من اعترض حوكم عسكرياً.. مراكب الجيش تستحوذ على حركة الصيد في دمياط والصيادون “معركتنا خسرانة” فيديو

عربي بوست
تم النشر: 2020/11/12 الساعة 14:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/11/12 الساعة 15:15 بتوقيت غرينتش

حالة من الغضب المكتوم تسود أوساط الصيادين وأصحاب مراكب صيد الأسماك في محافظة دمياط ومناطقها الساحلية، بسبب تفاقم مشاكلهم في الفترة الأخيرة، نتيجة التضييق الحكومي عليهم، والذي اكتمل بظهور مركبين حديثين يمثلان باكورة أسطول الصيد الجديد، التابع لجهاز الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة المصرية.

ويرى كثير من الصيادين ممن التقاهم "عربي بوست" في مدينة عزبة البرج، التي تقع شمال محافظة دمياط، أن الهدف الوحيد من ذلك التضييق المستمر هو إبعادهم عن البحر والصيد، الذي يعد مهنة متوارثة في تلك المنطقة، لإخلاء البحر أمام جهات تابعة للدولة، تريد السيطرة على الثروة السمكية المتاحة.

وبينما أدان باحث سياسي ما يحدث، محذراً من استمرار الحكومة في سحق المواطنين بهذه الطريقة، لأن النتيجة ستكون ثورة جياع، أو انتفاضة، أو ثورة، قال عضو بنقابة الصيادين إن كثيراً من مشاكل مهنة الصيد في الوقت الحاضر تعود إلى سلوكيات الصيادين أنفسهم، وإن أسطول الصيد الجديد سيوفر فرص عمل للمئات من شباب الصيادين.

على بُعد حوالي 220 كيلومتراً شمال القاهرة، استغرقتها الرحلة بالسيارة فيما يقرب من أربع ساعات، كانت معايشتنا لمعاناة سكان البحر في "عزبة البرج"، المدينة الساحلية، التي تقع على الضفة الشرقية لنهر النيل عند مصبه بالبحر المتوسط مقابل رأس البر، ويوجد بها 70% من أسطول صيد الأسماك في مصر.

الوصول للمدينة كان عن طريق معدية متوسطة الحجم، لا تزيد حمولتها عن 25 فرداً، بتكلفة جنيه للفرد الواحد، وأحياناً لا يأخذ صاحبها أجرة من المعدمين، رفقاً بحالهم، وهؤلاء كُثر، كما قال لنا هشام صاحب المعدية، وهم من سكان العزبة، الذين يبلغ عددهم نحو 100 ألف مواطن، يعمل حوالي 90% من أبنائها بمهنة الصيد داخل وخارج مصر، كما يوجد بها 16 ورشة لصناعة السفن ومستلزماتها، يعمل بها قرابة 7 آلاف عامل.

لم تستغرق الرحلة البحرية سوى 5 دقائق، وصلنا بعدها إلى البر الثاني بمحاذاة شاطئ رأس البر، حيث دوّت صافرات إنذار مراكب الصيد، ونزلنا لممر ضيق انتشرت على جانبيه كبائن كثيرة، تراصّت بجوار بعضها البعض، أمامها طاولات خشبية وبلاستيكية، فضلاً عن ألواح الثلج الضخمة المتناثرة بالمكان، وأفراد يتحركون من مكان لآخر، وعربات نصف نقل تحمل الطاولات الممتلئة بالأسماك الطازجة، التي لا تزال تجاهد افتقاد البحر وكتل الثلج المرصوصة فوقها أملاً في البقاء على قيد الحياة.

السير حتى نهاية الممر أوصلنا إلى مراكب الصيد الضخمة التي امتدت على طول الشاطئ، ووقف على ظهرها صيادون منهكون عائدون للتو من رحلة صيد، بدأوها قبل ثلاثة أسابيع، وقد تزيد المدة على حسب ظروف الرحلة وطول المسافة كما قالوا لـ"عربي بوست".

منعوهم من الصيد وسمحوا لمراكب "وطنية"

هكذا بدت "عزبة البرج"، لكن حياة الصيادين البسيطة شهدت في الفترة الأخيرة معاناة بسبب قرارات متتالية تم اتخاذها لغير صالحهم، أكثرها أذى -كما قالوا- منعهم من الصيد في المناطق الأساسية لصيد الأسماك بالنسبة لهم في منطقة شرق بورسعيد حتى العريش والحدود الشرقية، بينما سمح لمراكب "وطنية" بدخول تلك المناطق دون سبب مفهوم.

