يستعد الناخبون الكويتيون، السبت 5 ديسمبر/كانون الأول 2020، للإدلاء بأصواتهم لاختيار أعضاء جدد لمجلس الأمة (البرلمان)، في انتخابات ألقت فيها جائحة كورونا بظلالها على قضايا الحملات الانتخابية وربما يكون لها تداعيات على النتائج النهائية.
يتنافس في هذه الانتخابات أكثر من 300 مرشح، من بينهم أكثر من ثلاثين امرأة، في خمس دوائر انتخابية، للوصول إلى المقاعد الخمسين للبرلمان الكويتي.
فيما يتمتع مجلس الأمة بسلطات تشريعية ورقابية هي الأقوى لمؤسسة برلمانية على مستوى الخليج، بيد أن هناك من يرى أن البرلمان عائق أمام محاولات الإصلاح الاقتصادي والانضباط المالي في واحدة من أغنى دول العالم.
حملات انتخابية ضعيفة: رغم أن الحملات الانتخابية جاءت هذه المرة ضعيفة وباهتة بسبب كورونا، فإن القضايا التي أثارتها الجائحة هيمنت عليها وأعادت إنتاج القضايا القديمة مثل الصحة والتعليم ومعالجة خلل التركيبة السكانية وتضخم أعداد الوافدين وحقوق المواطنة الكويتية المتزوجة من غير كويتي والوضع الاقتصادي المتردي.
كما خلقت الجائحة قضايا وتحديات جديدة مرتبطة بالقضايا القديمة، مثل التعليم عن بعد، وحقوق الصفوف الأمامية في مواجهة المرض، وتوزيع اللقاح وتوقيته، ومشاكل أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
حمد العتيبي، وهو موظف حكومي يبلغ من العمر 43 سنة، قال لوكالة رويترز للأنباء إن"القضايا هي هي.. الصحة والتعليم والإسكان.. نحن ليس لدينا قضايا جديدة لأنه لم يتم حل القضايا القديمة أصلاً".
بسبب الجائحة ومنع السلطات الصحية لأي تجمعات كبيرة لجأ المرشحون إلى وسائل التواصل الاجتماعي بالدرجة الأولى للوصول إلى قواعدهم الشعبية بالإضافة إلى وسائل الإعلام من قنوات فضائية وصحف ومواقع إلكترونية كبديل لا غنى عنه عن المهرجانات والمآدب الكبيرة وزيارات الديوانيات وإقامة المخيمات.
فيما أتاح تلفزيون الكويت الرسمي للمرشحين المجال للدعاية لأنفسهم في مقاطع فيديو صغيرة لدقائق محدودة ووضع شعاراً واحداً لهذه الفقرة "مرشح أمة.. معاً نصنع المستقبل".
إجراءات وزارة الصحة: وأعلنت وزارة الصحة عدداً من الإجراءات الواجب اتباعها خلال عملية الإدلاء بالأصوات وأهمها الالتزام بوضع الكمامات ومنع التجمع خارج اللجان الانتخابية، وقياس درجات الحرارة قبل الدخول، وتحديد مسارات للدخول وأخرى للخروج، والتزام الجميع بالتباعد البدني، كما تم تخصيص عيادات طبية للحالات الطارئة.
وتوقع محمد الدلال، النائب في برلمان 2016 والذي لم يترشح لانتخابات 2020، أن تقل نسبة المشاركة في الانتخابات هذه المرة بسبب الجائحة وتأثيرها على التواصل المباشر بين المرشح والناخب.
إذ قال إنه رغم وجود وسائل التواصل الاجتماعي فإن "التواصل الشخصي مهم في المجتمع الكويتي".
فيما نافست اللافتات الإعلانية التي تحمل صور المرشحين وأسماءهم وشعاراتهم في الشوارع، الإعلانات التجارية عن الساعات الفاخرة والسيارات الجديدة وأدوات التجميل ومحلات الوجبات السريعة.
دعايات افتراضية بسبب كورونا: حرص كثير من المرشحين على تسجيل مقاطع فيديو احترافية من خلال شركات إنتاج، ولجأ بعضهم للقطات العفوية وتصوير الهواة حتى يكون أكثر قرباً من الناخبين، وكان لموقع تويتر النصيب الأكبر من الدعاية الانتخابية.
في حين اختار النواب المخضرمون عرض إنجازاتهم في البرلمانات السابقة، لجأ المرشحون الجدد إلى الهجوم على البرلمان السابق، وركز بعضهم على انتقاد خصومه ومنافسيه بشكل أكبر.
