لاحظ بعض القاطنين في شانغهاي، المدينة الواقعة بقطاع هوانغبو الشرقي، في مطلع هذا الشهر، مشهداً غير معتاد، الأمر يتعلق بمبنى "سائر"، إذ رُفعت المدرسة الابتدائية التي يبلغ عمرها 85 عاماً من فوق الأرض -كاملةً- ووُضعت في مكان آخر باستخدام تكنولوجيا أُطلق عليها "الآلة السائرة"، حتى يتمكن المبنى من السير للأمام.
وفق تقرير لشبكة "سي إن إن" الأمريكية، الجمعة 10 أكتوبر/تشرين الأول 2020، فإنه في آخر المجهودات التي بذلتها المدينة للحفاظ على المباني التاريخية، أرفق المهندسون قرابة 200 جهاز دعم تحت المبنى المكون من 5 طوابق، وفقاً للان ووهي، رئيس المشرفين التقنيين في المشروع.
تقوم أجهزة الدعم بعمل أرجلٍ آلية، وهي منقسمة إلى مجموعتين تتحركان إلى أعلى وأسفل بالتبادل، لتحاكي الخطوات البشرية. وتساعد أجهزة الاستشعار المرفقة في التحكم بعملية سير المبنى إلى الأمام، حسبما قال "لان"، الذي طوَّرت شركته Shanghai Evolution Shift، هذه التقنية الجديدة في عام 2018.
يقول "لان": "كأنك تعطي المبنى عكازاً يتكئ عليه للوقوف ثم السير"، كما تُظهر الصور المتتابعة التي التقطتها الشركة، المدرسة وهي تشق طريقها خطوة بخطوة.
بنايات تاريخية
وفقاً لبيان من سلطات مقاطعة هوانغبو، بُنيت مدرسة لاغينا الابتدائية عام 1935، من خلال الامتياز الفرنسي بالمجلس المحلي في شانغهاي. وقد نُقلت لإفساح الطريق أمام المجمع التجاري والمكتبي الجديد، والذي سينتهي بناؤه في عام 2032.
أوضح لان أن العمال حفروا أولاً حول المبنى لنصب 198 جهاز دعم في الأماكن المحددة تحته. وبعد أن بُترت أساسات المبنى، تمددت "الأرجل" الآلية إلى أعلى، رافعةً المدرسة ثم متحركة إلى الأمام.
على مدار 18 يوماً، التف المبنى 21 درجة حول نفسه وتحرك 62 متراً بعيداً عن موقعه الأصلي. وقد انتهى وضعه في موقعه الجديد يوم 15 أكتوبر/تشرين الأول، ومن المقرر أن تصير المدرسة القديمة مركزاً لحماية التراث والتوعية الثقافية.
وقالت الحكومة في بيان لها، إن المشروع يستخدم طريقة "الآلة السائرة" للمرة الأولى في شانغهاي، لنقل مبنى أثري.
عقود من التدمير
في العقود الأخيرة، شهدت الصين -في خضم حركة التطوير السريعة- دمار العديد من المباني التاريخية، لإخلاء أماكنها لناطحات السحاب والمباني الإدارية. لكن كان ثمة قلق متزايد بشأن فقد التراث المعماري، نتيجة لتلك الإزالات في أنحاء البلاد.
أطلقت بعض المدن حملات جديدة لحمايتها والحفاظ عليها، منها، في أحيان، استخدام التكنولوجيا المتطورة التي تسمح بنقل المباني القديمة إلى مواقع أخرى بدلاً من هدمها.
يمكن تعقُّب لا مبالاة المسؤولين بالتاريخ المعماري إلى أيام زعيم الحزب الشيوعي ماو تسي تونغ. وخلال الثورة الثقافية الكارثية، التي استمرت من عام 1966 إلى 1976، دُمرت مبانٍ تاريخية ومعالم أثرية لا تُحصى، كجزء من الحرب على "الأربعة القديمة" (الأعراف القديمة، والثقافة، والعادات، والأفكار).
وشهدت وفاة ماو عام 1976، نداءات بعودة الحفاظ على التراث المعماري، ومنحت الحكومة الصينية وضع الحماية لعدد من المباني قبل أن تمرر قانون الحفاظ على التراث في الثمانينيات. وفي الأعوام التالية، حظيت المباني والمجاورات وحتى البلدات القديمة، بحماية الدولة في الحفاظ على مظهرها التاريخي.
مع ذلك، استمر التوسع الحضري الحثيث ليمثل تهديداً كبيراً على التراث المعماري. كما يُعد بيع الأراضي مصدراً مهماً آخر للإيرادات بالنسبة للسلطات المحلية، ما يعني أن المباني ذات القيمة التاريخية تُباع عادة للمقاولين العقاريين الذين لا يهتمون بالحفاظ على التراث.
وفي العاصمة بكين على سبيل المثال، دُمر أكثر من 1000 فدان من أزقتها التاريخية ومنازلها ذات الباحات بين العامين 1990 و2010، وفقاً للجريدة الحكومية China Daily.
في بدايات الألفينات، وضعت مدن على غرار نانجينغ وبكين -مدفوفة باحتجاج النقاد على فقد الأحياء القديمة- خططاً طويلة المدى للحفاظ على ما تبقى من المواقع الأثرية، مع تقديم سُبل الحماية للحفاظ على المباني وتقييد المقاولين.
أفكار مبتكرة
كما اتخذت تلك المجهودات أشكالاً مختلفة. ففي بكين، تحول المعبد المُدمر تقريباً، إلى مطعم ومتحف، بينما في نانجينج، رُممت سينما تعود للثلاثينيات بشكل يُشبه حالتها الأصلية، مع زيادة بعض الإضافات التي تناسب الاستخدام العصري. وفي عام 2019، افتتحت شانغهاي متحف تانك شانغهاي، مركز الفنون الذي بُني من خزانات وقود مُرممة.
قال لان، رئيس المشرفين التقنيين في المدرسة الابتدائية: "نقل المبنى إلى مكان آخر لم يكن الاختيار الأول، لكنه أفضل من تدميره. لم أكن لأمس المباني التاريخية بالأساس".
وأضاف أنه من أجل نقل مبنى تاريخي، تخضع الشركات والمقاولون لأحكام صارمة، مثل الحصول على موافقة الحكومة من مستويات مختلفة.