يشرح الشيخ محمد، وهو يملك مراكب صيد بالعزبة، أن الكيل فاض بأصحاب المراكب والصيادين، وتدهورت حالتهم المعيشية بعد الإجراءات الحكومية التي وصفها بـ"المجحفة"، فهناك بحسب تعبيره غزو من جهات بعينها، يبدو أنها تستكثر على الصيادين رزقهم القليل، وهذه الجهات بدأت بوضع عراقيل كثيرة أمامنا، وضيقوا علينا من أجل إبعادنا عن البحر من أجل أن يخلو بأسماكه لهم.

 ويوضح أن الأمر استفز الصيادين، ما جعلهم ينظمون وقفة احتجاجية في الثامن والعشرين من سبتمبر/أيلول الماضي، بمراكبهم على كورنيش النيل برأس البر، حيث قاموا بإطلاق صافرات التنبيه، وتشغيل سرينات المراكب (أجراس للتنبيه) بالقرب من نقطة تابعة للجيش بشارع النيل، لإعلان اعتراضهم، مشيراً إلى أن تلك الوقفة ستتكرر في المستقبل ما دام قرار منعهم من الصيد باقياً.

عشرات الصيادين.. إلى المحاكمة العسكرية

استطاع "عربي بوست" الحصول على فيديو لتلك الوقفة من إحدى السيدات من سكان المنطقة، غلبها الفضول بعدما سمعت دوي الصافرات، لكنها انصرفت عندما داهمت قوات من الجيش المكان وقبضت على عشرات الصيادين المحتجين، وعلى حد قولها تم تحويل عدد منهم إلى المحاكمة العسكرية. 

رغم معاناة صيادي مدينة عزبة البرج من مشاكل مزمنة وقفت عائقاً أمام تأمين احتياجاتهم الأساسية خلال السنوات الماضية، فإن تلك المعاناة كما قال بعضهم لفريق "عربي بوست" تفاقمت في الآونة الأخيرة، بعد ظهور باكورة أسطول سفن صيد باسم "وطنية".

وكانت شركة القناة للإنشاءات البحرية بمحافظة بورسعيد، التابعة لهيئة قناة السويس، قد أعلنت في 26 سبتمبر/أيلول 2020، أنها دشنت مركبي صيد يحملان اسم وطنية 11 و12، ضمن المشروع الذي أطلقه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في سبتمبر/أيلول 2018، لإنشاء 100 مركب ضمن أسطول مراكب الصيد المصري، ما قضى على أي فرصة ممكنة لهؤلاء الصيادين أن ينافسوا أو يصطادوا في منطقة يعمل فيها أسطول يقال إنه تابع للجيش.

قصة المركبين الجديدين يرويها المهندس أحمد المحلاوي، مدير مشروع مراكب الصيد، فقال إنهما يمثلان الدفعة الأولى من صفقة تضم 12 مركب صيد، تعاقد عليها جهاز الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة المصرية مع هيئة قناة السويس، وأوضح أن تكلفة المركب الواحد بلغت 21 مليون جنيه، وتتولى الشركة التشطيبات والبناء بنسبة 80% بمعدات مصرية، إلا بعض المهمات التي يتم استيرادها من الخارج بنسبة 20%، ويبلغ طول كل مركب 23.90 متر، وعرضه 7.20 متر. 

وعلم "عربي بوست" من مصدر بالتفتيش البحري أنه كان من المفترض أن يتم إطلاق اسم "تحيا مصر" على المراكب الجديدة، إلا أنه دارت في الكواليس مناقشات بين المسؤولين في إدارة التفتيش البحري، المسؤولة عن إصدار تراخيص المراكب، ورفض بعضهم الاسم، لما يمثله من استفزاز للصيادين، فضلاً عن أن كل ما دخل الخدمة مؤخراً من معدات ووحدات بحرية انضمت لأسطول هيئة قناة السويس حمل اسم تحيا مصر، وكان هناك اقتراح بأن تحمل المراكب أسماء المدن الواقعة في نطاق قناة السويس، التي تمر عليها السفن من بورسعيد إلى السويس، مثل رأس العش والكبريت، وسرابيوم، والدفرسوار، إلا أنهم في النهاية استقروا على اسم "وطنية".

