كشفت دراسة استطلاعية جديدة أجرتها شركة Environics Institute، أن الكنديين أكثر انفتاحاً على استقبال مزيدٍ من المهاجرين واللاجئين والترحيب بهم، وذلك على الرغم من الوباء العالمي الذي دمر اقتصادات البلدان وأجَّج مشاعر القومية في جميع أنحاء العالم، إذ تُبين نتائج الدراسة أن مواقف الكنديين حيال المهاجرين واللاجئين أصبحت إيجابية على نحو متزايد.
حسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية، الخميس 29 أكتوبر/تشرين الأول 2020، فإن مواقف الكنديين تجاه المهاجرين لم تتغير رغم بقاء ملايين من السكان عاطلين عن العمل، أو التوقعات القاتمة فيما يتعلق بمستقبل اقتصاد البلاد.
نظرة إيجابية
تعليقاً على نتائج الدراسة قال أندرو باركين، المدير التنفيذي في شركة Environics: "هذه الآراء لا تعبر عن مجرد ميلٍ عابر، وليست محض صدفة، يبدو أنها متجذرة بعمق ومنتشرة على نطاق واسع".
منذ عام 1976، يحافظ البحث الاستطلاعي Focus Canada، الذي تُشرف عليه شركة Environics، على أخذ آراء عينات متباينة من الكنديين بطريقة دورية لتقييم وجهات نظرهم حول هذا الموضوع.
نتائج الاستطلاع الأخير، التي صدرت في أوائل شهر أكتوبر/تشرين الأول، جاءت لتُظهر، ولأول مرة على الإطلاق، أن الكنديين أكثر ميلاً إلى رفض فكرة أن المهاجرين لا يتبنون القيم الكندية.
في الوقت نفسه، لا تزال الغالبية العظمى من الكنديين تنظر إلى المهاجرين على أنهم مهمُّون للاقتصاد الكندي ولا يعتقدون أنهم يأخذون الوظائف من كنديين آخرين.
كما انخفضت نسبة الكنديين الذين يقولون إن كثيراً من طالبي اللجوء ليسوا لاجئين "حقيقيين"، لتقترب من ثلث الأشخاص المستطلعة آراؤهم، ما يمثل انخفاضاً حاداً عن نسبة 79% التي كانت عليها نتائج الإجابة عن السؤال ذاته في عام 1987.
مواقف ثابتة
يقول باركين، من شركة Environics، إن الباحثين كانوا في تطلعٍ إلى معرفة ما إذا كانت الأحداث العالمية الاخيرة قد أحدثت تغييراً كبيراً في آراء الكنديين.
كما أضاف باركين: "في البداية اعتقدنا أن دونالد ترامب قد يطيح بهذه الاتجاهات الإيجابية. وربما يتأثر الكنديون بأجواء ما يحدث في الولايات المتحدة، ويبدأون في التراجع عن آرائهم [المرحبة بالمهاجرين واللاجئين]، لكن ذلك لم يحدث".
مع ذلك، يشير باركين إلى مفارقة تتمثل في أنه حتى الوباء الذي تسبب في خسارة الملايين لوظائفهم وترك الكنديين في أوضاع مالية غير مستقرة لم يجعل سكان البلاد أقل قبولاً لاستقبال وافدين جدد.
ومن ثم يقول باركين: "إذا لم تشهد هذه الآراء الإيجابية تراجعاً بفعل التأثر بما يحدث في الولايات المتحدة، ولا على إثر جائحة صحية ضخمة أو أزمة اقتصادية كالتي نشهدها، فمن المحتمل ألا تتراجع أبداً".
مفارقات البحث
من الجدير بالذكر أن تلك المواقف لم تكن في المدن ذات الكثافة السكانية العالية والمتنوعة مثل تورنتو فحسب، بل سجلت استطلاعات الرأي انفتاحاً متزايداً بين السكان الأكبر سناً والمؤيدين عادةً للأحزاب السياسية المحافظة، وفي المناطق التي واجهت تداعيات اقتصادية خطيرة للجائحة.
يشير باركين إلى مفارقة أخرى تتعلق بمنطقة المقاطعات الكندية المطلة على ساحل الأطلنطي (كندا الأطلسية)، والتي غالباً ما تُشبه ولايات حزام الصدأ الأمريكية (قلب المنطقة الصناعية الأمريكية) أو مناطق شمال إنجلترا، حيث أُغلقت المصانع وباتت الغالبية السكانية لتلك المناطق من بين الأكثر فقراً والأكبر سناً.
إذ يقول: "في البلدان الأخرى ترتبط كل هذه العوامل بانفتاح أقل على الهجرة، إلا أنه في كندا الأطلسية أدرك السكان أنه كلما زاد عدد المهاجرين لديهم زاد عدد الشركات والمصانع التي ستبدأ العمل هناك".
كما يذهب باركين إلى أن السبب في ذلك هو أن كندا عادةً ما فضلت المهاجرين من ذوي المهارات إلى حد كبير.
تحديات متزايدة
على الرغم من ذلك، فإن ثمة ما يشير إلى أن المهاجرين والأقليات باتوا يواجهون تحديات أكبر لتسيير أمورهم اليومية في البلاد، وأبلغ أعضاء في الجالية الآسيوية الكندية عن زيادة كبيرة في المضايقات ضدهم بعد حلول جائحة كورونا، وهي التجارب التي تؤيدها البيانات الأخيرة الصادرة عن مكتب الإحصاء الكندي Statistics Canada.
في الأشهر الأخيرة، أقرَّ مسؤولون في جميع أنحاء البلاد بأن العنصرية المنهجية -وما تتضمنه من أعمال عنيفة عادةً- باتت تضع أعباء شديدة الوطأة على الأقليات.
بينما تشير نتائج الاستطلاع إلى انفتاح كبير على مزيد من المهاجرين واللاجئين، يعترف باركين بأن الأسباب الكامنة وراء هذا التناقض يصعب تحديدها.
مع ذلك، يلفت باركين إلى أن الاضطرابات السياسية وكراهية الأجانب في أمريكا قد تكون عاملاً رئيسياً في زيادة المشاعر الإيجابية حيال المهاجرين في كندا، إذ يشتبه باركين في أن السلوك الأمريكي من هذا النوع غالباً ما يكون له تأثير معاكس في كندا، "فهو في الواقع يعزز من إحساس الكنديين بالتميز".
ويلخص باركين رأيه بالقول إن "الكنديين باتوا، وعلى نحو متزايد، لا يرون هذه المسألة على أنها قضية هامشية، بل مسألة هوية تُميزهم، إذ هم غالباً ما يرون أنفسهم على أنهم شعب معروف بأنه يرحب بالناس من جميع أنحاء العالم".