ظهر الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد في مقابلة بُثت على شبكة الإنترنت مع رئيس تحرير صحيفة "كيهان" المحافظة السابق حسين شريعتمداري، متحدثاً عن الكثير من الأمور داخل الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
واعترف أحمدي نجاد خلال مقابلته الأخيرة، التي أثارت الجدل، بأنه اتخذ العديد من المواقف المتشددة فى فترة حكمه قبل أن يفهم الكثير من الأمور، منها إلزامية الحجاب، وفصل الدين عن الدولة، وترك الشعب يُقرر في عدد من الأمور الذي تخصّه.
تصريحات نجاد أعادها بعض المراقبين للشأن السياسي الإيراني إلى أنه "يريد كسب ثقة الطبقة المتوسطة الحالمة بالحريات الاجتماعية والسياسية، وهذه البطاقة كثيراً ما لعب بها حسن روحاني في حملاته الانتخابية السابقة".
نجاد وإلزامية الحجاب
تراجع أحمدي نجاد عن موقفه من "إلزامية الحجاب" في المجتمع الإيراني، وذلك بعدما شدد طوال سنوات ولايته الممتدة من 2005 إلى 2013 المراقبة على الحجاب الإلزامي، بالإضافة إلى تكثيف الغرامات المالية على النساء المخالفات، الأمر الذي تسبب في العديد من المشاحنات بين النساء وشرطة الأخلاق المكلفة بمراقبة الحجاب في إيران.
وقال أحمدي نجاد في المقابلة الأخيرة إن "الشعب الإيراني هو الوحيد الذي من المفروض أن يحدد طريقة اللباس في البلاد"، منتقداً "إصرار السلطات الإيرانية على الحجاب الإلزامي للنساء، وتسجيل مخالفات عليهن".
وأضاف أحمدي نجاد: "حتى وإن كان الحجاب الإلزامي واحداً من قوانين الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فيجب استفتاء الشعب عليه، وإن كان المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي مقتنعاً ومؤمناً تمام الإيمان بأهمية فرض الحجاب في إيران، فلا يجب أن تسير الأمة بأكملها على حسب رأي شخص واحد"، معتبراً أن "القانون عقد اجتماعي والشعب الإيراني سيحدد تطبيقه من عدمه دون أي شخص آخر".
وأجاب الرئيس الإيراني السابق على سؤال المحاور كون قانون "الحجاب الإلزامي" في إيران يأتي من مصادر الشريعة الإسلامية ولا يجب الاستفتاء عليه، رد نجاد: "حتى وإن كان قانوناً إسلامياً يجب أن يمر عبر البرلمان، وعندما يكون البرلمان ممثلاً لإدارة الشعب الايراني بالفعل، سيكون الاستفتاء على القانون أمر صحياً".
تصريحات محمود أحمدي نجاد جاءت بعد موقف المرشد الأعلى بخصوص الحركة الاحتجاجية النسائية التي خرجت للشارع مطالبة بإلغاء "إلزامية الحجاب"، متسائلاً: "ألم تتغير وجهة نظر القيادة خلال السنوات الماضية، بعد كل ما شهدناه من حركات احتجاجية مختلفة المطالب؟".
وقبل ثلاث سنوات شهدت الجمهورية الإسلامية الإيرانية حملة احتجاجية من قبل النساب الإيرانيات حملت اسم "فتيات شارع الثورة"، وهن مجموعة من النساء احتججن علانية على الحجاب الإلزامي من خلال خلعه وسط شارع "انقلاب" (الثورة)، الذي يعد واحداً من أهم وأكبر الشوارع في العاصمة الإيرانية طهران، حينها وصف المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي الحركة الاحتجاجية بأنها "حقيرة وتم التلاعب بالفتيات من قبل الغرب".
نجاد والبرلمان وتدخلات خامنئي
استغل الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد مقابلته الأخيرة لانتقاد ما سمّاه "تدخلات مكتب القائد آية الله خامنئي في إدارة البلاد"، ويقصد بمكتب القائد هنا، المسؤولين عن إدارة مكتب المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.
وقال أحمدي نجاد: "عندما تمت مناقشة الاتفاق النووي داخل البرلمان والتصويت بالموافقة عليه، ضغط أحد أعضاء مكتب القائد على النواب من أجل الموافقة السريعة على الصفقة دون إعطائهم المساحة القانونية والزمنية لمناقشة الاتفاق"، مشيراً إلى أن "التصويت على الاتفاق النووي في البرلمان تم خلال 20 دقيقة فقط".
وأكد أحمدي نجاد في المقابلة على وجود مشاكل هيكلية واضحة في النظام الإداري الإيراني قائلاً: "لا يمكن أن يستحوذ طرف من الأطراف على جميع مقاليد الحكم داخل الجمهورية الإسلامية؛ لأننا بذلك نُعيد تدوير الديكتاتورية"، مشيراً في انتقاده إلى المرشد الأعلى خامنئي الذي له اليد العليا في جميع القرارات الداخلية والخارجية للجمهورية الإسلامية، والذي يريد أن يعيد بإيران -حسب نجاد- إلى "فترة الملكية قبل الانقلاب على شاه إيران عام 1979".
وبمناسبة الحديث عن البرلمان ومدى تمثيله لإرادة الشعب الإيراني، قال أحمدي نجاد في المقابلة: "المشكلة هنا ليست في الاستفتاء على القوانين، بل تكمن في البرلمان، الذي كما نرى لا يمثل إرادة الشعب وليس له أي سلطة".