 جهات بعينها تريد أن تتحكم في مقدرات مهنة الصيد كغيرها من المهن في مصر

الباحث السياسي أحمد كامل، يرى أن هناك جهات بعينها تريد أن تتحكم في مقدرات مهنة الصيد، كغيرها من المهن، لذلك تقمع الصيادين في لقمة عيشهم، ثم يساومونهم عليها فيما بعد، عندما يكونون هم المصدر الرئيسي وربما الأوحد، مشيراً إلى أن أزمة سد النهضة سيكون لها تأثير سيئ على مهنة الصيد في مياه النيل وستقلّ كمية الأسماك، وقتها ستكون تلك الجهات هي الوحيدة المتحكمة فيما تجود به البحار.

ويحذر الباحث من استمرار الحكومة في سحق المواطنين بهذه الطريقة، لأن النتيجة ستكون ثورة جياع، أو انتفاضة، أو ثورة بدأت ملامحها تتبلور في الأفق، لأن ما يحدث قمع وظلم، ولن تكون هناك مبررات واهية كخلاف مع جماعة بعينها أو حزب ما أو جمعيات ربحية، فالأمر تجاوز تلك الحالات للمواطنين الغلابة، الذين يكدّون من أجل لقمة العيش، ليفاجأوا بالدولة تزاحمهم في المهنة التي ورثوها عن أجدادهم.

ويخشى الصيادون من تكرار سيناريو بحيرة البردويل شمال سيناء، التي تم الاستحواذ عليها والتضييق على الصيادين فيها والاستيلاء على أسماكها ذات الجودة والسمعة العالمية، أو مزرعة "بركة غليون"، أكبر مزرعة للاستزراع السمكي، والواقعة بمركز مطوبس بمحافظة كفر الشيخ، وكان يعيش الصيادون هم وأسرهم على ناتج الصيد فيها، إلى أن تم إنشاء سور محكم حولها بطول 11 كم، وتركيب كاميرات مراقبة، وتحولت إلى منطقة عسكرية يحظر الاقتراب منها، ما يضطرهم للصيد في المياه الدولية، وتعرضهم لحوادث غرق متكررة أو القبض عليهم أو تعرضهم للقرصنة.

لم يخلُ الأمر من تعليقات لاذعة تضامنت مع الصيادين ضد من يحاولون محاربتهم في أكل عيشهم كما قيل، وكتب نادر فرجاني، وهو مدير مركز البحوث المصري "المشكاة" تغريدة على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي تويتر قال فيها:

كما دخل على الخط الكاتب السعودي المعارض تركي الشلهوب، ليدين ما فعله السيسي، بحسب قوله، حيث لم يعد يكفيه مطاردة شعبه في البر لينزل بقواته إلى البحر حتى يلاحق الصيادين في رزقهم.

إمكانات مراكب "وطنية" الحديثة تمثل تعجيزاً للصيادين البسطاء ومراكبهم المتداعية

حكايات الصيادين كثيرة، أغلبها لا يخلو من يأس وإحباط بدا جلياً على وجوه مئات الصيادين الذين التقاهم "عربي بوست"، بسبب معاناتهم التي توزعت بين ضيق ذات اليد، وتراجع عمليات الصيد، والخوف من الإبحار الذي ينتهي غالباً بالسقوط في يد قوات الدول المجاورة.

يبدي عم سليمان (صاحب مركب درجة ثانية، ويعمل بمهنة الصيد منذ 35 عاماً) انزعاجه من المراكب الجديدة، قائلاً: "سيكون معها كارت "بلانش" للسير في أي مكان مثلها مثل من يحمل بطاقة الجهات الأمنية، وبالتالي سيتم تقديم كافة التسهيلات لمن يعمل عليها، مقابل إهمالنا نحن الذين نعمل في هذه المهنة منذ أن كنا أطفالاً، فضلاً عن أنها تتفوق في الإمكانات عن مراكبنا، حيث إنها تعمل بنظام "الجر القاعي" لاصطياد الأسماك من القاع، كما أن بها محركات قوية وثلاجات وتقنيات تتيح لها الصيد في الغاطس، وستعمل في البحرين المتوسط والأحمر، وعلى حدود إريتريا والصومال -كما صرّح المسؤولون- فضلاً عن أنها ذات صلابة ومتانة ومميزات تمثل تعجيزاً لنا ولمراكبنا المتداعية.

