يعود النقاش ليطغى على الحياة السياسية والحقوقية في ألمانيا، بعد دعوة شخصيات سياسية ضمن "التحالف المسيحي"، الذي تنتمي إليه المستشارة أنجيلا ميركل، إلى اتخاذ إجراءات أكثر حزماً ضد "الإسلام السياسي" في ألمانيا، بعد الهجوم الإرهابي الذي شهدته مدينة نيس الفرنسية، والعاصمة النمساوية فيينا.
كما أن دعوة المستشارة ميركل إلى شن حرب دولية حازمة ضد "الإرهاب الإسلاموي" كان له وقع سلبي على نفسيات الجالية المسلمة بالبلاد، التي تخوفت من تكرار سيناريو فرنسا، رغم توضيح المستشارة أن الأمر "لا يتعلق بصراع بين الإسلام والمسيحية".
بالإضافة إلى كل هذه التصريحات، أكد وزير داخلية ألمانيا هورست زيهوفر في تصريح سابق لوسائل إعلام ألمانية أن "حربنا ضد الإرهاب ليست موجهة ضد الإسلام، وإنما ضد المتطرفين المتعصبين والعنيفين"، فهل تُحاول ألمانيا طمأنة المسلمين على أراضيها؟
خوف وترقب
لن تكون هذه المرة الأولى التي تتسبب فيها إجراءات الحكومة الألمانية في حربها ضد الإرهاب والتطرف في ردود فعل وسجال مجتمعي، خاصة في صفوف المسلمين الذين يعيشون هنا. إذ يتجدد النقاش حول الموضوع في كل مرة يتصاعد فيها دخان حادث إرهابي لمنفذه خلفية إسلامية.
"أتوقع أن يكون في هذه القوانين الجديدة تهديد لنا"، هكذا ردت إيناس، مواطنة ألمانية مسلمة، على سؤال "عربي بوست" حول مدى انعكاس التصريحات والقوانين الجديدة التي يدعو لها بعض الساسة الألمان على حياة المسلمين في البلد. واعتبرت المتحدثة أن "طريقة تعامل الألمان مع المسلمين خاصة المرأة المحجبة تتغير فور حدوث نقاشات مماثلة".
وتضيف إيناس، التي تعمل أستاذة للغة الألمانية، أنه "بعد واقعة 11 سبتمبر الإرهابية، صار المسلمون في كل دول العالم ومن ضمنها ألمانيا، في موقف دفاع عن النفس رغم عدم ارتكابهم لأي جرم". وأوضحت المتحدثة أن "السياسات الجديدة لا تحمي البلد من الهجمات الإرهابية بقدر ما تصعد من العداء ضد المسلمين".
حل الترحيل
طالبت قيادات سياسية في حزب الخضر الألماني بتعامل حازم مع الأشخاص الخطرين "الإسلامويين" في أعقاب الهجمات الإرهابية الأخيرة بأوروبا، وقد أعد الحزب خطة من 11 بنداً، معتبراً أنه "يجب تنفيذ أوامر اعتقال مفتوحة باستمرار تحقيقاً لهذا الغرض، وترحيل العناصر الخطيرة متى أمكن ذلك".
وتعالت هذه الأصوات في خضم إعلان الحكومة الألمانية أن الإرهاب الإسلاموي في ألمانيا يمكن له الاعتماد على طاقة نحو 30 ألف شخص، 12 ألفاً من بينهم ينحدرون من الوسط السلفي. كما تعتقد الجهات الأمنية، حسب ما نشره موقع "دويتشه فيله" الألماني، أن هناك 627 عنصراً إسلاموياً مصنفين "خطيرين". وتتم مراقبة 500 شخص يعتبرون تهديداً، إما لكونهم قياديين وداعمين أو فاعلين داخل المشهد الإرهابي.