ويعرف البرلمان الإيراني الحالي، الذي شهدت انتخابات في فبراير/شباط 2020، جدلاً واسعاً، وإقبالاً انتخابياً ضعيفاً غير مسبوق في تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية بسبب إقصاء مجلس صيانة الدستور لعدد كبير من المرشحين الإصلاحيين، يضم عدداً من مؤيدي أحمدي نجاد، فالنائب الأول والثاني لرئيس البرلمان، هما من أكثر السياسيين قرباً من دائرة الرئيس السابق.
نجاد والدين والدولة
استغل الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد المقابلة لطرح فكرة "فصل الدين عن الدولة"، وإن كان بشكل غير مباشر، قائلاً: "إن قبول الدين الإسلامي لا يعني قبول الجمهورية الإسلامية، فإذا كان هناك شخص مؤمن وصوت للجمهورية الإسلامية، ثم جاء بعد ذلك رفض حكم الجمهورية وانتقد أخطاءها، هل هذا يعني أن نحكم عليه بأنه غير مؤمن ويجب سحقه؟".
وانتقد أحمدي نجاد دور رجال الدين في الحكم قائلاً: "حينما نصبح متعجرفين متسلطين يصبح الدين لعبة في أيدينا، ولا يمكن أن نجعل الدين أداة للسيطرة على الناس".
وبالرغم من أن التصريحات الأخيرة لأحمدي نجاد أثارت ردود فعل واسعة النطاق بين الإيرانيين، خاصة فيما يتعلق بمسألة الحجاب الإلزامي وفصل الدين عن الدولة، فإنها لم تكن المرة الأولى التي يُفاجِأ بها نجاد الشعب الإيراني بتصريحاته الصادمة.
ففي عام 2017 عندما أعلن نجاد نيته ترشحه للانتخابات الرئاسية، ونصحه المرشد الأعلى بعدم خوض الانتخابات منعاً لحدوث فتنة داخل البلاد لكنه تصدى لنصيحته، الأمر الذي يعتبر سابقة لأنه نادراً ما يقوم شخص داخل إيران بتحدي المرشد الأعلى، وأصر بذلك نجاد على تقديم أوراق ترشحه، وكانت النتيجة الطبيعية أن مجلس صيانة الدستور قد منعه من الترشح ورفض التصديق على أهليته.
بعد ذلك قام أحمدي نجاد بزيارات كثيرة إلى المحافظات الإيرانية التي يتواجد بها عدد كبير من مؤيديه، وفي إحدى هذه الزيارات إلى محافظة الأهواز، خاطب نجاد الجماهير قائلاً: "الشخص الذي لديه مزاج ملكي ويعتقد أن 80 مليون شخص لا يفهمون وهو فقط الذي يفهم جميع الأمور…"، وهو التصريح الذي تم تداوله بشكل كبير خصوصاً أن مفهومه غير مبهم، والجميع فهم أنه يقصد بكلامه المرشد الأعلى علي خامنئي.
يقول المحلل السياسي المقيم بطهران مهدي مير أشرفي لـ"عربي بوست" إن "هذه التصريحات فسّرها البعض بأن نجاد كان يقصد حسن روحاني، والبعض الآخر ذهب إلى أنه كان يقصد آية الله خامنئي، ولا أستبعد التفسير الثاني".
نجاد والدور الثوري
وبعد انتهاء فترة ولايته الثانية عام 2013، اختفى أحمدي نجاد قرابة العام عن الساحة السياسية، وفي عام 2015 بدأ في العودة تدريجياً، لكنه عاد بدور جديد غير الأول الذي ظهر به في إيران.
يقول مير أشرفي لـ"عربي بوست": "أحمدي نجاد من أكثر الساسة الإيرانيين ذكاءً لأنه لم يقبل بدور فتى المرشد المدلل المطيع، ولم يقبل بالانضمام إلى الإصلاحيين الذين فقدوا شعبيتهم، فاختار لنفسه دوراً ثورياً جديداً ليصبح هو بحد ذاته تياراً ثالثاً داخل إيران".
ووصف أشرفي أحمدي نجاد بـ"رجل شديد الدهاء، ولديه عين حريصة على فهم الوضع السياسي داخل إيران"، وقال: "أحمدي نجاد ما زال مؤمناً مخلصاً لثورية الخميني ويرى في نفسه قائداً ثورياً جديداً، ومن خلال تفسير خطاباته تجد أن الرجل غير مقتنع بالشكل الحالي للحكم في الجمهورية الإسلامية".
ويُظهر تحليل أدبيات أحمدي نجاد أنه بالفعل يسعى لدور القيادة الثورية الجديدة، فهو على الرغم من الشائعات حول رغبته الوصول إلى منصب الرئيس مرة أخرى، فإن الرجل تخطى هذه الرغبة، فهو يريد حكم الجمهورية الإسلامية بأكملها.
ويتمتع الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد بشعبية كبيرة وسط الطبقة الإيرانية الفقيرة، وهذا يعود إلى سياسته الشعبوية أثناء سنوات حكمه.
وفي السنوات الأخيرة دأب أحمدي نجاد على تقديم نفسه كـ"زعيم" حركة شعبية جديدة مناهضة للظلم والفقر والتمييز والفساد، وكانت تلك هي أهداف آية الله روح الله الخميني في ثورته للانقلاب على حكم الأسرة البهلوية في إيران.