ويتساءل صاحب المركب بغضب "هل المطلوب منا أن نهجر مراكبنا للعمل لدى الآخرين؟ ولماذا يطاردون رزقنا في البحر وإن كان الهدف هو التطوير فإن "بوغاز" عزبة البرج يفتقد إلى ورش تصنيع المراكب ذات الجودة العالية، وكان من الأولى الاهتمام بذلك بدلاً من الاتجاه لتدشين مراكب "وطنية".

يشير سليمان أن هناك صيادين يعملون باليومية، وهناك آخرون يعملون بنظام النصيب أو الحصة، حيث تقوم مجموعة من الصيادين بالاشتراك في ملكية مركب صيد، ويكلفهم ذلك ما يقرب من مليوني جنيه، حسب حجمه وتجهيزاته، وتتراوح قوة طاقمه بين ستة صيادين و12 صياداً.

ويشكو من أن كثيراً من الصيادين لا يخرجون إلى البحر المتوسط بسبب ضعف الإنتاج، خاصة تلك الأيام، لأنهم في فترة النوات، فضلاً عن ارتفاع تكلفة الرحلات التي تُحسب وفقاً لقوة الموتور الذي يستهلك الكثير من السولار (يقدر الاستهلاك اليومي للمركب بنحو ثلاثة براميل سولار، ويتراوح سعر البرميل الواحد بين 1200 و1400 جنيه).

ويُنهي حديثه بحزن قائلاً: "المركب عشان يتمون قبل ما يروح يصطاد، بيكلفني من 20 لـ30 ألف جنيه، وممكن أكتر، وده على حسب المركب والمدة التي يقضيها الصياد في المركب، هاجيب منين كل ده؟!"

مشاكل الصيد والصيادين في مصر تزامنت مع الأوضاع الأمنية في شمال سيناء

أما مصطفى، الذي يعمل في الصيد منذ 36 عاماً، فقال "أتعرّض لإهانات شديدة كلما أردت تزويد مركبي بالسولار، وأنتظر أياماً للحصول على حصة المركب؛ حيث كانت قوات حرس الحدود تتعامل مع الصيادين وكأن الجميع مهربون للوقود، ويتعطل عملي ويقع الضرر على أهل بيتي.

يشعر الصيادون ومعهم كثيرون أنهم صاروا بلا قيمة، في ظل تجاهل مشكلاتهم ومحاربتهم من قبل الحكومة، ولا يرون منها إلا قرارات مجحفة تسلبهم حقهم وتضع العقبات في طريقهم، من أجل تذليلها لصالح مراكب صيد "وطنية" الجديدة، والتي ستغزو شواطئ مصر وتزاحم الصيادين في رزقهم.

آخر تلك العراقيل قرار هيئة ميناء دمياط الصادر منذ أيام برفع مقابل تسعير صيد أسماك الزريعة داخل الميناء، بواقع 10 آلاف جنيه عما تم إقراره العام الماضي لتصل إلى 30 ألف جنيه شهرياً. 

يقول الشيخ محمد، وهو مالك لأربعة مراكب إن كل أهل العزبة تقريباً يعملون في حرفة الصيد جنباً إلى جنب بجوار صيادي الرطمة وكفرحميدو والشيخ درغام وطبل وشطا، وعندما سأله "عربي بوست" عن مشكلات صيادي العزبة تنهّد بأسى قائلاً إنها زادت الفترة الأخيرة بشكل سيؤثر سلباً على القطاع بأكمله، الذي يمثله عشرات الآلاف من العاملين.

ويتحسر الرجل الستيني على أيام زمان وقتما كانوا يصطادون ناحية العريش وغزة، وكان الإنتاج وفيراً، لكن الآن ازدادت أحوال صيادي عزبة البرج سوءاً بالتزامن مع الأوضاع في شمال سيناء؛ حيث مُنعوا من الصيد بالقرب من العريش والمناطق المُتاخمة لها، وباتت هناك مناطق محددة ومساحات ضيقة للصيد تُبحر فيها آلاف المراكب "من ميناء دمياط إلى ميناء بورسعيد فقط"، ما يقلل الحصيلة، وما كان يتحصل عليه المركب من أول رحلة يحتاج الآن إلى ثلاث وأربع رحلات للحصول عليه.

