الجيش المصري لم ينجح فقط في صد هجمات الإرهابيين وحماية البلاد من كيد الأعداء، وإنما استطاع الانتصار على فيروس كورونا نفسه!
بنبرة ساخرة علق عبدالرحمن وهو أحد سكان محافظة الاسكندرية أشهر المحافظات الساحلية في مصر وأكثرها شعبية على ما يحدث في المحافظة منذ بداية الصيف الماضي ومستمر حتى الآن.
وصف عبدالرحمن المشروعات الاستثمارية التي يدشنها الجيش بأنها تغول على شواطئ المحافظة وشوارعها بالتواطؤ مع المسؤولين دون مراعاة للسكان ولا للزوار خصوصاً من الفقراء ومحدودي الدخل الذين لا يستطيعون تلبية طلب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي أطلقه حينما كان لا يزال وزيراً للدفاع، ثم كرره لاحقاً عدة مرات، حين قال: "هتدفع هاوريك اللي عمرك ماشفته.. لكن مفيش حاجة عندي اسمها ببلاش!".
نزهة برعاية القوات المسلحة
يعاني رواد وسكان المدينة من مشكلتين: الأولى تمسّ الزوار بالأساس وتتمثل في غلق الشواطئ العامة التي تفرض رسوم دخول بسيطة تسمح للعائلات بقضاء الوقت على البحر مقابل السماح بفتح الشواطئ التابعة للقوات المسلحة وفنادقها، لكن بأضعاف الرسوم التي تتحصل عليها الشواطئ العامة.
المشكلة الثانية تمسّ سكان المدينة وتؤرق حياتهم بعدما وضع الجيش يده على مناطق مميزة على كورنيش البحر هناك وقرر تحويلها إلى أماكن استثمارية تحت مسمى مشروع تطوير منطقة مصطفى كامل الذي أطلق قبل 4 سنوات ليحجب مشهد البحر عن سكان تلك المناطق والمارين عبرها، ولا يزال العمل فيه مستمراً رغم الاعتراضات الشعبية والنيابية الهائلة، خصوصاً أن العمل فيه تم بليل دون إعلان مسبق أو دراسة الأثر البيئي والنسق الحضاري للمشروع.
توجد في الإسكندرية عشرات الشواطئ العامة التي تفتح أبوابها أمام الجمهور بأسعار دخول رمزية تتراوح بين 10 و25 جنيهاً للفرد الواحد، تديرها مجموعة من صغار المستثمرين أو لنقل مقاولين أغلبهم من محافظات الصعيد، يحصلون على حق إدارتها في مزاد علني لمدة تتراوح بين 3 و5 سنوات، تعلن عنه الإدارة المركزية للسياحة والمصايف وتنفذ الإجراءات إدارة التعاقدات التابعة لمحافظة الإسكندرية، وهذه الشواطئ كلها مغلقة منذ بداية الصيف الماضي ضمن الإجراءات الاحترازية ضد تفشي فيروس كوفيد 19.
كما توجد مجموعة أخرى من الشواطئ السياحية تتبع بعض الفنادق الخاصة وأخرى تتبع بعض الهيئات وبينها فنادق وشواطئ تابعة للقوات المسلحة وفندق تابع لوزارة الداخلية، وهذه تصل رسوم دخولها إلى أرقام فلكية تبلغ ٣٥٠ جنيهاً للفرد في شاطئ تيوليب بجليم، وهو تابع للقوات المسلحة، بينما تقل إلى 100 جنيه للفرد أيضاً في شاطئ 26 يوليو ووردة العصافرة وهما تابعان للجيش أيضاً، وهناك شاطئ ٦ أكتوبر التابع للقوات المسلحة، حيث تصل تكلفة حجز يوم كامل فيه إلى ٢٠٠ جنيه الفرد، فيما تبلغ تكلفة رسم دخول شاطئ المعمورة ١٥٠ جنيهاً للفرد.
الحد الأدنى للرواتب الذي قررته الحكومة يكفي الأسرة لدخول شواطئ الجيش مرة واحدة
شريف أيمن وهو موظف بهيئة تابعة للأزهر يتقاضى نحو 4 آلاف جنيه راتباً شهرياً، عبّر عن غضبه من استمرار الحكومة في التضييق على الشعب مقابل منح كل المميزات الممكنة للجيش، فقال لـ"عربي بوست" بلهجة حادة: "يعني إيه أني لما أحب أروح إسكندرية مع أولادي وزوجتي يبقى عليّ إني أدفع 900 جنيه بس للتذاكر علشان ندخل أي شاطئ، ده بخلاف أسعار الكراسي والشمسية والأكل وخلافه؟!".
