنع التجمعات داخل اللجان وخارجها، والحفاظ على التباعد البدني، وتحديد مسارات للدخول وأخرى للخروج.
كما تم تخصيص خمسة مراكز اقتراع خاصة بالمصابين بفيروس كورونا، وكذلك من يخضعون لإجراءات الحجر الصحي في الدوائر الخمس.
ويتمتع البرلمان الكويتي بسلطات تشريعية ورقابية هي الأقوى، مقارنة بأي مؤسسة برلمانية خليجية أخرى، ويمكن لأي نائب استجواب رئيس الوزراء أو أي من الوزراء.
كما يمكن للنواب حجب الثقة عن أي وزير، وهو ما يوجب إقالته أو إعلان عدم التعاون مع الحكومة، ليحال الأمر في هذه الحالة للأمير الذي قد يقيل الحكومة أو يحل البرلمان.
مشاركة المعارضة في الانتخابات: تجري الانتخابات وفق نظام الصوت الواحد لكل مرشح، وهو النظام الذي تم إقراره بمرسوم أميري في 2012، واعترضت عليه المعارضة وسيّرت مظاهرات ضده في حينها، كانت هي الأوسع في تاريخ الكويت، وقاطعت بسببه الانتخابات التي تلته، معتبرة أنه يهدف إلى تقويض قوتها البرلمانية وإضعاف تمثيلها وتشتيت قوة الكيانات السياسية والاجتماعية الكبيرة.
وتشارك أطياف المعارضة المختلفة الإسلامية والليبرالية والمعارضون المستقلون في هذه الانتخابات، لكن يغيب عنها أقطاب معارضون من أهمهم نواب سابقون معارضون منهم مسلم البراك، وجمعان الحربش، وعبدالحميد دشتي، لوجودهم في منفاهم الاختياري خارج البلاد، بسبب إدانة البراك والحربش في قضية تعرف إعلامياً باقتحام مجلس الأمة وإدانة دشتي في قضية تتعلق بالإساءة للسعودية.
من جانبه، توقع الدكتور محمد الدوسري، المحلل السياسي الكويتي، أن تتعزز حظوظ المعارضة هذه المرة بسبب عودة كثير من الناخبين المقاطعين للمشاركة بأصواتهم من جديد في الانتخابات، مشيراً إلى أن هناك "نقمة شعبية على المجلس الماضي سوف تنعكس على نتائج هذه الانتخابات، بتعزيز حضور المرشحين المحسوبين على المعارضة بشكل عام".
الدوسري أضاف لوكالة رويترز: "هناك الكثير من القوانين التي طرحت في مجلس الأمة (الماضي)، لم تكن في صالح الطبقة الوسطى ومحدودي الدخل، وكانت هناك الكثير من الفضائح المالية التي انفجرت والتي كان متورطاً فيها العديد من الشخصيات السياسية في الكويت، والتي لم تجد محاسبة حقيقية من قبل هذا المجلس، ما جعل الناس يشعرون بعجر هذا المجلس وعدم قدرته على تمثيلهم بشكل صحيح".
ولا يوجد في الكويت أحزاب سياسية، لكن توجد تكتلات سياسية ومجموعات لمختلف التيارات والأفكار، كما تلعب العوامل الاجتماعية مثل الانتماء إلى قبيلة أو عائلة أو إلى طائفة دوراً مهماً في اتجاهات التصويت.
وقال أستاذ العلوم السياسية الكويتي الدكتور غانم النجار لرويترز إن "مصطلح المعارضة لا ينطبق علمياً على الكويت. بالطبع هناك أصحاب آراء معارضة إلا أن أغلبهم أفراد، وتعتمد قوة تأثيرهم بقدر ما يقومون به من تنسيق بينهم وقدرتهم على كسب التأييد الشعبي والحصول عليه ليست مسألة سهلة".
