قالت وزارة العدل الأمريكية، الجمعة 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، إن الجاسوس الأمريكي اليهودي جوناثان بولارد، الذي يشكل محور خلاف بين واشنطن وإسرائيل، أنهى عقوبته وأصبح حراً إذا أراد مغادرة الولايات المتحدة.
كان جوناثان بولارد، المحلل السابق في استخبارات سلاح البحرية الأمريكي، أُوقف في 1985 بتهمة التجسس لحساب الدولة العبرية. وحكم في 1987 بالسجن مدى الحياة رغم إقراره بالذنب، في إطار اتفاق أبرمه محاموه مع المحكمة أملاً في تخفيف العقوبة.
زمن الحرب الباردة: وفي أوج الحرب الباردة سببت هذه القضية أزمة حادة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، توقفت بوعد قطعته الدولة العبرية بوقف كل نشاطاتها التجسسية على الأراضي الأمريكية.
لكن بعدما أمضى ثلاثين عاماً في السجن أطلق سراحه، في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، مع إلزامه بوضع سوار إلكتروني للمراقبة، واحترام منع للتنقل. كما منع من العمل مع أي شركة حواسيبها غير مزودة ببرنامج الحكومة الأمريكية الإلكتروني للمراقبة ، وفق تقرير فرنس برس الأحد 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020.
كذلك منع بولارد أيضاً من مغادرة الأراضي الأمريكية لمدة إضافية تبلغ خمس سنوات، وكان محاموه ذكروا أن هذه القيود شكلت "عوائق تعجيزية أمام قدرة السيد بولارد على كسب عيشه".
لجنة مراقبة الإفراج: وفي نهاية هذه الفترة كان بإمكان "لجنة مراقبة الإفراج المشروط"، الوكالة التابعة لوزارة العدل، إطالة أمد وضعه هذا.
لكن وزارة العدل قالت في بيان "بعد مراجعة قضية السيد بولارد، توصلت لجنة الإفراج المشروط الأمريكية إلى أنه لا توجد أدلة تقود إلى الاستنتاج بأنه يمكن أن أن يخرق القانون".
كما أضافت اللجنة أنها نتيجة لذلك "أمرت برفع الشروط المفروضة على إطلاق سراحه".
كان بولارد الذي يبلغ من العمر اليوم 66 عاماً، عبّر باستمرار عن رغبته في الانتقال إلى إسرائيل التي حصل على جنسيتها في 1995، ويعتبر بطلاً قومياً فيها.
من جانبه قال إليوت لوير وجاك سميلمان، محاميا بولارد، في بيان "نحن ممتنان ومسروران لأن موكلنا تحرر أخيراً من كل القيود وهو الآن رجل حر". وأضافا "نتطلع إلى رؤية موكلنا في إسرائيل".
في الوقت نفسه لم يؤكد المحاميان ما إذا كان بولارد ينوي مغادرة نيويورك التي يقيم فيها منذ 2015، قريباً. وأوضحا أنه "مسرور لتمكنه أخيراً من مساعدة زوجته إستر" التي تعاني من مرض السرطان.
وتابعا أن "بولارد يرغب في أن يعرف الناس أن زوجته وليس أي شخص آخر، هي من ساعده على البقاء حياً طوال السنوات التي قضاها في السجن".
شكر بنيامين نتنياهو: من جانبه شكر بولارد في البيان نفسه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والسفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة رون ديرمر على الجهود التي بذلاها من أجله.
حيث شكل ملف بولارد لفترة طويلة حجر عثرة في طريق العلاقات بين واشنطن وإسرائيل. وقد طلبت الحكومة الإسرائيلية مراراً من السلطات الأمريكية السماح بعودته إلى الدولة العبرية، من دون جدوى.
ولم يغفر مسؤولون كبار في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) أو وكالة المخابرات المركزية (سي آي أيه) للجاسوس تسليمه إسرائيل، الحليفة الاستراتيجية للولايات المتحدة في أوج الحرب الباردة، كميةً هائلة من المعلومات السرية الدفاعية، مقابل المال.
فيما أفادت معلومات أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية كانت تعارض بشدة أي عقوبة أقل من تلك التي فرضت عليه، وتعادل تلك التي تفرض في قضايا التجسس الخطيرة المتعلقة بروسيا.
في حين ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في 1998، عندما كان الرئيس بيل كلينتون يقود محادثات السلام في الشرق الأوسط، أن مدير وكالة الاستخبارات المركزي حينذاك جورج تينيت، هدد بالاستقالة إذا خضع كلينتون لضغط إسرائيل من أجل إدراج إطلاق سراح بولارد في أي اتفاق سلام.
حيث كتب الضابط السابق في وكالة الاستخبارات مارك بوليمروبولوس، في تغريدة "سيكون الأمر مزعجاً للغاية إذا تم الترحيب بهذا الخائن باحتفالات الأبطال في تل أبيب". وأضاف "إذا كان الإسرائيليون أذكياء فسيقومون بذلك بلا ضجيج".
الآلاف من الدولارات: كان بولارد قد التقى كولونيلاً إسرائيلياً في نيويورك، وقام بإرسال أسرار أمريكية إلى إسرائيل مقابل عشرات آلاف الدولارات.
فيما تفيد وثائق وكالة الاستخبارات المركزية التي رفعت عنها السرية في 2012، أن الغارة الإسرائيلية على مقر قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في تونس، في أكتوبر/تشرين الاول 1985، التي أسفرت عن مقتل نحو 60 شخصاً تم التخطيط لها استناداً إلى معلومات قدمها بولارد.
كما تفيد أنه ساعد إسرائيل في اغتيال الرجل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية خليل الوزير (أبو جهاد) في تونس في 1988.
لكن واشنطن وإسرائيل اللتان تتعاونان بشكل وثيق في مجال الاستخبارات، كانتا راغبتين في طيّ صفحة هذه القضية.
ورداً على سؤال خلال مؤتمر صحفي عن إمكانية تدخل الرئيس دونالد ترامب في هذه المسألة، قالت الناطقة باسم البيت الأبيض كايلي ماكيناني إنها لم تبلغ بأمر من هذا النوع.
فيما لم يصدر أي رد فعل فوري من المنظمات اليهودية الأمريكية أو شخصيات سياسية، فيما يعكس على الأرجح حساسية التعليق على مواطن أمريكي تجسس على بلاده لحساب أحد أقرب حلفائها.
نقل أسرار أمريكية: وفي 2005، اتُّهم المسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية لاري فرانكلين بنقل أسرار أمريكية إلى إسرائيل، عبر مجموعة الضغط "لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية" (أيباك).
وفرانكلين نقل شفهياً معلومات سرية بشأن إيران إلى اثنين من مسؤولي "أيباك"، قاما بإبلاغ إسرائيل بها بعد ذلك.
في المقابل، حُكم على فرانكلين بالسجن 13 عاماً في 2009، لكن بعد ثلاث سنوات تم تخفيض العقوبة إلى عشرة أشهر في الإقامة الجبرية، بعد أن أسقط المدعون العامون قضايا التآمر التجسسية ضد مسؤولي "أيباك".