من وجهة نظر حقوقية، يرى كريم الواسطي، عضو المجلس الاستشاري للاجئين في مقاطعة ساكسونيا السفلى بألمانيا، أن "مطالبة حزب الخضر بترحيل المعتدين يعد سبباً للقلق، وهو حديث يتصاعد كلما تم القبض على متشدد خلال هجوم إرهابي في أوروبا أو داخل ألمانيا"، مشيراً إلى أنه يتم "استعمال هذا الخطاب من أجل تفكيك مواثيق حقوق الإنسان وحرمان المهاجرين واللاجئين من حقوقهم".
ويضيف الحقوقي في تصريح خصّ به "عربي بوست" قائلاً: "يحاولون استغلال الأحداث من أجل الالتفاف على الالتزامات الدولية والحقوقية، وهو استغلال بشع وسياسي للضحايا من أجل الوصول إلى أهداف معروفة والقفز على المواثيق الدولية". معتبراً أن "التركيز على هذه التصريحات شيء مقلق ويتجه بنا نحو منحى خطير".
"أصوات كهذه يجب عدم الالتفات إليها، إذ تُحدث إحباطاً كبيراً لدى الحقوقيين، والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان تنافي مبدأ إعادة اللاجئين والمهاجرين إلى بلدانهم، خاصة إذا كانت في حالة حرب"، هكذا يشرح الواسطي وجهة نظره، مشيراً إلى أن "ألمانيا تبقى بلد مؤسسات ودولة قوانين وكل الإجراءات التي تتخذ داخلها يجب أن تتناسب مع هذا الشعار".
وشدد الحقوقي العربي المقيم بألمانيا على أن "كل من قام بعمل إجرامي يجب أن يحاكم وتأخذ العدالة مجراها لكن دون ترحيل"، مبرزاً أنه "اليوم في ألمانيا تجري محاكمة أشخاص قاموا بأعمال إجرامية في بلدانهم مثل الموالين لبشار الأسد، وسيكون هناك تضاد في الموقف إذا تم إرسال أشخاص آخرين إلى بلدانهم الأصلية ليحاكموا بعد ثبوت اتصالهم بعمل إجرامي في ألمانيا".
وأشار المتحدث إلى أن "لهذه الأصوات تناغماً مع خطاب اليمين المتطرف، ما يؤدي إلى تغذية أفكار التطرف التي تنعكس على حياة المسلمين، والتي يراد منها تفكيك التزامات الدولة بالمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، وتهيئة جو للدفع بترحيل مرتكبي الأعمال الجرمية من ألمانيا نحو بلدانهم".
أئمة بصيغة ألمانية
بالتوازي مع ذلك انطلق بمدينة أوزنابروك بغرب ألمانيا، في أبريل/نيسان 2020، أول تدريب للأئمة المسلمين باللغة الألمانية، بمشاركة 30 داعيةً. ويستمر التدريب لمدة عامين بكلية الإسلام في ألمانيا بدعم من وزارة الداخلية ووزارة البحث العلمي في ولاية ساكسونيا السفلى.
وأوضح إسناف بغيتش، رئيس مجلس إدارة الجمعية في تصريحات سابقة، أن تأسيس الجمعية يهدف إلى "توفير عرض إضافي، لأن الأئمة القادمين من الخارج غالباً ما يتطرقون في خطبهم "لمواضيع لا تتعلق بسياق حياتنا"، مضيفاً أن الأجيال الجديدة للمهاجرين المسلمين أيضاً لا يمكنها في الغالب فهم خطبة بلغة موطن الوالدين بنسبة مئة في المئة.
من جانبه، أكد بولنت أوكا، المدير العلمي للجمعية، أنه "لن يكون هناك تأثير حكومي على محتويات التدريب، سواء من الداخل أو الخارج".
"القوانين الجديدة قد لا تؤثر على المسلمين سلباً، لكن اعتماد نظام جديد لإعداد أئمة مسلمين بدراسة ألمانية يجعل المرء حائراً"، هكذا عبرت فرح، الطالبة الأردنية المقيمة بألمانيا عن موقفها المتباين من تدخل الدولة في تدريس أئمة مساجد المسلمين".