ويضيف متعجباً: "يعني الحكومة حيرتنا بصراحة معاها، فهي عندما تقرر أن تجعل الحد الأدنى لرواتب الموظفين 2000 جنيه، علماً بأن هناك عشرات من زملائي الأحدث سناً لم يصلوا لهذا الرقم حتى اللحظة التي أتكلم فيها معكم بدعوى أن تطبيق الحد الأدنى لا يزال تحت الدراسة، بصرف النظر عن هذا فإن الحكومة إذا كانت تقول إن 2000 جنيه شهرياً تكفي لإعاشة الموظف وأسرته بكل تفاصيلها، إذن كيف تترك جهة عامة في الدولة تحدد أسعاراً خرافية لدخول الشواطئ التي هي في الأساس يفترض أن تكون عامة ومجانية؛ لأنه وفقاً لهذه الأسعار فإن راتبي أنا مثلاً وأنا أتقاضى ضعف الحد الأدنى لا يكفي سوى لدخول واحد من تلك الشواطئ والغداء مع أسرتي سوى مرتين أو ثلاثة على أحسن تقدير".
معاناة شريف لم تكن فردية وإنما شاركه فيها ما لا يقل -بحسب تقديرات صحفية مصرية- عن مليوني مصطاف يقصدون الإسكندرية سنوياً خلال شهور الصيف، وأغلبهم من المنتمين للطبقة المتوسطة والدنيا الذين يبحثون في تلك الزيارة السنوية عن ضخ بعض دماء الحياة في عروقهم وعروق أولادهم والهرب من الضغوط المعيشية المتزايدة التي تتفنن الحكومة في فرضها.
لكن كما يقول "ب. م" (صحفي بإحدى المؤسسات الصحفية الحكومية في القاهرة) جاءت الإجراءات الاحترازية لمكافحة انتشار فيروس كورونا، لتمنع عنهم الفسحة الوحيدة التي ينتظرونها من عام لآخر، في حين أن الأثرياء و"اللي يقدروا يدفعوا علشان الرئيس يجعلهم يرون ما لم يروه من قبل كما يقول في خطاباته المستمرة" لم يجدوا مشكلة في الاستمتاع بصيفهم لأن شواطئ القوات المسلحة كانت مفتوحة أمامهم بكل ما فيها من سبل للترفيه، وهو ما دفع العشرات لطرح سؤال نعرف أن الحكومة لن تجيب عليه أبداً وهو: "هل يخشى فيروس كورونا إصابة المترددين على شواطئ القوات المسلحة، ويصيب المترددين على الشواطئ العامة فقط؟".
الشواطئ الخاصة في الإسكندرية ومنها شواطئ القوات المسلحة لا تخضع لسلطة المحافظة
اللواء جمال رشاد، رئيس الإدارة المركزية للسياحة والمصايف، فسّر التباين في التعامل مع الشواطئ العامة وشواطئ القوات المسلحة بقوله إن المحافظة (الإسكندرية) قامت بإغلاق 61 شاطئاً عاماً في المحافظة، بالإضافة إلى الحدائق العامة تطبيقاً للإجراءات الاحترازية التي أصدرها مجلس الوزراء، كما قامت الإدارات المعنية في المحافظة ولا تزال تنفذ حملات مفاجئة على تلك الشواطئ للتأكد من التزام الجميع بقرارات الإغلاق.
في المقابل تقف المحافظة بكل أجهزتها مكتوفة الأيدي عن الرقابة أو تنفيذ قرارات مجلس الوزراء على الشواطئ الخاصة في الإسكندرية بدعوى أنها لا تخضع لسلطة المحافظة بحسب القانون، وهذه الشواطئ تتبع الفنادق الخاصة أو الشواطئ التي تمتلكها بعض الهيئات الفئوية، وأخيراً الشواطئ التابعة للقوات المسلحة.
ورفض اللواء التعليق على سبب السماح لأحد الشواطئ التي تديرها القوات المسلحة وسط الشواطئ العامة بدخول المواطنين إليها، رغم أنه لا يفصله عن شاطئين عامين محيطين به إلا سور خشبي فقط.
