مرةً في التاريخ القديم: أحل قائد روماني السلام في مقاطعة ثائرة، بقتل كل مواطنيها!
حتى الرومان صدمتهم الفعلة، فقال أحدهم:"لقد خلق هذا القائد منطقة مهجورة وسمى ذلك سلاماً"!
وهكذا فقد نجح الأردن، بتعبيرات كل أبواق نظامه السياسي من حكومة، صحافة (تحت الطلب)، هيئات مستقلة، ومنظمات مجتمع مدني في الاستحقاق الوطني المتمثل في إجراء الانتخابات البرلمانية في ظل ظروف وأزمات وباء كورونا.
لم تعِ ولم يعن الكثير لكل تلك الأطراف فداحة وخطورة وفاة 91 شخصاً بوباء كورونا عشية الانتخابات، وإعلان قرابة الـ6 آلاف إصابةٍ وضعت الأردن في قائمة أول خمسين دولة من حيث عدد الإصابات بين دول العالم، فلم يتحرك أحد منهم للنصح أو التوجيه لإعمال صوت العقل، فلطالما تباهى هؤلاء بتفرد الأردن "هذه الدولة الصغيرة" بارتقاء أعلى المنصات العالمية، فلمَ ستشذ في وباء كورونا؟! سبق أن روج النظام السياسي لذاته كمركز إقليمي لمواجهة ذات الوباء، قبل أن تتحول النغمة صوب تحدي الوباء عبر بوابة إجراء الانتخابات البرلمانية.
مثلما لا يعني للسلطة وكل مؤسساتها أي خطر من ضعف إقبال الناخبين على مراكز الاقتراع وتفضيلهم لمراكز التسوق من أجل تأمين احتياجاتهم وحوائجهم قبل الدخول في الحظر الشامل، فضلوا على الذهاب لمراكز الاقتراع ومنح أصواتهم لنواب ينوبون عنهم. فلا للنواب صوت يسمع ولا للمجلس صدى يزلزل الأرجاء.
الأردن الموازي
لا تغرّنكم الأفكار التي يتداولها من ينشّطون الفضاء الافتراضي في مواقع التواصل الاجتماعي، فما زال صوت ضجيج المشاركة في المعمعة الانتخابية ملموساً (وإن كان يتراجع شيئاً فشيئاً)، سواء لعلاقاتٍ وارتباطاتٍ قبليةٍ بدائيةٍ أو لاقتناع "قلةٍ" بضرورة تلبية نداء النظام السياسي بالمشاركة.
لكن من بين هؤلاء تبرز مشاركة القوى السياسية (من يمينها ليسارها)، والتي كانت الأوسع عبر تاريخ الانتخابات النيابية، تبرز على وقع اصطكاك أرجل كوادرها وقياداتها خوفاً من بطش النظام وانتقامه، فهي في المحصلة ليست قوىً نضاليةً (بوضعها الحالي) بقدر ما هي مهادنةٌ ومرتعدة.
هذا الأردن الموازي الذي يحوي كذلك أقليةً ليبراليةً "وصلت السلطة عبر حكومة الرزاز المتطرفة"، يشكل اليوم هو الآخر أقليةً بين أبناء الأردن الكبير، الذين قاطع سوادهم الأعظم جريمة الانتخابات البرلمانية، حتى وإن تصاعدت نداءات الأردن الموازي المؤلف من أتباع النظام والإخوان والليبراليين واليساريين الذين دعوا وشاركوا فيما سميت بالانتخابات البرلمانية.
البرلمان vs نقابة المعلمين
بعد هذه التجربة المريرة نكتشف أنّ الأمل في شخوصٍ خارجين من عباءة الأردن الموازي محض وهمٍ لا أكثر، فلا قيمة لكل رطانة وادعاءات من صرخوا في وجه حكومة الرزاز ثم ساهموا في توسع رقعة انتشار الوباء القاتل. وهم اليوم ينضمون لقطار النظام السياسي في الأردن الموازي، مشجعين الناس على التضحية بصحتهم وحياتهم عبر المشاركة في الانتخابات، رغم أنّهم يتربعون اليوم على قمة هرم النظام الصحي الذي يئن جراء الأعداد الهائلة من المصابين، والتي تهدّده بالانهيار. ورغم أنهم يعلمون أن البرلمان القادم قليل الحيلة، منخفض الصوت.
هنا ليست السلطة مفسدةً فحسب، ولكنّ وضعنا الوبائي الكارثي وأعداد الضحايا التي نسجّلها كل يومٍ تحتّم علينا وصم هؤلاء بالخيانة، لا بل أكثر من ذلك المشاركة في الجريمة، التي سنكون شهود عيانٍ عليها خلال الأيام القليلة القادمة.
هذا الأردن الموازي نفسه بدأ يفقد قواعده الشعبية، لفائدة أردنٍ معبرٍ عن مصالح شعبيةٍ ووطنيةٍ فعليةٍ، وهو تحولٌ كنّا قد شاهدناه عن كثبٍ في أزمة نقابة المعلمين، حيث وجد فيها الشعب ضالته، كممثلٍ شرعيٍ وديمقراطيٍ لطموحاته، وجهةٍ يعبر من خلال التضامن والاصطفاف معها، عن رفضه لنهج النظام السياسي المستبد والفاسد القائم.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.