تفجرت في تونس، قبل أسبوع، قضية النفايات الإيطالية تحولت إلى حديث الإعلام والرأي العام، وذلك بعد تسريب صور التُقطت من الميناء التجاري لمدينة سوسة، أظهرت وصول حاويات ضخمة من النفايات المنزلية إلى الأراضي التونسية قادمةً من إيطاليا.
بعدما تفجرت القضية، اعترفت شركة تونسية خاصة، بأنها المسؤولة عن استيراد هذه نفايات إيطالية، بعدها توارت في الظل، ورفضت التعليق على التهم الموجهة لها، أبرزها أن عملية جلب هذه النفايات محظورة وخطرة وغير قانونية.
قضية استيراد النفايات الإيطالية في تونس ليست جديدة، ففي يونيو/حزيران 2020، نُشرت على موقع تاتواصل الاجتماعي "فيسبوك" صور من مخازن ميناء سوسة التجاري الذي يعد أهم الموانئ التجارية في المنطقة المغاربية، لكنَّ تحقيقاً تلفزيونياً أعاد القضية للنقاش. فكيف تحولت تونس وبعض دول شمال إفريقيا إلى مكبٍّ للنفايات الإيطالية؟
النفايات الإيطالية
بمجرد بث التحقيق التفزيوني، أعلنت وزارة الشؤون المحلية والبيئة التونسية أنها فتحت تحقيقاً في قضية استيراد النفايات الإيطالية من طرف شركة خاصة، بعد التأكد من أن النفايات المعنية بالنقاش، ليست فقط بلاستيكيات قابلة لإعادة التدوير، ولكن الحاويات تتضمن "نفايات منزلية خطيرة".
ومن بين النفايات التي تسمح الحكومة التونسية باستيرادها، وفق الضوابط القانونية والمعاهدات الدولية، كل ما هو بلاستيكي مستعمل مرة واحدة، وحاويات المواد الطبية والغذائية، وصناديق المواد الغذائية، شرط أن تكون من مادة البلاستيك.
الوزارة الوصيَّة على قطاع البيئة قالت في بلاغ لها نُشر على صفحتها في فيسبوك، إنها لم تُرخص للشركة المعنية بالأمر، أو أي شركة أخرى لتوريد نفايات من الخارج.
وقالت الوزارة، إن الشركة تعمدت القيام بعديد من المغالطات في مختلف إجراءاتها، خاصةً فيما يتعلق بإجراءات التوريد المحددة بالتشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية وكذلك بخصوص تصنيف النفايات الإيطالية ضمن ملف التصريح الديواني، إضافة إلى مخالفة ما جاء بدراسة المؤثرات على المحيط والتي تحدد التزامات الشركة لتعاطي نشاطها.
الوزارة اعتبرت أن الشركة خالفت ما جاء في كراسات الشروط المقدمة للوكالة الوطنية لحماية المحيط ووكالة التصرف في النفايات، واستوردت النفايات الإيطالية مخالفة وغير مرخص لها، مما استوجب تدخُّل الوحدات الديوانية؛ لمنعها من إدخال هذه النّفايات للتراب التونسي.
الشركة تُدافع عن نفسها
استقبلت تونس، حسب المعلومات الرسمية، 282 حاوية من النفايات الإيطالية المنزلية والصلبة القادمة من إيطاليا، 70 منها تم نقلها نحو مخازن الشركة تحت مراقبة الجمارك، في حين لا تزال 212 حاوية راسية، إلى اليوم، على رصيف ميناء سوسة منذ نحو 5 أشهر.
الشركة، حسب المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست"، هي "Soreplast Polymers" ومالكها هو منصف نور الدين، الحاصل على شهادة قانون الأعمال سنة 2008 من الجامعة التونسية الحرة، هذه الشركة هي اليوم مشتبه في مخالفتها اتفاقية "بازل"، وهي المعاهدة الدولية التي تم تصميمها للحد من تحركات النفايات الإيطالية الخطرة بين الدول، وعلى وجه التحديد لمنع نقل النفايات الخطرة من البلدان المتقدمة إلى البلدان الأقل نمواً.
تختص الشركة، التي بدأت نشاطها سنة 2009، في التصدير بالكامل وجمع وفرز المواد البلاستيكية من نفايات ما بعد الصناعة، وعملية التدوير للنفايات الصلبة، إضافة إلى قيامها بعملية المعالجة الأولى للبلاستيك، وفق ما يشرحه حساب مالك الشركة على موقع LinkedIn.
وكشف محامي الشركة، مهدي نور الدين، لـ"عربي بوست"، أن الشركة التي ينوب عنها قانونياً أمام القضاء، حصلت من الجمارك ومن الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات الإيطالية على رخصة لاستئناف نشاطها بمصنع جديد للشركة في منطقة سيدي الهاني، لكنها فوجئت بعد استيراد كميات من النفايات بقرار جمركي يقضي بالحجز، لأنها خطرة وفق ما بررته إدارة الجمارك التونسية.
