بدأ علماء بريطانيون دراسة رئيسية تهدف إلى الكشف عن الدور الحاسم الذي تؤديه الأجسام المضادة والدفاعات المناعية البشرية الأخرى في درجة خطورة الإصابة بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، وذلك في ظل مخاوف من التهابات قد تخلفها هذه الأجسام، يحتمل أن تعقد الجهود المبذولة للحصول على لقاح للفيروس.
وفق تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية، الأحد 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2020 فإن نتائج هذه الدراسة قد تدعم اعتقاد بعض العلماء بأنَّ الأجسام المضادة التي ينتجها الجسم استجابةً للإصابة بنزلات البرد الشائعة يمكن أن تحمي الأطفال من كوفيد-19، في الوقت نفسه، قد تؤكد نتائج الدراسة بدلاً من ذلك مخاوف باحثين آخرين بشأن أنَّ بعض الاستجابات المناعية لفيروس كورونا قد تثير ردة فعل التهابية قاتلة من شأنها إفساد محاولات إنتاج لقاحات مضادة للفيروس.
فرضيتان متناقضتان: في هذا السياق، يقول مايكل ليفين، أستاذ طب الأطفال بجامعة Imperial College البحثية في لندن: "قد تقودنا نتائج هذه الدراسة إلى اتجاهين مختلفين تماماً. فقد تكشف أنَّ الأجسام المضادة المتصالبة التفاعل هي سبب انخفاض احتمالية إصابة الأطفال بالأعراض الحادة لفيروس كورونا، أو قد تُظهر أنَّ الاستجابات المناعية للمصابين تؤدي إلى تأثيرات ومضاعفات مهددة للحياة".
يُجري الدراسة فريق من الباحثين والعلماء بقيادة كل من البروفيسور جورج كاسيوتيس من مركز أبحاث "Francis Crick Institute" ودان ديفيس من كلية لندن الجامعية وسوف يستخدمون آلاف العينات المُجمّعة لدراسات حالية جارية بالفعل.
عندما ظهر فيروس كورونا المستجد لأول مرة، بدأ العلماء في البحث عن أجسام مضادة للفيروس داخل أجساد المرضى والأصحاء، وتفاجأوا بوجود أجسام مضادة ليس فقط في العينات المأخوذة من الأشخاص المصابين حديثاً، لكن أيضاً في عينات مأخوذة من أشخاص لم يتعرضوا قط للإصابة بعدوى كوفيد-19.
أما كاسيوتيس فيصرح قائلاً: "أدركنا من ذلك ضرورة وجود تفاعل متصالب يحدث بين فيروسات كورونا المسببة لنزلات البرد الموسمية الشائعة وسلالة الوباء الجديدة. إذ ينتمي كلاهما لعائلة الفيروسات التاجية".
تتسبّب عائلة الفيروسات التاجية (فيروسات كورونا) في خُمس عدد حالات الإنفلونزا في المملكة المتحدة والأجسام المضادة الناتجة عنها تستطيع التعرّف على فيروس كورونا المستجد.
لكن هل تستطيع هذه الأجسام المضادة منع نشاط كوفيد- 19 والحماية منه؟ يقول كاسيوتس: "تشير تجاربنا المعملية إلى أن هذا قد يكون صحيحاً".
نتائج محيرة: وفقاً لكاسيوتيس، يصاب البالغون بنزلات البرد الشائعة، التي تُسبّبها عائلة الفيروسات التاجية، مرة واحدة كل سنتين أو 3 سنوات. في المقابل، يصاب الأطفال بها 5 أو 6 مرات في السنة لأنَّهم يعيدون باستمرار نقل العدوى لبعضهم البعض في المدرسة. ونتيجة لذلك، فإنَّ حوالي 60% منهم لديهم أجسام مضادة لفيروس كورونا.
وأوضح كاسيوتيس أنَّ العديد من الأنواع المختلفة للأجسام المضادة ينتجها الجهاز المناعي عندما يصاب الجسم بالمرض. تكون بعض أنواع هذه الأجسام المضادة خاصة بفيروس كورونا المستجد، في حين تستطيع أنواع أخرى التعرّف على سمات وبائية تتشاركها جميع الفيروسات التاجية.
لكن ثمة جوانب أخرى للاستجابة المناعية للجسم الخاصة بفيروس كورونا المستجد يمكن أن تُحدث تأثيراً مختلفاً تماماً.
في هذا الصدد، قال مايكل ليفين: "بعد تفشي الوباء بدأنا نرى أطفالاً مصابين بأعراض شديدة والتهاب حاد وقصور في وظائف عدد من أعضاء الجسم. شعرنا بالحيرة لأنَّ هذه الاعتلالات لم تحدث في ذروة إصابتهم بالفيروس لكن بعد عدة أسابيع. لقد رحل الفيروس لكن مستوى الأجسام المضادة كان مرتفعاً في الجسم. خشينا أنَّ تكون هذه الأجسام المضادة السبب الفعلي في حدوث هذا الضرر الصحي الشديد".
وأشار ليفين إلى أنَّ المسؤولية ربما تقع على عاتق ظاهرة تُعرف باسم "الاستعزاز المعتمد على الجسم المضاد".
كما أضاف: "هناك سلالات من الفيروسات قد لا تؤذيك بشدة في حال أصبت بسلالة واحدة منها، لكن إذا أصبت لاحقاً بسلالة ثانية مختلفة، قد تواجه ضرراً كبيراً. إذ إنَّ الأجسام المضادة التي صنعها جهازك المناعي لأول مرة لمواجهة السلالة الأولى قد تزيد من سوء المرض عندما تواجه سلالة مختلفة قليلاً من الفيروس".
تابع: "نحن بحاجة إلى فهم ما إذا كانت الأجسام المضادة التي يطوّرها الأطفال ضد نزلات البرد الشائعة الناجمة عن عائلة الفيروسات التاجية وفيروس كورونا المستجد تحمي من الإصابة الحادة بالمرض، أو ما إذا كان بعض الأطفال والبالغين ينتجون أجساماً مضادة تساهم بدلاًمن ذلك في تفاقم المرض".