بجانب ذلك فإن ارتفاع أسعار كافة مستلزمات العمل اللازمة للصيد يؤثر على هامش الربح الذي يحصل عليه الصيادون، فالثلج زاد سعر المكعب منه من 4 إلى 9 جنيهات، وكيلو الغزل الذي يصنع منه شبك الصيد ارتفع إلى 90 جنيهاً بعدما كان يُباع بـ15 و20 جنيهاً في الماضي، لكن كل ذلك لم يكفِ الحكومة، فقررت التضييق عليهم أكثر من خلال القرارات الخالية من المنطق، كل ذلك أجبره على الاكتفاء بمركب من الأربعة، وتسريح الصيادين الذين يعملون على المراكب الثلاثة الأخرى.

تراخيص المراكب تتم على 9 مراحل بـ9 توقيتات مختلفة في السنة

من البحر إلى البر كانت معاناة أخرى يعيشها الصيادون من أصحاب المراكب، أثناء تجديد رخصهم من قبل إدارة التفتيش البحري في مقرها الذي لا يزيد عن شقة إدارية ضيقة بعمارة الشرق على كورنيش النيل بدمياط، يتكدس أمامها الصيادون على سلالم العمارة في انتظار دورهم.

عم شرابي، صياد في الخمسين من عمره، يقول إن "الحكومة تتعمد تعذيبنا بإجراءات معقدة، سواء كان صياداً يمتلك مركب صيد صغيراً أو صاحب لنش سياحي أو سفاري، فهي تستمتع بأن نلف "كعب داير" في كل مرة نريد استخراج الترخيص الذي يتم على 9 مراحل بـ9 توقيتات مختلفة في السنة، فهناك عوائد سنوية، وختم البطاقة الضريبية، وتجديد رخصة جهاز اللاسلكي، ورسوم هيئة موانئ البحر الأحمر، ومعاينة جفاف، ورسوم سنوية للتأمينات العامة، وعقود عمل، وبوليصة تأمين، وكل إجراء من تلك الإجراءات له ميعاد معين بعيداً عن الآخر في السنة.

يتساءل الخمسيني لماذا لا يقوم مسؤولو هيئة السلامة البحرية بتجميع إجراءات التفتيش البحري الخاصة بالتراخيص في وقت واحد وفي يوم واحد بالسنة مثل ترخيص السيارات بدلاً من هذه المعاناة الدورية؟ 

بدوره أطلق الريس سليمان، وهو صياد، زفرةَ ضيق عندما أنهى الإجراءات المطلوبة، مشيراً إلى أنه ومعه الآلاف يضطرون للمجيء إلى تلك الشقة قائلاً: هيئة السلامة البحرية تطالبنا بتزويد المراكب بأجهزة السلامة وتتمثل في تركيب (رماث)، وهو عبارة عن عائمة إنقاذ مطاطية قابلة للنفخ، وأجهزة رادار وأجهزة لا سلكية، وقد يصل سعرها إلى 250 ألف جنيه، وفي ذات الوقت لا تزودها بأجهزة تُتيح للصياد معرفة النشرة الجوية للبحر، والتي على أساسها يحسم أمره في الخروج للصيد من عدمه.

ويوضح أن صغر حجم المراكب يجعلها غير مؤهلة للإبحار لمسافات طويلة أو اختراق المياه الإقليمية لدول مجاورة، مؤكداً أن مراكب الصيد جميعها يتم حساب ارتفاعها بحسب طولها لتحقيق التوازن وسهولة الإبحار، والمراكب التي يبلغ طولها 24 متراً لا يتعدى ارتفاعها ثلاثة أمتار ويقل الارتفاع عندما يقل الطول، وهو ما يجعل تلك المراكب معرضة للغرق بسهولة في حالة الدخول في المياه الدولية، والتي يصل ارتفاع الأمواج فيها إلى 15 متراً.