وعن مخالفة الشركة للقانون فيما يتعلق باستيراد فضلات منزلية يجرِّمها القانون واتفاقية "بازل"، أوضح الممثل القانوني للشركة أن "ما يروَّج كله مغالطات ومزاعم لا أساس لها من الصحة، بما أن الشركة التونسية تقوم باستيراد النفايات الإيطالية المنزلية من شركة إيطالية مختصة في تعقيم وتنظيف ومعالجة وفرز هذه الفضلات، أي إدخال تغييرات عليها تجعلها نفايات غير خطرة، ولا تدخل تحت قرار المنع الذي أقرته الاتفاقية".
وأوضح نور الدين، أن الشركة لم تقم بتصدير أي شحنة من الفضلات المستوردة من إيطاليا والتي كانت تستعد لإعادة تدويرها، بعد حجز الديوانية لهذه النفايات الإيطالية رغم حصول الشركة على ترخيص مسبق بهذا الغرض.
المغرب أيضاً يستورد النفايات
قضية استيراد النفايات الإيطالية ليست الأولى من نوعها بمنطقة شمال إفريقيا، ففي المغرب أيضاً، اعتادت بعض الشركات جلب "قمامة" إيطاليا إلى البلاد، وذلك قبل أن تتفجر القضية سنة 2016، والتي أطاحت بحكيمة الحيطي، وزيرة البيئة حينها، ومُنعت بقرار ملكي بعدم تقلُّد أي منصب أو مسؤولية في المستقبل.
فقبل 4 سنوات، استقرت بميناء الجرف الصرف جنوب العاصمة الرباط باخرة قادمة من إيطاليا، تحمل نحو 2500 طن من النفايات الإيطالية، الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً، وغضب منظمات المجتمع المدني التي رفضت أن يتحول المغرب إلى مكبٍّ للنفايات الأوروبية الخطيرة والضارة بالبيئة.
خطر استيراد هذه النفايات الإيطالية دفع المركز الجهوي للبيئة والتنمية المستدامة في مدينة الجديدة إلى دق ناقوس الخطر من معالجة هذه النفايات على الأراضي المغربية، محذراً من أنَّ حرق المواد السامة سيتسبب في "إلحاق الضرر بالإنسان والحيوان والنبات، وسيؤدي إلى ظهور عديد من الأمراض الخطيرة والمزمنة وإصابة المتضررين بتشوهات خلقية وعاهات مستديمة".
المغرب صرح بأنه يستورد سنوياً 450 ألف طن من النفايات، في احترام تام للقانون ولاتفاقية بازل، كما أنه يُصدِّر 17 ألف طن من النفايات الخطيرة نحو أوروبا، من أجل إعادة تدوريها؛ لكون المغرب لا يتوفر على الهياكل الصناعية لمعالجة هذا النوع من النفايات.
بعد تفجُّر قضية النفايات الإيطالية، جمَّدت الحكومة المغربية بقرار شفوي جميع عمليات استيراد النفايات من إيطاليا ومن أي بلد أجنبي آخر، معلنة عن تشكيل لجنة مكلفة إجراء تحقيق في ملابسات الشحنة، تحت رئاسة وزارة الداخلية.
وبعد مرور نحو سنتين، أعلنت لجنة تقصِّي الحقائق بالبرلمان المغربي، أن شحنة النفايات الإيطالية ما زالت محجوزة في ضواحي مدينة الدار البيضاء، وذلك بعد التأكد من أنها غير ضارة، وتُستعمل فقط كوقود بديل بعد إعادة التدوير.
لماذا إيطاليا؟
تواجه إيطاليا أزمة كبيرة في إدارة النفايات وإعادة تدويرها، حيث صُدم العالم، العام الماضي، بصور تُظهر غرق عديد من المدن الإيطالية، ومن بينها العاصمة روما، في الفضلات.
وأمام الاحتجاجات التي شهدتها البلاد، قررت السلطات سنَّ تشريعات لتسهيل التخلص من هذه النفايات عبر تصديرها إلى دول أخرى، على رأسها دول شمال إفريقيا، خصوصاً تونس والمغرب.
وعن اختيار الفضلات الإيطالية كمادة أوَّلية للتدوير عوضاً عن النفايات التونسية، أوضح الممثل القانوني للشركة التونسية محط الجدل، أنه لا توجد بتونس أي شركة متخصصة في معالجة النفايات والفضلات (إزالة المواد السامة منها) قبل إعادة تدويرها؛ وهو ما دفع الشركة المهنية إلى البحث عن نفايات تمت معالجتها في الخارج.
وسائل الإعلام التونسية لمَّحت، بشكل صريح، إلى إمكانية وجود طرف سياسي يدعم الشركة التونسية، الأمر الذي فنَّده الممثل القانوني، الذي قال في حديثه مع "عربي بوست": "أتحدى الجميع أن يثبتوا أي صلةِ قرابةٍ لصاحب الشركة بأي طرف سياسي في البلاد"، مشيراً إلى أن كل ما في الأمر أن الشركة حاولت بعد رفض إدارة الجمارك، عدة مرات، تمكينها من شحنات الفضلات".