منذ عقودٍ طويلة، تتناول الكثير من القصص والروايات والأفلام السينمائية عالم القراصنة وتصوّرهم كبحارة بربريين يداهمون ويصادرون وينهبون المستوطنات الساحلية والسفن من أجل الثروة والشهرة.
قد يختلف المؤرخون حول حقيقة القراصنة، وما إذا كانوا أشراراً بالفعل، أم أن الحكومة البريطانية تحديداً عملت على تشويه سمعتهم لخروجهم عن طاعتها، لكن الأكيد أن لبعضهم قصصاً إنسانية غريبة ومثيرة ومغامراتٍ تستحق أن تروى.
فيما يلي من سطور، سنتعرّف على أحد القراصنة الأسطوريين: الكابتن جاك وارد – أو يوسف ريس، الذي أبحر العالم وذهب إلى تونس ليعتنق الإسلام فيها ويخدم في البحرية العثمانية هو وأسطوله.
في حين لا يُعرف الكثير عن حياته المبكرة، فإن العديد من الأغاني والقصص الشعبية والكتيبات القديمة تقدم لمحة عن حياته وسلوكياته. ولد جاك وارد في العام 1553 ببلدة فافيرشام في جنوب شرق إنجلترا.
نشأ جاك وهو يعمل في مصايد الأسماك المحلية. في عام 1588، تسلم عملاً كقائد حربي، وقام بنهب الأسطول الإسباني بموجب ترخيص من الملكة إليزابيث الأولى بعد فشل الأسطول الإسباني في غزو إنجلترا. تم إلغاء هذه التراخيص بعد تولي جيمس الأول العرش وإنهاء الحرب مع إسبانيا.
من قائد حربي إلى قرصان متمرد
عندما صعد جيمس الأول إلى العرش بعد وفاة الملكة إليزابيث الأولى، أصبحت القرصنة غير قانونية. وبالتالي تم تقليصه إلى دور بحار عادي للخدمة على متن سفينة تسمى Lyon's Whelp، وبالطبع لم يكن وارد راضياً عن وضعه الجديد بعد حياة القرصنة المليئة بالمغامرات والإثارة. لذلك هجر وارد هو وزملاؤه السفينة وسرقوا سفينة صغيرة تزن 25 طناً من بورتسموث.
يوضح المؤرخ جريج باك كما ورد في موقع I News البريطاني، "قاد تمردًا وهروباً جماعياً من سفينته، وانتخبه المتمردون قبطاناً، وسرق سفينة من الميناء وشرع في مسيرة القرصنة".
في عام 1604، انتخبه رفاقه كابتناً وأبحروا إلى جزيرة وايت واستولوا على سفينة أخرى اسمها البنفسج، كما ورد في موقع History Extra.
اتخذ تونس مركزاً.. وسيطر على أعظم السفن
توجه جاك إلى منطقة شمال إفريقيا، حيث رتب مع السلطات المحلية لاستخدام تونس قاعدة له، "وقد تم تنفيذ العديد من أعظم مآثره في شرق البحر الأبيض المتوسط".
بنى جاك سمعة مخيفة واستولى على العديد من السفن من دول أوروبية مختلفة. في ربيع عام 1607، استولى وارد على أسطول من أربع سفن واكتشف سفينة فينيسية كبيرة تدعى Reniera e Soderina وبعد معركة حريق استمرت ثلاث ساعات، تم تسليم السفينة إلى وارد ورجاله بحمولة مزعومة تبلغ مليوني جنيه إسترليني.
وبعد الحادث، انتشرت شائعات في العاصمة لندن بأن سلطات البندقية كانت على وشك إعلان الحرب على إنكلترا، إذا لم يتم إيقاف وارد.
آخر رحلة قرصنة تنتهي بكارثة!
بعد تجديد السفينة الفينيسية في تونس، استأجر وارد طاقماً ورافقها في رحلتها الأولى كسفينة قرصنة. لكن رحلتها الأولى كانت الأخيرة أيضاً. أدت التعديلات الهيكلية التي أجراها جاك على سطح المدفع إلى إضعاف السفينة لدرجة أنها تحطمت في عاصفة وغرقت مع فقدان 350 رجلاً. عاد وارد إلى تونس على متن إحدى السفن الصغيرة في أسطوله.