الغريب أنه في نفس الوقت الذي تمنح فيه فنادق الإسكندرية استثناء خاصاً من قرارات الحظر إلا أنها لم تسلم من انخفاض واضح ومخيف، بحسب ما قالته "عزة. س" مديرة العلاقات العامة بأحد الفنادق الخاصة لـ"عربي بوست"، حيث أكدت أن نسبة الإشغال في الفندق طوال الصيف لم تزد على 20% فقط من طاقته الاستيعابية بسبب قرارات الحكومة المشددة لتطبيق الإجراءات الاحترازية ضد انتشار فيروس كوفيد 19.
نصيحة فاسدة من مسؤول تسبب خسائر كبيرة لفندق بالمحافظة والهدف إفساح المجال لفنادق القوات المسلحة
وتقدم عزة مزيداً من التوضيح فتقول إن "التعليمات الحكومية جاءت في البداية بالإغلاق الكامل، ثم تم السماح باستقبال الزوار في بداية الصيف بحيث لا تتعدى نسبة الإشغال 50% فقط من طاقة الفندق الاستيعابية، لكننا لم نصل لهذه النسبة أبداً، خصوصاً أن إدارة الفندق قررت بناءً على "نصيحة من أحد المسؤولين في المحافظة" استمرار غلق الشاطئ الخاص بالفندق تحسباً لانتشار فيروس كورونا بين المصطافين، حيث قال ذلك المسؤول إنه في تلك الحالة ستتدخل الدولة الرسمية لاتخاذ إجراءات ضد الفندق ربما تصل للإغلاق، بخلاف السمعة السيئة التي ستلصق بالفندق وتؤثر على نشاطه في المستقبل".
تضيف: "التزمنا بكل القرارات والنصائح وضحينا بالخسائر المادية الرهيبة في موسم يفترض أننا نعول عليه لتعويض خسائر السنة كاملة، لكن صدمتنا كانت مفزعة حينما علمنا بأن تلك النصيحة التي قدمها المسؤول لم تكن سوى نصيحة فاسدة كان الهدف منها إخلاء المجال لفنادق القوات المسلحة لاستقبال المصطافين الأثرياء مع تمتعها بميزة شواطئها المفتوحة، وهي الميزة التي لم تتمتع بها الفنادق المدنية التي كان يفضلها هؤلاء المصطافون على مدى السنوات بفضل الاسم والسمعة الطيبة، وأن الإقامة فيها كانت بمثابة الإرث الذي انتقل عبر الأجيال، وبالطبع حينما حاولنا الشكوى للهيئات المختصة لم نجد سوى التجاهل أو نصائح أخرى بأن نغلق الملف تماماً حتى لا نتأذى سواء اقتصادياً أو حتى بشكل شخصي".
علي المناسترلي، رئيس غرفة شركات السياحة في الإسكندرية، نفى علمه بهذا الكلام، لكنه لم ينكر أن نسبة الإقبال على فنادق الإسكندرية التي يصل عددها إلى 15 فندقاً مدنياً، كانت ضعيفة خلال الصيف المنتهي، مقارنة بنفس الفترة في السنوات السابقة، لكنه أرجع ذلك التراجع إلى الإجراءات الحكومية لمواجهة تفشي فيروس كورونا، حيث قال إن وزارة السياحة والآثار سمحت باستقبال النزلاء شرط ألا تتعدى نسبة الإشغال 50%، مع اتخاذ جميع الإجراءات الاحترازية والوقائية الكافية.
ورغم أن جميع فنادق الإسكندرية والساحل الشمالي تمتلك شواطئ خاصة، ولم تخضع لقرارات إغلاق الشواطئ العامة، كما قال المانسترلي، فإن نسب الإقبال ما زالت قليلة، مشيراً إلى أن محافظة الإسكندرية تضم 4800 غرفة فندقية لم تصل نسب الإشغال بها العام الجاري إلى 50%، رغم أنها دائماً ما تسجل 100% إشغال خلال المواسم والأعياد، ورفض المسؤول الإجابة عن سبب الميزات الحصرية الممنوحة لفنادق القوات المسلحة في المحافظة قائلاً إن إدارة تلك الفنادق لا سلطة لأي جهة عليها سوى قيادة القوات المسلحة فقط.
