يخشى حقوقيون ومحللون قانونيون أمريكيون أن تتحول "السلطات السرية" التي يملكها الرئيس الأمريكي خلال إعلانه حالة الطوارئ الصحية، إلى ديكتاتورية استبدادية، تحل محل التدابير الدستورية التي تفرضها الديمقراطية في البلاد، وهو الأمر الذي وصفوه بالسيناريو الأسوأ الذي يمكن أن يقع قبل الانتخابات القادمة في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
وفق تقرير لصحيفة "تاقت" البريطانية، الأربعاء 23 سبتمبر/أيلول 2020، فإنه في اللحظة التي يعلن فيها رئيس الولايات المتحدة الأمريكية حالة الطوارئ الوطنية، تصبح السلطات المحجوبة عن العامة متاحة أمامهم، سلسلة من الإجراءات الاستبدادية بعيدة المدى التي يخشى المحللون القانونيون من أنَّها قد تُبرِّر الاعتقالات الجماعية أو تسيير القوات الفيدرالية لدوريات في الشوارع الأمريكية.
"الصلاحيات السرية": من المستبعد إمكانية استخدام رئيس في منصبه لتهديدات بالغة كتلك في مواجهة تدابير الحماية المدنية دون الدخول في معارك سياسية مطولة، إذ قدَّم الباحثون القانونيون والدستوريون توقعات أسوأ السيناريوهات قبيل انتخابات 2020 الحاسمة، في ظل تمهيد دونالد ترامب وحلفائه الأرض أمام تقويض الثقة بالتصويت وتضخيم المعلومات المضللة التي تستهدف الأمريكيين الآخرين.
في 12 مارس/آذار الماضي، وسط تكهنات بشأن إقدام الرئيس على تفعيل "قانون ستافورد" من أجل التوجيه باستجابة طارئة لجائحة فيروس كورونا، قال ترامب للصحفيين: "لديّ الحق في عمل الكثير من الأمور التي لا يعرف الشعب عنها شيئاً حتى".
إنَّه مُحق، وقد سعى مركز برينان للعدالة، التابع لكلية الحقوق بجامعة نيويورك، لكشف سلسلة غامضة من "وثائق إجراءات الطوارئ الرئاسية" التي ما تزال بعيدة عن أعين العامة إلى حدٍ كبير.
تهدف تلك الوثائق إلى "تطبيق سلطة رئاسية استثنائية استجابةً لمواقف استثنائية".
وجد مركز برينان أنَّه في حين تبقى تلك الصلاحيات نفسها سرية، تكشف وثائق غير مُصنَّفة باعتبارها سرية، أنَّه تمت صياغة نحو 60 من تلك الصلاحيات.
"أفعل ما أريد": قال الرئيس في 14 أبريل/نيسان الماضي: "حين يكون أحدهم رئيساً للولايات المتحدة، تكون السلطة كاملة… إنَّها كاملة… سلطة رئيس الولايات المتحدة كاملة فيما يتعلَّق بالموضوع الذي نتحدث عنه".
في 23 يونيو/حزيران 2019، أعلن الرئيس أنَّ الدستور يمنحه "الحق لفعل أيّ شيء أريد بصفتي رئيساً".
في الجهة المقابلة، يخشى المحللون القانونيون من أنَّ تلك الوثائق قد تسمح بالرقابة على المنافذ الإخبارية، واحتجاز "الأعداء الأجانب" في الولايات المتحدة، وإعلان الأحكام العرفية، والتفتيش دون إذن قضائي، وتعليق أوامر المثول أمام المحاكم، إلى جانب إجراءات اخرى.
في هذا السياق، يصف غاري هارت، وهو مرشح ديمقراطي سابق وسيناتور عن ولاية كولورادو، تلك الصلاحيات التنفيذية بأنَّها "صلاحيات ديكتاتورية تقريباً دون ضوابط أو توازنات من القضاء أو الكونغرس".
فيما كتب هارت في مقال رأي بصحيفة The New York Times الأمريكية، في يوليو/تموز الماضي: "بغض النظر عمَّن يشغل المنصب، للشعب الأمريكي حق في معرفة الصلاحيات الاستثنائية التي يعتقد الرئيس أنَّه يتمتع بها. حان الوقت من أجل لجنة جديدة مختارة لدراسة تلك الصلاحيات وإمكانية إساءة استغلالها، وتقديم المشورة للكونغرس بشأن السبل التي يمكنه بها فرض رقابة صارمة عليها على أقل تقدير".
صلاحيات أوسع: سَعَت مجموعاتٌ مناصرة والعديد من المشرِّعين، لإيجاد رقابة من الكونغرس من أجل إعلان تلك الصلاحيات.