يستكمل قائلاً: "لسنا بحاجة إلى تلك الأجهزة من الناحية العملية، لأننا نبحر قريباً من ساحل البحر المتوسط، ولا نستطيع الابتعاد أكثر من 30 كيلومتراً، ومعظمنا يحمل معه على المركب جهاز اتصال لاسلكي للتواصل مع المراكب التي تقوم بالصيد في نفس المحيط، وكانت تلك الأجهزة غير مرخصة، لكن قام الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بحملة تفتيش ألزم خلالها جميع أصحاب المراكب الحاملة لأجهزة اتصال لاسلكي بدفع 210 جنيهات عن كل سنة كرسوم إدارية، وقام الجهاز بحسابها وتحصيلها بأثر رجعي".

ويصل عدد الصيادين المسجلين إلى 16 ألف صياد، يعملون على حوالي 1740 مركب صيد شراعياً مرخصا، و4826 مركباً تعمل بمحرك، من بينها 2600 مركب بعزبة البرج وحدها.

فرض تأمين إجباري على أصحاب المراكب دون أي مزايا 

يشير شريف الأسود إلى أنه يعمل بمهنة الصيد منذ 30 عاماً حتى أصبح رئيساً لأحد المراكب، موضحاً أن هناك تضييقاً شديداً على صيادي المراكب الآلية والشراعية بسبب تطبيق قانون التأمينات الجديد والذي يلزم كل مالك مركب صيد بسداد قيمة الاشتراك عن العمال بقيمة 15% من الحد الأدنى لأجر الاشتراك التأميني مضروباً في عدد العاملين، ومن واقع ترخيص المركب مضروباً في 12 شهراً سنوياً، بما يعادل حوالي 18000 جنيه تقريباً سنوياً، وهذا يعجز أصحاب المركب الذي كان يسدد 1300 جنيه سنوياً للتأمينات الاجتماعية، وهو أمر قد يؤدي إلى توقف الصيد في مصر نهائياً، ويترك أسر آلاف الصيادين بلا مورد رزق.

ويشرح أن الصيادين على مراكب الصيد ليسوا ثابتين ويتنقلون من مركب إلى آخر وليست هناك علاقة تعاقدية بين العامل وبين مالك المركب، فكل عامل له الحرية في العمل بمهنة الصيد التي ترتبط بمواسم معينة فقط خلال العام، ويعمل في مهن أخرى في غير مواسم الصيد، وبالتالي فإن هؤلاء يندرجون تحت بند العمالة غير المنتظمة، التي تقوم بالتأمين الشخصي على أنفسها بحسب الدستور المصري.

ويضيف أنه بالفعل هناك تأمين إجباري يفرضه التفتيش البحري على أصحاب المراكب للتأمين على الصيادين، لكنهم يفرضون شركة تأمين بعينها تقوم بتحصيل 30 جنيهاً على كل فرد بالمركب كتأمين، لكنهم لا يحصلون على أي مزايا من التأمين مع تلك الشركة ولا يصرف لأي بحار تعويض في حالة وقوع حادث له، وهناك وقائع حدثت بالفعل ولم تلتفت إليها شركة التأمين.

ويشير إلى أن الطبيعي هو قيام صندوق التأمينات بأعمال الصيانة الخاص بالصيادين، "خاصة أننا ندفع 1200 جنيه سنوياً، غير أن المسؤولين عن هذا الصندوق عندما نذهب إليهم يقولون لنا إن الصيانة لن تتم إلا إذا المركب تعرض للغرق أو الحريق". 

ويشير إلى أن الحكومة حددت سن المعاش للصياد 65 عاماً، مع العلم أن الصياد مقدَّر له أن يحال إلى المعاش قبل ذلك بعشرين عاماً، بسبب ما يتعرض له من ظروف صعبة تفرضها عليه طبيعة عمله، حيث يؤدي تواجده في المياه المالحة لساعات طويلة من اليوم إلى استهلاك صحته سريعاً، وعليه أن ينتظر حتى يبلغ سن المعاش القانونية ليحصل على راتب تقاعد شهري يبلغ 950 جنيهاً فقط، وهو مبلغ لا يُسمن ولا يغني من جوع.

يُذكر أن صندوق التأمين التعاوني على مراكب الصيد يصرف تعويضاً مقـداره 5 آلاف جنيه عن كل حالة وفاة على المركب لأي من العاملين عليه.

