من المحتمل أنك سألت نفسك هذا السؤال عشرات المرات في حياتك: "لماذا أنا هنا؟ لماذا دخلت هذه الغرفة، ما الذي أبحث عنه؟". تدرك أنك بحاجة إلى شيء من غرفة أخرى، ثم تصل إلى تلك الغرفة وليس لديك أي فكرة عن سبب وجودك هناك أو الشيء الذي ذهبت لإحضاره ثم تبحث بيأس عن شيء يلهم ذاكرتك ليذكرك بالسبب.
تدعى هذه الظاهرة الشائعة بـ"تأثير المدخل" – "Doorway effect"، كما كتب العالم المعرفي توم ستافورد لموقع BBC. فما هي هذه الظاهرة؟ وكيف تحصل؟ وما الذي يسببها؟ وهل هي دليل على التقدم بالعمر أم على فقدان الذاكرة، أم على شيء آخر تماماً؟
إنها الأبواب تسبِّب النسيان
على الرغم من أنّ هذه الظاهرة التي تتمثل بالنسيان قد تكون محرجة أحياناً، فإنها شائعة جداً. قد تقلق وتظن أن السبب هو تقدمك في العمر على الرغم من أنك قد تكون مازلت شاباً وقد يراودك الظن أن هذا علامة مبكرة على مرض الزهايمر، أو أن السبب هو إهمالك وعدم اهتمامك.
الخبر السار هنا هو أنك طبيعي، لكنّ الأبواب تجعل دماغك ينسى! هذا النوع من النسيان ليس كسلاً أو لا مبالاة، وهو أكثر شيوعاً مما تعتقد على الأرجح.
تكشف هذه الظاهرة عن بعض السمات المهمة لكيفية تنظيم عقولنا وكيف تعمل ذاكرتنا قصيرة الأمد بشكل متقطِّع. فتظهر الدراسات أنه عندما ننتقل من غرفةٍ إلى أخرى وننسى على الفور هدفنا، فهناك تفسيرٌ علميٌّ لذلك: يبدو أن المرور عبر الباب يشكِّلُ حاجزاً عقلياً في الذاكرة. السبب هو أن أدمغتنا تسجِّل الذكريات في مقاطع أو حلقات بدلاً من كونها حدثاً مستمراً.
ولتوضيح الأمر يصف موقع Science of Us الظاهرة كالتالي: "ما يحدث في المطبخ، يبقى في المطبخ". في إشارة إلى كيفية دخولنا بسهولة إلى المطبخ عازمين على غسل الأطباق أو تنظيف الفرن، ثم ننسى لماذا دخلنا في البداية لعدم حبنا لمهام تنظيف المنزل، ثم نغادر المطبخ مع كوب ماء تاركين وراءنا الأطباق المتسخة.
ما هي أسباب هذه الظاهرة الغريبة؟
هناك الكثير من الأبحاث الشيقة حول هذا الموضوع، وهي تركز بشكلٍ أساسيّ على مكوِّنٍ واحد من أدمغتنا: الذاكرة.
فعلى سبيل المثال، أظهرت دراسة أجريت عام 2014 عن الذاكرة أنه عندما دخل المشاركون من الباب، فقد واجهوا انقساماً في ذاكرتهم وكان من الصعب عليهم تذكُّر سبب مجيئهم. هذا صحيح: العبور من أحد جانبَي الباب إلى الجانب الآخر – من غرفة المعيشة إلى المطبخ لتنظيف الفرن – يخلق عائقاً ذهنياً في عقلك يمنعك من التذكُّر.
كيف تتعامل ذاكرتنا مع تغيير الموقع؟
ذاكرتنا لا تعمل كرواياتٍ خَطِّيّة مستقيمة وواضحة، لكنها عبارة عن حلقاتٍ مقسَّمةٍ إلى أجزاء كما في المسلسلات، لذا فإنَّه من المنطقي من وجهة نظر علم النفس ألا نتذكر هدفنا من دخول مكانٍ جديد. يرسل دماغنا إشاراتٍ إلى ذاكرتنا بأنَّنا ندخل حيزاً جديداً، ويتكيف دماغنا وفقاً لذلك ويغير الإحداثيات.
يشرح بروفيسور علم النفس، إيرا هايمان، في موقع Psychology Today أنّ دماغنا يميل إلى بناء نماذج ظرفيَّة مرتبطة بمحيطنا وعندما ندخل بيئة جديدة (بعد عبور الباب)، يمحو دماغنا النموذج القديم لإفساح المجال لواحدٍ جديد.
لذلك قد تكون في غرفة معيشتك وتفكر في تنظيف مطبخك، ولكن عندما تصل للمطبخ تنسى تماماً أمر التنظيف وتبدأ بتناول وجبة خفيفة ثم تعود إلى غرفة المعيشة لمشاهدة حلقة أخرى من مسلسلك المفضل.
أما من وجهة نظر علماء الأعصاب ووظائف المخ فهذه التجربة تدعى "تأثير تحديث الموقع".
ينظر الباحثون في تأثير العبور من غرفةٍ إلى أخرى وكم من الوقت يستغرقنا لتذكُّر المهام أو العناصر إذا عبرنا إلى غرفةٍ أخرى، مقابل ما إذا لم نُجرِ نفس الانتقال. ومن المثير للاهتمام أن بعض الدراسات تُظهر أن هذا يحدث حتى عندما ننتقل إلى غرف جديدة حتى على المستوى الافتراضي، كما هو الحال في ألعاب الفيديو.
ما الذي يمكنك فعله حيال هذا؟
لا تضغط على نفسك إن كنت تعيش هذه الظاهرة، لأنه يبدو أنها تحدث للجميع تقريباً. هناك الكثير من النصائح لتحسين ذاكرتك والبقاء منظَّماً، لكن في النهاية لا تستطيع لوم دماغك، لأنه يتعامل مع الذكريات بشكلٍ أفقيّ.
قد تكون هذه نعمة النسيان التي ستخفف من شعورك من التوتر عندما يكون مطبخك في أسوأ حالاته، وكل ما تحتاجه منه هو فنجان شاي ساخن!