تحولت مسيرات نظمها نشطاء في عشرات المدن الفرنسية ضد قانون الأمن الشامل المثير للجدل، السبت 5 ديسمبر/كانون الأول 2020، إلى مواجهات بين المتظاهرين والشرطة الفرنسية، بينما أشارت وسائل إعلام فرنسية إلى أن هناك حوالي 90 مظاهرة متفرقة بين جميع المدن الفرنسية.
إذ تخشى السلطات المحلية أن تتحول المظاهرات إلى مواجهات عنيفة بين المتظاهرين والشرطة، على غرار ما وقع الأسبوع الماضي، ويعتبر منظمو التحركات أن القانون ينتهك الحريات في بلد تهزه بين الفينة والأخرى قضايا جديدة تتعلق بعنف الشرطة.
قانون مثير للجدل لحماية الشرطة الفرنسية
تتناول الاحتجاجات التي تصاعدت، إلى أن أثارت أزمة سياسية، ثلاثة بنود من مشروع "قانون الأمن الشامل" تتعلق بنشر صور ومقاطع فيديو لعناصر الشرطة أثناء أداء عملهم، واستخدام قوات الأمن للطائرات المسيّرة وكاميرات المراقبة.
ورأت التنسيقية الداعية إلى التجمعات أن "مشروع قانون الأمن الشامل هذا يهدف إلى النيل من حرية الصحافة وحرية الإعلام والاستعلام وحرية التعبير، أي باختصار الحريات العامة الأساسية في جمهوريتنا".
بينما تنص المادة 24 التي تركز عليها الاهتمام على عقوبة بالسجن سنة ودفع غرامة قدرها 45 ألف يورو لبث صور لعناصر من الشرطة والدرك بدافع "سوء النية". وتؤكد الحكومة أن قانون الأمن الشامل تهدف إلى حماية العناصر الذين يتعرضون لحملات كراهية ودعوات للقتل على شبكات التواصل الاجتماعي مع كشف تفاصيل من حياتهم الخاصة.
غير أن معارضي النص يشيرون إلى أن الكثير من قضايا العنف التي ارتكبتها الشرطة لما كانت كشفت لو لم تلتقطها عدسات صحافيين وهواتف مواطنين. ويؤكدون أن القانون غير مجد إذ إن القوانين الحالية كافية للتصدي لجرائم كهذه، لافتين إلى أن القانون الفرنسي "يعاقب الأفعال وليس النوايا".
ماكرون يتراجع عن دعم قانون "الأمن الشامل"
تراجع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الجمعة 4 ديسمبر/كانون الأول، عن دعم مشروع قانون الأمن الشامل المثير للجدل، الذي اندلعت على إثره احتجاجات واسعة في أنحاء البلاد، وسط قلق حقوقي من تعارضه مع حرية التعبير.
إذ قال ماكرون في مقابلة مصورة مع موقع "بروت" الفرنسي، إن نص القانون الذي أثار جدلاً "ستتم إعادة صياغته"، في إشارة إلى المادة 24 من مشروع القانون.
كما أضاف: "دائماً سيكون مسموحاً للصحفيين والمواطنين بتصوير عناصر الشرطة ونشر هذه الصور على مواقع التواصل الاجتماعي"، وتابع: "لن ندع الأقاويل تشير إلى أننا نخفض من مستوى الحريات في فرنسا".
بينما برر ماكرون موقفه الجديد من قانون الأمن الشامل قائلاً: "لنكن واضحين، نحن في عالم مفتوح، وما تحظره في فرنسا غداً، يمكن نقله ووضعه على الإنترنت من بلجيكا أو إيطاليا".
حادث اعتداء أجج غضب الفرنسيين
الاستنكار بلغ ذروته عند نشر صور كاميرات مراقبة تظهر ثلاثة عناصر من الشرطة يعتدون بالضرب المبرح على منتج موسيقي من أصول إفريقية. ونددت الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي وبعض كبار وجوه الرياضة بعنف الشرطة.
كما دان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هذا "الاعتداء غير المقبول" و"الصور المخزية"، داعياً الحكومة إلى "أن تقدم له سريعاً مقترحات" من أجل "مكافحة جميع أشكال التمييز بفاعلية أكبر".
بينما يقول نواب فرنسيون إن مشروع القانون- الذي كان موضع انتقادات كثيرة واحتجاجات عديدة- عدّلته الحكومة، لضمان حرية الصحافة.
في المقابل، عبرت صحيفة "لوموند" الفرنسية عن القلق المنتشر في الوسط الإعلامي الفرنسي قائلة: "بسبب الخوف من الإدانة قد تمتنع وسائل الإعلام عن بث صور الحوادث التي يشارك بها ضباط الشرطة".
كما أدانت منظمة العفو الفرنسية مبدأ النية، باعتباره غامضاً للغاية، وقالت إنه يفتح أمام تفسيرات "عشوائية".
ودفع قطع رأس مدرس المدرسة الإعدادية صموئيل باتي، الرئيسَ الفرنسي إيمانويل ماكرون للتعهد بأن فرنسا لن تتوانى عن الدفاع عن حرية التعبير.
لكن باسم التمسك بالقيم الأساسية للجمهورية الفرنسية، أدخلت حكومة ماكرون وأعضاء حزبه تشريعات جديدة تقيد القيم الأساسية للجمهورية وتجعل حريات فرنسا مهددة فعلياً.
ما لم يتم تعديل القوانين أو إلغاؤها، ستصبح فرنسا قريباً دولة أقل حرية مما هي عليه الآن، حسب وصف مجلة The Atlantic الأمريكية.