وحدَّد مركز برينان كذلك 136 صلاحية تشمل "الجيش، واستغلال الأراضي، والصحة العامة، والتجارة، وجداول الأجور الفيدرالية، والزراعة، والنقل، والاتصالات، والقانون الجنائي" متاحة أمام السلطة التنفيذية بموجب إعلانات الطوارئ.
تتضمَّن قوانين إعلان الطوارئ "قانون ستافورد"، و"قانون الطوارئ الوطنية"، و"قانون خدمات الصحة العامة"، والتي فُعِّلَت مؤخراً في عام 2017 لمكافحة أزمة المواد الأفيونية وفي تفشي فيروس إنفلونزا الخنازير H1N1 في عام 2009.
ثُمَّ يتوفر للرئيس بعد ذلك عشرات من الأحكام القانونية عند إعلان حالة الطوارئ. ومن بين تلك الأحكام، تتطلَّب 96 مجرد توقيع من الرئيس. ويتطلَّب 13 منها فقط تدخُّلاً من الكونغرس.
وبموجب إعلان الطوارئ، يمكن للرئيس تعليق الأحكام التي تحظر اختبار الأسلحة الكيماوية والبيولوجية على البشر، أو إغلاق المحطات الإذاعية، كجزء من "قانون الاتصالات". ويسمح "قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية" للحكومة بتجميد أو حظر الأصول التي تنطوي على مواطن أجنبي، حتى لو كانت تلك الأصول تعود لأمريكيين أو بين أمريكيين فقط.
لم تُمَسَّ معظم الصلاحيات، وقد أصبح الكثير منها قديماً لكنَّها ما تزال موجودة، مثل إعفاء قدامى المحاربين في الحرب العالمية الثانية من التجنيد العسكري.
لكنَّ العديد من القوانين استُخدِمَت بصورة متكررة، وجرى استخدام 6 قوانين أكثر من 10 مرات.
سوابق رئاسية: استُخدِم "قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية" في كل سنة تقريباً منذ تمريره عام 1977 بموجب "قانون الطوارئ الوطنية".
كما جرى إصدار إعلان طوارئ يُجمِّد ممتلكات الحكومة الإيرانية عام 1979 في خضم أزمة الرهائن. وما يزال مستمراً.
قال مركز برينان: "هذا المستوى من الاعتماد على سلطة الطوارئ يثير قلقاً مختلفاً، وهو أنَّ الإجراءات التي تُتَّخَذ ليست إجراءات طارئة على الإطلاق، بل تطبيق للسياسة العادية التي يجب أن تكون ملزمة بالقوانين غير الطارئة".
وقد استمر أكثر من نصف حالات الطوارئ البالغ عددها 62 والتي أُعلِنَت منذ أن وُجِد قانون الطوارئ الوطنية لفترة طويلة تتجاوز كونها إجراء مؤقتاً، وهي التي صُمِّمَت ظاهرياً من أجل الاستخدام قصير الأجل.
ووجد مركز برينان أنَّ متوسط فترة حالات الطوارئ المُعلَنة يبلغ نحو 10 سنوات، في حين ظلَّت 25 حالة طوارئ قائمة لعشر سنوات أو أكثر، 13 منها أُعلِنَت بين عامي 2001 و2008.
قضى الرئيس شهوراً في تقويض شرعية جهود التصويت عبر البريد، والتهديد باستخدام القوات الفيدرالية ضد الأمريكيين المحتجين على وحشية الشرطة دون أن يُضطَر إلى تفعيل أي سلطات "طوارئ"، كل ذلك في الأسابيع السابقة على ما يعتقد المحللون أنَّها انتخابات جدلية، في الوقت الذي يُشجِّع حلفاء الرئيس إياه على استخدام صلاحياته الاستبدادية لضمان بقائه في منصبه.
وقالت إليزابيث غويتين، التي تدير برنامج الحرية والأمن القومي بمركز برينان، لصحيفة The Independent البريطانية، إنَّه في حين لا توجد سلطات طوارئ قانونية تسمح للرئيس بالتدخل مباشرةً في الانتخابات، فإنَّ ادعاءات الرئيس التي لا أساس لها بخصوص التزوير الواسع قد تُستخدَم "ذريعة" لنشر القوات الفيدرالية من أجل تطبيق قوانين الانتخابات.
وأضافت: "على المستوى الفيدرالي، يتمثل مبعث قلقي الرئيسي بخصوص سلطات الطوارئ في السلطات المرتبطة بنشر الجيش. هذه عملياً ليست سلطات طوارئ؛ فالرئيس لا يتعين عليه إعلان حالة طوارئ لاستخدامها، لكنَّها تمثل بوضوحٍ ما أعتبره سلطات (شبه) طارئة".