تغلق السلطات العراقية مخيمات كانت بمثابة الملاذ الأخير للنازحين في البلاد، جراء العمليات العسكرية التي ضربت مناطق سكنهم الأولى، في خطوة ترى فيها السلطات أمراً إيجابياً لقاطني المخيمات، بينما يخشى بعضهم من العودة إلى مناطقهم في الوقت الحالي.
قلق من القادم: ونهاية الأسبوع الفائت أغلقت السلطات مخيم المدينة السياحية في الحبانية، الذي شكّل لخمس سنوات مأوى لنازحين عراقيين، قبل أن يتمّ إفراغه وإغلاقه في 48 ساعة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية.
جاء إغلاق المخيم الواقع في منطقة صحراوية في غرب العراق، في إطار خطة حكومية عاجلة تشمل إغلاق عشرات المخيمات المماثلة قبل نهاية عام 2020.
بينما تقول السلطات إن حملة الإغلاق هذه تضمن عودة النازحين إلى بيوتهم، تعتبرها منظمات غير حكومية والنازحون خطوة سابقة لأوانها، وقد تعرّض العائلات المعنية للخطر.
وفي حافلة تُقلّ العشرات من مخيم المدينة السياحية، تقول زينب إنها تترك خلفها مكاناً كان منزلاً لها لخمس سنوات، لتعيش في مخيم آخر، وذكرت السيدة التي تغادر مع أولادها الستة أن عشيرتها في محافظة الأنبار بغربي العراق تتهمها وعائلتها "جزافاً" بالولاء لتنظيم الدولة الإسلامية.
أشارت زينب إلى أنها تخاف على أطفالها وزوجها، وقالت: "لذلك لا نستطيع العودة إلى منطقتنا، أخاف أن يعتقلونا ويذبحونا".
من جانبه، قال علي، الذي يغادر المخيم أيضاً للوكالة الفرنسية، إنه سيستأجر شقّة في بلدته القائم، لأن منزله مدمّر.
في المقابل، يؤكد مسؤول وزارة الهجرة في الأنبار، مصطفى سرحان، أن النازحين سيعودون إلى بيوتهم، وأن السلطات تنسّق مع الجيش والعشائر من أجل ضمان سلامتهم، مشيراً إلى أن "العودة طوعية"، متسائلاً في الوقت ذاته: "كلنا نعلم أن مخيمات الأنبار عمرها خمسة أو ستة أو سبعة أعوام، أين السرعة في الموضوع؟".
"لا مأوى": وأُعطي سكان مخيم المدينة السياحية في الحبانية إشعاراً لمدة شهر واحد فقط قبل إغلاق المخيم، أما سكان مخيم حمام العليل الواقع في محافظة نينوى الشمالية، فكان أمامهم وقت أقل من ذلك للرحيل.
تروي سعدى، البالغة 36 عاماً، والأم لسبعة أولاد التي كانت تقطن في حمام العليل "تكلمنا مع مدير المخيم، وقال أولاً إن المخيم لن يغلق، ثم قال إنه سيغلق في عام 2021، ثمّ قالوا لنا سيغلق هذا الأسبوع!".
لا تزال قرية سعدى، القاهرة، الواقعة في جبال سنجار مدمّرة بشكل كبير وتعاني من نقص في الخدمات العامة، وتقول السيدة: "في النهاية أشعر بأنني سأنتحر، أنا منهارة نفسياً، تعبت من هذه الدنيا الباردة"، مضيفةً "المخيم كان مأوى لنا وهذا المأوى اندثر".
وبعد ثلاث سنوات من إعلان العراق هزيمة تنظيم "داعش" لا يزال هناك 1,3 مليون نازح، مقابل 3,2 مليون في عام 2016، وكان التنظيم المتطرف اجتاح مساحات واسعة من العراق في 2014، وتسببت ممارساته ثم المعارك التي خاضتها ضده القوات الحكومية بموجات نزوح.
إغلاق متسارع للمخيمات: ويقطن خمس النازحين في مخيمات، فيما تستأجر الغالبية منازل رغم قلّة مداخيلها المالية.
فمنذ سنوات يعلن العراق نيته إغلاق المخيمات، لكن السلطات سرّعت العملية بشكل كبير خلال الشهر الماضي، كما يؤكد عاملون في منظمات غير حكومية فضّلوا عدم كشف هويتهم خلال حديثهم للوكالة الفرنسية.
وبين 18 و30 أكتوبر/تشرين الأول 2020، أغلق العراق ثلاثة مخيمات بمحيط بغداد، ومخيماً في كربلاء إلى جنوب العاصمة، وآخر في ديالى شرقاً، لكن لم يعد نحو نصف سكان تلك المخيمات إلى المناطق التي ينحدرون منها، وفق منظمة الهجرة الدولية.
كما أنه بين 5 و11 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، غادر أكثر من 7 آلاف من سكان مخيم حمام العليل البالغ عددهم 8 آلاف، إلى مخيمات أخرى ستغلق أيضاً أو منازل شبه مهدّمة، كما يؤكد مسؤولون رسميون في المخيم.
ويجد 100 ألف عراقي أنفسهم في حالة من عدم اليقين بعد عمليات الإغلاق المتسرعة، وفق المجلس النرويجي للاجئين.
من جانبه، قال مسؤول حكومي للوكالة الفرنسية إنه تمّ تسريع جهود إعادة النازحين بناء على أمر مباشر من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.
"ضغط وتخويف": في سياق متصل، يشير عاملون في المجال الإنساني إلى تجارب سابقة مقلقة، فالعام الماضي تعرّض مئات نقلوا من المخيمات إلى تهديدات وحتى هجمات بالقنابل، وهم إجمالاً من الذين فروا خلال المعارك، ويشتبه السكان في قراهم بأنهم تعاملوا مع الجهاديين.
لذا يسود الخوف بين جزء كبير من النازحين، إذ بيّنت دراسة نشرت حديثاً أن 60% من النازحين الذين عادوا إلى مناطقهم يصفون عودتهم بغير الطوعية، و44% منهم نزحوا مرة أخرى.
من جهتها، تأمل السلطات في أن توجه المنظمات غير الحكومية والدول المانحة تمويلاتها إلى المناطق التي لا تزال تحتاج إلى إعادة إعمار، كما يقول عامل في منظمة إنسانية ومسؤولان حكوميان.
بلقيس ويلله من منظمة "هيومن رايتس ووتش" أعربت عن تفهمها لرغبة السلطات بإعادة دمج المواطنين النازحين في المجتمع، لكنها أردفت: "ذلك لا يتم عبر إرغام الناس على العودة ضدّ إرادتهم، وإلى أماكن قد يكونون فيها أكثر عرضة للخطر".
بدورها قالت منظمات غير حكومية في العراق إنها تخشى من أن يكون انتقادها العلني لعمليات إعادة النازحين سبباً في منع دخولها إلى المخيمات، أو في التوقف عن منح تأشيرات دخول للعاملين فيها.
وقال مسؤول في إحدى المنظمات: "ارتفع مستوى الضغط والترهيب بشكل كبير، وكذلك خطر التعرض لإجراءات عقابية من الحكومة".