مشروع تطوير منطقة مصطفى كامل ظهر فجأة قبل 4 سنوات دون الإعلان عنه
المشكلة الثانية التي يواجهها أهالي محافظة الاسكندرية طوال العام، هي مشروع تطوير منطقة مصطفى كامل الذي ظهر فجأة قبل 4 سنوات دون الإعلان عنه، ما دفع مجموعات من مواطني الإسكندرية لتنظيم وقفة احتجاجية في ديسمبر/كانون الأول من عام 2016، للاعتراض على المشروع الذي ينفذ لصالح الإدارة العامة لنوادى وفنادق القوات المسلحة المصرية.
وتقدر ميزانية المشروع الذي تم افتتاح جزء منه بالفعل حوالي مليار جنيه مصري ويهدف بالأساس لربط فنادق وشواطئ القوات المسلحة بمنطقة سيدي جابر ببعضها.
ويضم المشروع مجمعاً سياحياً ترفيهياً على شاطئ الكورنيش يمتد من سيدي جابر وسط البلد حتى منطقة رشدي، بطول يبلغ حوالي 900 متر ويتضمن إنشاء فندق تيوليب 2 الذي يحوي جراجاً مُتعدد الطوابق أمام الشاطئ، وكوبري يربط المشروع بالجهة المقابلة، من خلال مسار علوي معزول، بالإضافة إلى نفق يربط المجمع السياحي في منطقة مصطفى كامل بالفندق في منطقة رشدي.
وطبقاً لما أعلنته القوات المسلحة على الصفحة الرسمية للمشروع على فيسبوك فإنه يضم أكبر مجموعة مطاعم متخصصة وكافيهات عالمية وأكبر ماركات الملابس العالمية، بالإضافة إلى صالة دولفين وأسماك نادرة، وصالة تزحلق علي الجليد، وبولينغ ونافورة راقصة، ملاعب أسكواش، صالة العاب رياضية "جيم" ومارينا للرحلات البحرية ومدرسة ومركز للغوص بخلاف مسرح وحديقة للنباتات النادرة وأماكن مخصصة للصيد.
القوات المسلحة المصرية تمتلك 13 فندقاً ونادياً اجتماعياً في الإسكندرية
جدير بالذكر أن القوات المسلحة المصرية تمتلك 13 فندقاً ونادياً اجتماعياً في الإسكندرية هي كالتالي: نادي وفندق 6 أكتوبر الأنفوشي للقوات المسلحة، دار القوات البحرية بمنطقة سيدي بشر، فندق المندرة لضباط القوات المسلحة، فندق ونادي محطة الرمل للقوات المسلحة، فندق 26 يوليو للقوات المسلحة بمنطقة ثروت، فندق وردة العصافرة للقوات المسلحة، نادي حرس الحدود بمنطقة محطة الرمل، نادي الشاطئ بمنطقة سيدي جابر، بجانب قريتي فخر البحار وسيدي كرير بالساحل الشمالي، دون احتساب فنادق تيوليب التي تتبع الشركة الوطنية للفنادق والخدمات السياحية إحدى شركات جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة، وهناك 3 فروع من السلسلة في الإسكندرية هي تيوليب نادي الأسرة بمدينة برج العرب الجديدة، وفندق ثانٍ على الكورنيش أيضاً، بخلاف تيوليب سي سكوير في سيدي جابر داخل مشروع تطوير منطقة مصطفى كامل ويجري إنشاء فندق ثانٍ في نفس المنطقة.
وبحسب مواقع حجز الفنادق على الإنترنت وجدنا أن سعر الإقامة في فندق تيوليب مصطفى كامل من بين الأعلى في الإسكندرية، حيث تبلغ تكلفة الإقامة في الليلة الواحدة 84 دولاراً أو ما يعادلها بالجنيه المصري، في حين لا تصل تكلفة الليلة الواحدة في فندق شيراتون المنتزه أفخم وأقدم فنادق المدينة إلى 78 دولاراً أو ما يعادلها، بينما يزيد سعر الليلة في فندق هيلتون ليصل إلى 100 دولار.
ورغم الانتهاء من جزء غير قليل من المشروع بالفعل حيث تم افتتاح كوبري سيدي جابر منذ أكثر من عام، ثم عدد من المحال التي تحمل توكيلات أشهر الماركات العالمية قبل حوالي شهرين، إلا أن المشروع برمته لا يزال يمثل غُصَّة في قلب كل إسكندراني.