ناصر العبدلي، المحلل السياسي، توقع أن تقل المشاركة في هذه الانتخابات بنسبة 10% على الأقل مقارنة بالسنوات الماضية بسبب كورونا الذي تكهن بأن تأثيره سيكون جذرياً على الانتخابات.
وقال إن التسويق السياسي للمرشحين تأثر بسبب الجائحة، لا سيما بالنسبة للمرشحين الجدد الذين "لم يأخذوا فرصة كاملة في التواصل مع الناس بشكل مباشر واضطروا للذهاب إلى مواقع التواصل الاجتماعي التي لا يستطيع الإنسان أن يقول فيها كل أفكاره".
ورغم منع التجمعات فإن بعض المرشحين خاطروا بالدعوة العامة لافتتاح مقارهم الانتخابية مع تذييل الدعوة بضرورة "الالتزام بتعليمات وزارة الصحة".
عهد جديد: هذه هي الانتخابات الأولى في عهد أمير الكويت الجديد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح الذي تولى زمام الحكم في سبتمبر/أيلول الماضي بعد وفاة أخيه أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح الذي هيمن على الحياة السياسية الكويتية لما يقرب من عقدين.
فيما تشارك كل أطياف المعارضة في الانتخابات، لكن يغيب عنها رموز أقوياء مثل النائبين السابقين مسلم البراك وجمعان الحربش اللذين ما زالا في المنفى الاختياري في تركيا، بعد الحكم بسجنهما في قضية تعرف إعلامياً باسم "اقتحام مجلس الأمة".
ويرى مراقبون أن الضعف المتوقع في عملية التصويت سيكون في نهاية المطاف لصالح مرشحي القبائل والتيارات الإسلامية نظراً لارتفاع قدرتها على الحشد.
الدلال قال إن "النجاح سيعتمد على تحفيز الناخبين (للذهاب لمراكز الاقتراع)، وبالتالي فإن أي مكون لديه قاعدة (جماهيرية) سواء كانت قبيلة أو تياراً أو غيره ولديه استعداد للحشد ستكون فرصته أكبر في النجاح، ومن لديه تعبئة اجتماعية سيكون أقدر على الحشد".
فيما تجري الانتخابات وفق نظام الصوت الواحد الذي أثار جدلاً واسعاً عند إقراره في 2012 واعتبرته المعارضة يستهدف إضعاف تمثيلها وقوتها في البرلمان.
العبدلي أضاف قائلاً إن "نظام الصوت الواحد هو أفضل نظام، لأنه يسمح بتمثيل الشرائح الاجتماعية كافة وليس السياسيين فقط".
في المقابل رأى الدلال أن هذا النظام "يؤدي إلى تعظيم الأداء الفردي في المجلس على حساب العمل الجماعي الذي هو الأصل في العمل البرلماني، وهذا لا يساهم في الإنجاز. كما أن هذا النظام يساهم في تمزيق المجتمع، لأنه يجعل التمثيل البرلماني يأتي من مكونات صغيرة وليست كبيرة"، مضيفاً أن هذا الأمر يجعل الناس ترجع إلى القبيلة والطائفة والعائلة والعرق (للفوز بالمقعد) ويكون النسب الاجتماعي أكثر تأثيراً، ليصبح بذلك تمثيل النواب لهذه التكوينات الاجتماعية وليس للأمة كلها وهو ما يضعف سلطة الدولة المركزية. وبالتالي فإن النائب يركز على أداء المعاملات والخدمات لمن أوصله إلى البرلمان وليس على الأمة وقضاياها الرئيسية.
برلمان الكويت: المدة الدستورية للبرلمان الكويتي أربع سنوات، لكن برلمانات قليلة أتمت مدتها كاملة خلال الثلاثين سنة الأخيرة منذ تحرير الكويت من الاحتلال العراقي في 1991، بسبب الصراعات الممتدة بين الحكومة التي يسيطر عليها أبناء الأسرة الحاكمة والبرلمان الذي يتسم عادة بوجود معارضة قوية. وقال المواطن حمد العتيبي: "الخوف الأكبر هذه المرة لدى المرشحين هو إشاعات كورونا يوم الانتخابات".
أضاف مشيراً إلى اللجان الانتخابية التي تقام في المدارس: "أي مدرسة يطلع عنها إشاعة بوجود كورونا سيعزف الناس عنها… هذا قد يغير النتائج النهائية. كل مرشح يحاول أن يدفع بمؤيديه منذ الصباح قبل أي تطورات سلبية في دائرته".