وقالت المتحدثة في حديثها مع "عربي بوست" إن "جزءاً مني يتقبل الأمر لما سيحققه من محاربة الفكر المتطرف المستقدم من دول معينة، لكن في الوقت ذاته أفكر في كيفية تحقق شروط موضوعية لتعليم ديننا بالألمانية". متسائلة عن المناهج التي ستتبع في ذلك، ومشككة في عدم وجود تدخل حكومي في الموضوع.
بخلاف ذلك، يرى حمزة الشوابكة، صحفي فلسطيني مقيم بألمانيا، أن "ما تسعى له ألمانيا في هذا الصدد هو تدريب أئمة بروح أوروبية، ما سيحد من مسألة التشدد الديني الذي تسببه تمويلات خارجية من بلدان لها أجندات مختلفة عما يتوافق ونمط الحياة بأوروبا عموماً".
وأوضح المتحدث في حديثه مع "عربي بوست" أنه "من الأفضل أن يتم التعامل مع المساجد والمراكز الدينية الإسلامية بألمانيا من الآن فصاعداً بشكل مؤسساتي، وليس كشركات يتم التحكم فيها من قبل من يمتلك المال، حتى يتم السيطرة على أماكن العبادة الإسلامية، ويتم استعمالها في منحى التسامح ونبذ العنف وليس العكس"، حسب تعبيره.
وثيقة استراتيجية لمكافحة الإرهاب
من جهته أعلن تكتل برلماني لحزب شريك بالائتلاف الحاكم في ألمانيا عرض برنامج مكون من سبع نقاط بوصفه وثيقة استراتيجية لمكافحة الإرهاب.
ألكسندر دوبرينت، رئيس المجموعة البرلمانية للحزب المسيحي الاجتماعي بولاية بافاريا الشريك بالائتلاف الحاكم، قال إن "الإرهاب الإسلاموي يعد إعلاناً للحرب على المجتمع ويجب الرد عليه بكل وسائل دولة القانون".
وبحسب ما نقلته وسائل إعلام ألمانية حول الوثيقة، فالحزب البافاري يعول على "نظام رقابة واسع النطاق لمن يمثلون خطراً على الأمن، وكذلك على توسيع نطاق المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب وعلى وضع بيان أوروبي شامل مناهض للإرهاب".
وفي هذا الصدد، اعتبرت فاطمة بولهدود، مهاجرة مغربية مقيمة بألمانيا، أن "ألمانيا دولة تتميز بحكمة عالية فيما يخص القوانين والإجراءات المتعلقة بمكافحة الإرهاب والتطرف مقارنة مع دول أوروبية أخرى، لذلك لا أرى أي تهديد للمسلمين في هذا الشق، فهذا البلد قوانينه عادلة للغاية".
ولخصت المتحدثة في حديثها مع "عربي بوست" مخاوفها حول أمن المسلمين في ألمانيا بالقول "إن كان هناك تهديد فسيكون مصدره أطراف لها مصالح في تأجيج الرأي العام حول المسلمين، خاصة أحزاب اليمين المتطرف، الذي ستتعالى أصوات المنتسبين له في حال حدوث ردود فعل عنيفة من الإرهابيين، الذين يدركون أنهم المستهدف الأول من الدولة".
ويتوافق رأي العديد من المهاجرين من خلفية مسلمة مع ما قالته فاطمة، إذ زكى الصحفي حمزة الشوابكة ذلك بقوله "لا أظن أن ألمانيا ستضيق الخناق على المسلمين، بل إنها تحارب تصاعد اليمين المتطرف بكل السبل للحد من انتشار الأفكار العنصرية". ويذكر المتحدث أن "اليمين المتطرف يشعر بالضيق تجاه المسلمين ويأخذ اللاجئين كذريعة لزيادة انتشار أفكاره، ليس في ألمانيا فقط بل في كل الدول الأوروبية".