محافظ الإسكندرية يطلق وعوداً وكأنه يستطيع أن يمنع القوات المسلحة من الاستمرار في المشروع!
لماذا؟! تجيب "أ. ج"، وهي مديرة تحرير بإحدى الصحف ومقيمة في الإسكندرية، أن الغصة سببها شعور أهالي الإسكندرية باغتصاب مدينتهم دون رضاها أو رضاهم، فلم يكلف أحد من المحافظة أو الجيش نفسه ليجري حواراً مجتمعياً حول المشروع قبل البدء فيه، بل إنهم لم يكلفوا أنفسهم حتى عناء الإعلان عنه قبل الشروع فيه، ولم يعرف الناس بالمشروع إلا حينما فوجئوا في صباح يوم بارد من أيام شتاء الإسكندرية بزحام خانق على طريق الكورنيش في منطقة المشروع، وبالسؤال عرفوا أن السبب في الاختناق المروري بدء الحفر الذي استوجب إغلاق الشارع كاملاً إلا حارتين مروريتين فقط تُركا للصراع بين السيارات والمشاة الذين لم يجدوا وسيلة لعبور الكورنيش عرضياً سوى حرم الشارع نفسه بعد أن قام مهندسو الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة المسؤولة عن تنفيذ المشروع بردم نفقي المشاة الموجودين في المنطقة، بخلاف هدم تراث معماري وثقافي فريد هو مسرح السلام المطل على الكورنيش.
ردم بعض أنفاق المشاة التي كانت موجودة على كورنيش الإسكندرية تسبب في وقوع حوادث مروّعة لمن يحاولون عبور الطريق السريع، كما قالت الصحفية المصرية، كان أشهرها الحادث الذي راح ضحيته شقيق ووالدة لاعب كرة القدم في النادي الأهلي أيمن أشرف، وهما يحاولان عبور الكورنيش عرضياً لتصدمهما سيارة مسرعة ويلقيان حتفيهما، وكل هذا فاقم من حالة الغضب لدى أهالي الإسكندرية.
وتضيف الصحفية أن المحافظ تسبب بطريقته في إشعال الأمور حينما خرج بعد أيام من الشلل المروري الغامض، الذي أدى بدوره لوقفات احتجاجية متعددة عقب معرفة مهمة المشروع وتبعيته للقوات المسلحة، وقال المحافظ مبرراً ما حدث وبراءة الأطفال في عينيه إنه يعتذر لشعب الإسكندرية عن بدء المشروع قبل الإعلان عنه، مع وعد بتشكيل لجنة لدراسة أثره البيئي، أي أنه اللجنة ستقيّم الآثار البيئية للمشروع بعد البدء فيه، وكأنه يستطيع أن يمنع القوات المسلحة من الاستمرار في المشروع!
ورغم الانتهاء من كوبري سيدي جابر وتحقيق نسبة عالية من السيولة المرورية في المنطقة ربما تفوق ما كانت عليه قبل إنشاء الكوبري، فإن حالة الغضب والاحتقان لم تخف حدتها عند أهالي أشهر المحافظات الساحلية في مصر، والسبب كما قال عادل محسن، صاحب مقهى وكافيه في منطقة سيدي جابر بالقرب من المشروع، هو شعور الناس بتغوّل الجيش على كل تفاصيل الاقتصاد والحياة المدنية، وأن المدنيين تحولوا إلى مواطنين من الدرجة العاشرة، بعدما كانوا غاضبين في فترة حكم حسني مبارك من أنهم مواطنون درجة ثالثة أو رابعة!
وأشار عادل بيده ناحية كورنيش البحر وتحديداً على سور خرساني عالٍ يحجب رؤية البحر تماماً عن الناظرين، ليقول بأسى "من كام شهر حطوا الأسوار الخرسانية دي وسدوا بها منظر البحر ومشيوا، وطبعاً مفيش حد يقدر يفتح بقه، مين يا عم اللي يقدر على السجن الحربي ولا الأحكام العسكرية اللي لا فيها استئناف ولا نقض، يعني اللي يقع تحت أيديهم رايح رايح مفيهاش كلام".