الصيادون يلومون الدولة على مشاكلهم وأكثرها هم مَن يتسببون في حدوثها

إذا كان الصيادون لديهم الكثير من المشاكل التي يرون أن الدولة سببتها لهم، فإن عضواً بنقابة الصيادين يخالفهم الرأي، مؤكداً أن كثيراً من مشاكل مهنة الصيد في الوقت الحاضر تعود إلى سلوكيات الصيادين أنفسهم.

ويضيف في تصريحات لـ"عربي بوست" أن عدم التوعية الكافية للصيادين بخطورة صيد أسماك سامة كالأرنب أو صيد الزريعة، جعلهم يقومون بصيدها، ما أدى لعدم وجود زريعة تكبر لتصبح أسماكاً كبيرة يستفاد منها، والبعض يستخدم الزريعة كعلف للمزارع السمكية. هذا إلى جانب اصطياد سمك الأرنب السام من قِبل بعض المراكب وإلقاء أحشائه في مياه البحر رغم سميتها، ما يتسبب في تسمم الأسماك الموجودة بالمنطقة ذاتها ونفوقها، وهو ما يعود بالضرر على باقي القطاع.

كما يشير إلى أن المراكب التي تصلح للإبحار في عرض البحر، والسفر إلى مياه إقليمية لدول الجوار، لا بد أن يزيد طولها على 40 متراً، وبعضهم لا يلتزم بذلك ويبحر معتمداً على القدر، مما يوقعه في خطر الغرق أو القبض عليه، خاصة أن هناك بلداناً مجاورة لا يوجد بيننا وبينها اتفاقيات، ما يُمثل خطراً على صيادينا، والدولة تشدد على عدم الصيد في تلك المناطق خوفاً عليهم، لكنهم يصمون آذانهم ويلومون الحكومة، والمفترض أن يلوموا أنفسهم.

ويوضح أن مراكب صيد "وطنية" التي يحاربها الصيادون ستوفر فرص عمل للشباب ليس فقط من عزبة البرج، بل ستتاح فرصة العمل لكل الصيادين بمعدية إدكو وأبوقير والمكس والبرلس وجمصة وبورسعيد والعريش وصيادي البحر الاحمر.

ميناء الصيد.. حلم بعيد المنال

ميناء الصيد بمدينة عزبة البرج بدمياط لا يزال حلماً يداعب الصيادين، أملاً في تحسين أوضاعهم، حيث يعتقدون أنه سيوفر آلافاً من فرص العمل الجديدة لأبناء المحافظة، وتقع الأرض المقترحة لإنشاء الميناء في منطقة الساحل الشمالي الشرقي للمحافظة، عند مدينة عزبة البرج، وتم تحديد الموقع والأرض المخصصة للمشروع بإجمالي 1160 فداناً، بتكلفة تقديرية قيمتها 2.2 مليار جنيه، وخُصص لإنشاء ميناء الصيد من هذا المشروع 434 فداناً، منها مساحة مائية تُقدر بـ175 فداناً، والباقي 259 فداناً مساحات أرضية، بالإضافة إلى إنشاء منطقة صناعية ستقام ضمن هذا المشروع على مساحة 130 فداناً، ومنطقة سكنية للصيادين والعمال، وسيضم الميناء مناطق لورش السفن، ومنطقة أخرى للثلاجات والمخازن، ومنطقة أخرى لمصانع الثلج، ومنطقة لتصنيع الأسماك، ومنطقة إدارية. 

لكن كما يقول بعض الصيادين فإن هناك من لا يرحب بخروج المشروع للنور، حيث إنه متعثّر منذ سنوات، رغم وجود جميع الدراسات والتصميمات لهذا الميناء، والحجة عدم توافر الاعتمادات المالية لإنشائه.

وعلم "عربي بوست"، من مصدر مطلع، أن الضغط من جهة الصيادين لإنشاء الميناء وغضبهم المستمر ووقفاتهم الاحتجاجية ضد القرارات الحكومية جعل محافظة دمياط تطلب من وزارة النقل الترويج لمشروع إنشاء ميناء للصيد في المحافظة على القطاع الخاص، وطرحه للمستثمرين، وسلمتها تقريراً بكافة الخطوات التي قامت بها على مدار عامين، والأفكار التي تلقتها من المستثمرين الذين عرضت عليهم المشروع، لاسيما أن الوزارة لديها خبرة أكبر في التعامل معهم.

تحميل المزيد