مع انضمام السودان إلى قافلة الدول المطبعة مع إسرائيل بعد الإمارات والبحرين، بدت ملامح التطبيع الإسرائيلي السوداني تتضح شيئاً فشيئاً في أعقاب حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن الخرطوم وافقت على طلبه باستقبال المهاجرين السودانيين غير الشرعيين المقيمين في إسرائيل منذ سنوات.
تعد هذه القضية من الملفات التي عجزت حكومات إسرائيل المتعاقبة على حلها، نظراً لتعقيداتها، وعدم وجود تعاون مع السودان خلال فترة حكم الرئيس السوداني السابق عمر البشير.
لكن، مع الإطاحة بنظام البشير في أبريل/نيسان 2019، وتولي المجلس العسكري إدارة المرحلة الانتقالية، بدت إسرائيل تتطلع لإقامة علاقات مع المجلس العسكري، عنوانه التعاون المشترك لإنهاء قضية المتسللين السودانيين في إسرائيل، ويقدر عددهم بسبعة آلاف مهاجر.
ملف مهم خلال التفاوض
أسامة الأشقر المستشار السياسي في مجموعة الراصد للبحوث والعلوم بالسودان، قال لـ"عربي بوست" إن ملف المهاجرين السودانيين غير الشرعيين في إسرائيل كان مطروحاً ضمن برنامج المفاوضات بين إسرائيل وقادة المجلس العسكري الحاكم في السودان، خلال لقاء عبدالفتاح البرهان مع نتنياهو سراً في أوغندا في فبراير/شباط 2020، وكان ضمن ملفين رئيسيين لتعاونهما، بجانب الطيران لاستغلال الأجواء السودانية للمرور بالقارة السمراء.
وأضاف أن أرقام المهاجرين السودانيين تمثل أضعاف ما تتحدث به إسرائيل، "بعضهم يقيم سراً منذ 15 عاماً، غير مشمولين ضمن أرقام الدولة الرسمية، وهنالك المئات تزوجوا وأنجبوا الأطفال، غير مشمولين ضمن أرقام دائرة الهجرة"، على حد قوله.
خطر على يهودية الدولة
مدير مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي عماد أبوعواد، قال لـ"عربي بوست"، إن اليمين الإسرائيلي يخشى أن يشكل هؤلاء المهاجرون خطراً على يهودية الدولة، فأعدادهم بعشرات الآلاف، ويقطنون في مناطق تعتبر مراكز ثقل المتدينين، وينظر إليهم في الدولة على أنهم محسوبون على معسكر الوسط اليميني، لأن الأخير رفض اقتراحات نتنياهو بترحيل المهاجرين بالقوة.
وأضاف أن "إسرائيل تنظر لهؤلاء المهاجرين من زاوية دينية، كونهم ينتشرون في مناطق محسوبة على التيار الحريدي، رغم أنهم لا يشاركونهم في أي مظاهر دينية، أو يقومون بمضايقتهم، لكن النظرة الإسرائيلية الاستعلائية تعتبر هؤلاء المهاجرين ذوي أصول غير آدمية، كما كان عليه الحال إبان فترة النازية في ألمانيا".
وأكد أن "إسرائيل تخشى من المعركة الديموغرافية، فهؤلاء المهاجرون في حال استطاعوا أن يتزوجوا من يهود أفارقة، فإنهم سيقلبون الميزان الديموغرافي لصالح العرب، خصوصاً أن دولاً كالسودان والصومال تضم نسبة لا يستهان بها من المهاجرين الموجودين في إسرائيل".
هجرة السودانيين إلى إسرائيل
تعود جذور هذه القضية لعام 2003 حينما اندلع الصراع في غرب السودان، وتحديداً في إقليم دارفور بين الحكومة والمتمردين، نجم عنها حالات نزوح جماعية، واستطاع آلاف المهاجرين أن يجدوا طريقهم للهجرة لإسرائيل بحثاً عن ملاذ آمن عبر التسلل إليها من سيناء.
يعيش غالبية المهاجرين في المدن الإسرائيلية الجنوبية مثل بئر السبع والنقب، وآخرون يعيشون في الوسط، وتحديداً جنوب تل أبيب، للبحث عن فرص عمل أفضل، وجزء ثالث يقضي فترة إقامته بالسجون ومراكز عزل مخصصة لهم تشرف عليها مفوضية اللاجئين، ويعاملون على أنهم متسللون، لا يملكون أوراقاً ثبوتية أو إقامات، لذلك يبيتون على أطراف المدن خشية ملاحقتهم من الشرطة لاعتقالهم، ثم ترحيلهم.