أضرت الكارثة بسمعة البحّار الإنجليزي بشكل لا يمكن إصلاحه وأصبح محط كراهية للكثيرين في تونس العاصمة، وخاصة أولئك الذين فقدوا أحباءهم في الكارثة، فوجد نفسه في ضائقة يائسة وأصبح يعتمد بشكل متزايد على حماية عثمان داي، الحاكم العثماني للجزائر.
طلب العفو من الملك.. لجأ إلى تونس واعتنق الإسلام
بعد التهديدات التي وجهتها البندقية لإنجلترا، طلب جاك وارد أن يحصل على عفو من ملك إنكلترا جيمس الأول ولكن تم رفض هذا الأمر واضطر إلى اللجوء إلى تونس حيث قدم عثمان داي – أعلى لقب لحاكم الإمبراطورية العثمانية في منطقة شمال إفريقيا – ملاذاً آمناً له.
في العام 1610، اتخذ هو وطاقمه قراراً بالغ الأهمية بأن يتحولوا إلى مواطنين عثمانيين ويعتنقوا الإسلام، ويستقروا في تونس بشكل دائم، وبدأ يعرف باسم "يوسف ريس".
يُقال إن "يوسف ريس" ساهم في إجلاء المسلمين واليهود من الأندلس (إسبانيا) بعد سقوط الدولة الإسلامية هناك، ولجوء الإسبان إلى محاكم التفتيش. علاوة على ذلك عن المستكشف والكاتب الشهير، جون سميث، أن الكابتن وارد كان غاضباً من المسيحيين بسبب القتال المستمر بين البروتستانت والكاثوليك.
في عام 1612، كتب المسرحي الإنجليزي روبرت دابورن مسرحية بعنوان
"Christian Turn'd Turk" عن اعتناقه الإسلام، كما ورد في موقع Daily Sabah.
افتتن وارد بالطيور الصغيرة في تونس، لدرجة أن السكان المحليين كانوا يطلقون عليه اسم الكابتن يوسف عصفور أو جاك بيردي لهذا السبب.
سنواته الأخيرة
زُعم أن بحاراً إنجليزياً رأى وارد في تونس العاصمة عام 1608 ووصفه بأنه "قصير جداً مع القليل من الشعر، أبيض البشرة وأصلع من الأمام وله لحية داكنة. وأضاف أنه لا يتحدث إلا قليلاً ويشتم دائماً.
واصل وارد مداهمة السفن في البحر الأبيض المتوسط، وقاد في النهاية أسطولاً كاملاً من القراصنة الذين كانت بارجتهم ستين مدفعياً من البندقية. بعد عام 1612، أنهى مسيرته في القرصنة واختار تعليم القراصنة الصغار سلاح المدفعية والملاحة. تقاعد في تونس ليعيش حياة مليئة بالراحة والرفاهية حتى وفاته عام 1622 عن عمر يناهز 70 عامًا بسبب الطاعون.
ميراث جاك وارد في الأعمال الأدبية
من عام 1609 حتى عام 1615، تمت كتابة عشرات المسرحيات والقصص الشعبية والمذكرات والنشرات والكتب التي تناولت حياة وارد في إنكلترا. ومن أبرزها: A Christian Turn'd Turk للكاتب Robert Daborne.
وقد قيل إن لقبه كان "شاركي" وإنه كان أصل هذا اللقب الذي يُعطى الآن لأي شخص في البحرية الملكية يحمل لقب "وارد".
كما أن العديد من المسلسلات التلفزيونية والأفلام مبنية على قصة جاك وارد.
بالنسبة لمعاصريه، كان وارد شخصية غامضة، في بعض النواحي مثل روبن هود، ولكن في القرنين السادس عشر والسابع عشر، عمل العديد من القراصنة الإنكليز من مصب نهر سيبو وافترسوا السفن البحرية المتوسطية. ولكن بعض الأقاويل تشير إلى أن جاك وارد كان يُطلق السفن الإنكليزية ويتركها.
من المحتمل جداً أن تكون أغنية "Captain Ward and the Rainbow" مستوحاة من حياة جاك وارد.
في عام 2010، روجت العديد من الصحف والمواقع التركية لفرضية تم طرحها في مجلة Derin Tarih الشهرية بأن جون وارد يمكن أن يكون مصدر إلهام لشخصية جاك سبارو من سلسلة أفلام قراصنة البحر الكاريبي.