أضاف النجار أن هناك أشخاصاً يتحدثون بحدة ضد الحكومة "لكن هذا لا يجعلهم معارضة.. المعارضة تتم في أنظمة لها قابلية لتداول السلطة وتغييرها، السلطة هنا ممثلة في مجلس الوزراء والحكومة لا تتغير بالانتخابات".
توقعات عن الانتخابات: من جهتهم، يرى مراقبون أن الظروف التي فرضتها جائحة كورونا ستؤدي إلى ضعف المشاركة في عملية الاقتراع عموماً، وهو ما سيؤدي إلى زيادة حظوظ مرشحي التكوينات الاجتماعية والسياسية ذات الالتزام القوي.
ويوجد في الكويت أقلية شيعية قوية، ويقول غانم النجار إن "الحركة الدستورية الإسلامية (الإخوان المسلمون) هي أبرز الكتل التي تعتبر معارضة، والمؤشرات تدل على أنه سيكون لهم تمثيل أكبر، ومن الأرجح أن سيكون لهم ما بين أربعة إلى خمسة مقاعد في الخمس دوائر"، معتبراً أن "مرشحيهم وزنهم جيد. وهذا يعطي وزناً للحركة".
كذلك وفقاً للنجار فإن الائتلاف الوطني الإسلامي أو الجمعية الثقافية الاجتماعية ربما يكون لهم ما بين اثنين إلى ثلاثة مقاعد، "أما السلفيون فهم منقسمون، وبعضهم ليس له حظوظ وبعضهم حظوظه جيدة".
كذلك أشار إلى أن هنالك مجموعات من الشباب المعارضين المستقلين، "لاسيما في الدائرة الثالثة، يحاولون العودة من جديد، والأمر كله يعتمد على حجم المشاركة التي ستتأثر بعاملين، الأول كورونا، والثاني عدم الحماس للمشاركة، لأن هناك أناساً غير متحمسين، لشعورهم بأنه لا جدوى من المشاركة."
وتُعد هذه الانتخابات هي الأولى في عهد أمير الكويت الجديد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، الذي تولى زمام الحكم في سبتمبر/أيلول 2020، بعد وفاة أخيه أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح.
يعين أمير الكويت رئيس الوزراء الذي يشكل الحكومة، على أن يكون من بين أعضائها واحد على الأقل من نواب البرلمان، وجرت العادة أن يهيمن أبناء الأسرة الحاكمة على المقاعد الرئيسية في الحكومات المختلفة.
بحكم الدستور أيضاً يكون الوزراء جميعاً أعضاء في البرلمان، ويشاركون في التصويت باستثناء حالات حجب الثقة عن أي وزير، وهو ما يعطي الحكومة مزيداً من القوة والثقل داخل المؤسسة التشريعية.
كورونا والاقتصاد: تأتي هذه الانتخابات بينما تسببت الجائحة في هبوط كبير في أسعار النفط، الذي يشكل نحو 90% من الإيرادات العامة للدولة، وتوقع وزير المالية براك الشيتان في أغسطس/آب 2020 أن يصل عجز الميزانية العامة إلى 14 مليار دينار (46 مليار دولار)، في ضوء انخفاض أسعار النفط.
كانت التقديرات السابقة قبل أزمة كورونا وهبوط أسعار الخام تتوقع أن يصل العجز إلى 7.7 مليار دينار.
سبق أن فشلت الحكومة في إقناع البرلمان السابق بتمرير قانون يسمح لها باللجوء للأسواق العالمية من أجل اقتراض 20 مليار دينار على مدى 30 عاماً، وكان من المفترض أن تخصص 12 مليار دينار منها لسد عجز الميزانية، والباقي للمشروعات الرأسمالية.
وتفرض الحالة الاقتصادية للدولة على الحكومة تعاوناً وثيقاً مع مجلس الأمة، الذي يتوقع أن تشكل المعارضة جزءاً أساسياً منه هذه المرة لأسباب عدة، أهمها الضعف المتوقع للمشاركة في الانتخابات بسبب الجائحة، وفضائح مالية وسياسية طالت متنفذين في الدولة خلال السنة الأخيرة من عمر البرلمان.