اتخذت إسرائيل سلسلة خطوات من شأنها الحد من تدفق اللاجئين الأفارقة إليها، وتحديداً من السودان وإريتريا وإفريقيا الوسطى، بينها المصادقة على بناء جدار خرساني على طول الحدود المصرية الإسرائيلية بطول 270 كم، انتهى العمل به في 2012، بكلفة 400 مليون دولار، هدفه منع حالات تسلل الأفارقة من سيناء إلى إسرائيل.
أعقب ذلك تبني إسرائيل لقانون التسلل في 2012، بموجبه يجيز للسلطات احتجاز أي متسلل لمدة تصل 3 سنوات فور دخوله الأراضي الإسرائيلية دون محاكمة أو إذن قضائي.
عاودت حكومة نتنياهو الكرة مرة أخرى في أغسطس/آب 2013، عندما قررت ترحيل اللاجئين السودانيين إلى أوغندا، باتفاق مع رئيسها يوري موسفيني وفق صفقة محددة، ووصفتهم بأنهم "زائرون بطريقة غير قانونية"، وأن قضيتهم تمثل عبئاً كبيراً على كاهل الدولة، وتهدد "صفتها اليهودية".
محاولة لإنهاء قضية اللاجئين
محمد محسن وتد الصحفي من منطقة المثلث شمال فلسطين المحتلة قال لـ"عربي بوست" إن إسرائيل تسعى من خلال اتفاق السلام مع السودان لإنهاء قضية المهاجرين الأفارقة لديها بشكل كامل، تكراراً لتجربة نقل المهاجرين لأوغندا، ويدور الحديث عن ترتيبات خاصة تعدها الحكومة بتخصيص 3-5 آلاف دولار تمنحها الدولة لكل مهاجر يقيم فيها دون صفة قانونية، تمهيداً لترحيله للسودان.
وأضاف أن عدد أرقام المهاجرين الأفارقة في إسرائيل يناهز الـ150 ألف مهاجر، قد تكون السودان محطة رئيسية لاستقبال العدد الأكبر منهم، بتخصيص برامج تعاون بين إسرائيل والمجلس الانتقالي في السودان، بإشراف الأمم المتحدة تمهيداً لترحيلهم من إسرائيل للسودان.
أوضاع صعبة
تتعامل إسرائيل من الناحية القانونية مع المهاجرين الأفارقة كمتسللين غير شرعيين، لا يخضعون لأي صفة قانونية داخلها، فلا إقامات أو تأشيرات عمل، أو ضمانات صحية تمنحها لهم، ويتصارعون مع إجراءاتها المجحفة بحقهم بالتمرد، وإقامة المظاهرات الاحتجاجية، ونشر الفوضى، واللجوء للقضاء.
خسر المتسللون الأفارقة رهانهم على القضاء الإسرائيلي بمعركتهم ضد الحكومة، ترفض منحهم أي صفة سواء كلاجئين أو طالبي اللجوء السياسي، أو باحثين عن فرص عمل، أو مقيمين بشكل مؤقت، لذلك يتعرضون لخطر حقيقي من تصفيتهم على أيدي متشددي اليمين.
وفقاً لأرقام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن عدد المهاجرين غير الشرعيين القادمين حتى 2017، تراوح بين 7600 من السودان، ومن إريتريا 26000 ألف على التوالي، ولم تعترف إسرائيل سوى بعشرة إريتريين وسوداني واحد صنفتهم كلاجئين.
من ناحية أمنية، فإن لدى إسرائيل تحفظاً على المهاجرين كونهم آتين من بلاد معادية كالسودان، قبل توقيعها اتفاق السلام مع إسرائيل، كما أن لدى إسرائيل مخاوف من أصول هؤلاء المهاجرين، خشية أن يكونوا متمردين، أو حاملي سلاح في صراعهم العسكري مع الدولة في مناطق النزاع المختلفة في دارفور.
لم تكن أطماع نتنياهو السياسية غائبة في قضية المهاجرين الأفارقة في إسرائيل، فقد تحدث مراراً أمام ناخبيه بأن يسعى لإعادة جنوب تل أبيب للإسرائيليين، في إشارة لوجود غالبية من السودانيين والأفارقة يقيمون في تلك المنطقة.