ويضيف قائلاً إن القوات المسلحة دأبت على الاعتداء على شواطئ الإسكندرية دون أن تجد من يطلب منها التوقف، حيث سبق لها اقتطاع جزء من الكورنيش المواجه لفندق 26 يوليو لإقامة شاطئ خاص بالفندق، وكذلك إقامة نفق متصل بفندق المحروسة لعبور نزلاء الفندق طريق الكورنيش والاستمتاع بالشاطئ الذي تم تطويره عبر ردم أجزاء من البحر، فضلاً عن استئجار الإدارة شاطئ زيزينيا العام وتخصيصه لنزلاء فندق تيوليب 1.
يذكر أنه بخلاف الأسوار الخرسانية في منطقة مشروع تطوير مصطفى كامل التي تمتد لحوالي 900 متر كما أوضحنا سالفاً، هناك أسوار من الأسلاك نُصبت في أماكن أخرى أقيمت فيها مطاعم ومقاهٍ في مناطق كليوباترا وكامب شيزار وبحري والمنشية.
مسؤول يطالب الغاضبين بالصبر حتى الانتهاء من المشروع ووقتها سيشعرون بالسعادة
في مقابل الغضب الشعبي يرى اللواء جمال رشاد أن ما يحدث ليس له مبرر سوى أن هناك من ينفخ في الرماد أملاً في إثارة الناس ضد الدولة دون سبب، موضحاً أن السور الحجري الذي يتحدثون عنه إجراء مؤقت في منطقة العمل في سيدي جابر ومصطفى كامل، وهو إجراء متبع في مئات المشروعات المعمارية في مصر، وبمجرد الانتهاء من الأعمال الإنشائية سيجري إزالة السور الذي لا تتجاوز مساحته بالمناسبة إجمالي الواجهة البحرية (90 متراً كما ذكرنا من قبل).
وأضاف: "بالنسبة لكوبري سيدي جابر فهو ساهم في تسييل الحركة المرورية في المنطقة بشكل لا ينكره أحد، فضلاً عن أنه يحوي ممشى خاصاً ليرى العابرون من خلاله البحر، كما أن المشروع بشكل عام سيوفر أماكن لجذب السائحين تساهم في توفير آلاف من فرص العمل لشباب الإسكندرية، وبالتالي فإنه يصعب جداً تفهم غضب البعض من المشروع".
وقال اللواء إن الجميع لديه تعليمات صارمة من أعلى المسؤولين بعدم التجاوز في البناء على الكورنيش باعتباره حقاً لكل مواطن، مطالباً الغاضبين بالصبر قليلاً لحين الانتهاء من المشروع بالكامل ووقتها ليس لديه شك في أنهم سيشعرون بالسعادة مثلما حدث مع كوبري سيدي جابر "الناس كانت معترضة على الكوبري وبعد إنشائه بقوا سعداء لأنه تسبب في سيولة مرورية، بالإضافة لوجود ممشى يمكن من خلاله رؤية البحر، يعني عرفوا من الآخر أن الهدف هو التطوير وليس الاستيلاء على حقوقهم".
لكن الطلبات والوعود البراقة لم ترُق لمحمد أبوحسن، وهو مواطن سكندري، مؤكداً لـ"عربي بوست" أن المشكلة لم تعد في التطوير وما ينتج عنه من زحام وإغلاق ولكن في المشاعر الغريبة عليهم التي باتت تنتاب المواطنين والزائرين على حد سواء.
ويشرح أنهم كلما ارتادوا شواطئ أو أماكن ترفيهية بالمحافظة شعروا بمزيج من "الغربة" والقلق وعدم الارتياح وإحساس طاغٍ أنهم تحت المجهر والمراقبة من أصحاب الملابس "الكاكي"، لدرجة أن الكثيرين يجلسون "منشيين" أي رسميين في مقاعدهم وكأنهم في اجتماع عمل أو محاضرة وحتى الحديث مع الأصدقاء تحول من فضفضة من القلب إلى أخرى مصطنعة، حيث إنهم يعملون للكلمة ألف حساب خوفاً من أن تصدر منهم كلمة "كدا ولا كدا" يسمعها أحدهم.
يروي السكندري أنه كاد يموت رعباً عندما اعترض صديق له على فاتورة الحساب في نادي ٦ أكتوبر وناقش المسؤول عن المطعم في محتوياتها، لدرجة أنه لم يغمض له جفن تلك الليلة، منتظراً أن يدق جرس الباب أو يرن الهاتف معلناً القبض على الصديق والمرافقين له!.