قدمت اتفاقية التطبيع بين الإمارات وإسرائيل "دفعة جديدة" لمقترح الرئيس الأمريكي المسمى بـ"صفقة القرن"، التي أطلقها كوسيلة لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إذ تدعو هذه الاتفاقية التي وقعتها أبوظبي وتل أبيب، الثلاثاء 15 سبتمبر/أيلول 2020، إلى حل "شامل" و"واقعي" للصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وهي العبارة نفسها التي يستعملها ترامب في صفقته المزعومة، كما أنها لا تشير إلى قضية القدس الشريف.
مضامين الاتفاق: التقرير الذي نشرته صحيفة Middle East Eye البريطانية، الأربعاء 16 سبتمبر/أيلول 2020، أشار إلى أنه على الرغم من غياب الفلسطينيين بدرجة كبيرة عن صفقة التطبيع برمتها، فإن الاتفاق يذكر العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية في ديباجته، وإن كان في سياق مخطط ترامب لإنهاء الصراع، والذي سبق أن أعلنت السلطة الفلسطينية رفضها له بقوة.
فيما لم تتم الإشارة إلى قضية القدس، سوى في كلمة ترامب التي سبقت توقيع الاتفاق، والتي زعم فيها أن "الاعتداء على القدس من طرف إسرائيل مجرد أكاذيب يتم الترويج لها".
ينص الاتفاق، الذي وقعه الطرفان في احتفال عُقد بالبيت الأبيض، الثلاثاء 15 سبتمبر/أيلول 2020، على تبادل البلدين للسفارات، وضمان تسيير رحلات جوية مباشرة منتظمة بين مطاراتهما، إضافة إلى الشروع في تعاون اقتصادي وتكنولوجي بينهما باسم الاستقرار والازدهار الإقليمي.
كما اتفقت حكومتا الإمارات وإسرائيل على التطبيع "تلبيةً لما جاء من دعوات في حفل الاستقبال الذي أقيم بالبيت الأبيض، في 28 يناير/كانون الثاني 2020، وعرض فيه الرئيس الأمريكي ترامب رؤيته للسلام، والالتزام بمواصلة الجهود لتحقيق حلٍّ عادل وشامل وواقعي ودائم للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني"، بحسب ما ينص الاتفاق.
صفقة القرن: كشف عنها ترامب بالبيت الأبيض، في 28 يناير/كانون الثاني 2020، وهي خطة الإدارة الأمريكية التي طال توقعها، ووصفها النقاد بأنها "ولدت ميتة" فور وصولها، إذ رفض الفلسطينيون التعامل معها من الأصل.
بحسب المخطط، الذي توسط فيه مستشار البيت الأبيض وصهر ترامب جاريد كوشنر، يُسمح لإسرائيل بالاحتفاظ بجميع مستوطنات الضفة الغربية وضم غور الأردن، مقابل إقامة دولة فلسطينية مفككة دون سيطرة للفلسطينيين على حدودها أو مجالها الجوي.
في هذا السياق، يصف خليل جهشان، المدير التنفيذي للمركز العربي في واشنطن، الاتفاق، بالقول: "أعتقد أنه هراء"، إذ يعتقد المتحدث نفسه بأن الأمر يتعلق بمحاولة من جانب مستشاري العلاقات العامة الإماراتيين "للعب على غرور ترامب، وهذا ما يدور حوله هذا الاتفاق برمته".
كما يستنتج أيضاً بأنه "لا علاقة له بإحلال السلام في الشرق الأوسط، ولا بحل مشكلة فلسطين. إنه في جوهره مجرد تعبيرٍ عن دعم ترامب".
لا إشارة إلى القدس:على خلاف ما جاء في الإعلان الأول للاتفاق، في أغسطس/آب، فإن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي الذي وُقع بالأمس لا يشير إلى وضع الأماكن المقدسة في القدس.
وكان بيان أغسطس/آب، قد جاء فيه: "على النحو المنصوص عليه في الرؤية من أجل السلام، فكل المسلمين الذين يأتون بسلام يمكنهم الصلاة في المسجد الأقصى، ويجب أن تظل الأماكن المقدسة الأخرى في القدس مفتوحةً للمصلين السلميين من جميع الأديان".
غير أن الفقرة أثارت مخاوف من أن يكون الاتفاق يهدف إلى تحدي الوضع الراهن للأماكن المقدسة الإسلامية في القدس، والخاضعة للوصاية الأردنية، وتديرها وزارة الأوقاف الإسلامية.
على الجانب الآخر، قال ترامب إن الاتفاق الإسرائيلي مع الإمارات والبحرين يضع حداً لـ"الكذبة" التي تتردد بأن الأقصى يتعرض للهجوم. إذ وفقاً له، فإن الاتفاق، الذي أطلقت عليه الإدارة الأمريكية اسم "اتفاق أبراهام"، يؤكد الروابط الدينية والتاريخية المتوارثة بين العرب واليهود.
طموح أبوظبي: كان مسؤولون إماراتيون أعربوا عن أملهم في أن يؤدي إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات مع إسرائيل إلى السماح لهم بشراء طائرات مقاتلة من طراز "إف 35" F-35 من الولايات المتحدة، على الرغم من السياسة الأمريكية المتمثلة في الحفاظ على تفوق عسكري نوعي لإسرائيل على دول المنطقة.
في المقابل، تشير تقارير لوسائل إعلام أمريكية وإسرائيلية إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، كان قد أعطى في البداية موافقته على بيع المقاتلات للإمارات، إلا أنه عكس موقفه بعد رد الفعل العنيف الذي ووجه به من جانب المعارضين السياسيين في الداخل.
أما ترامب، فقد أشار خلال الحديث الذي أدلى به إلى قناة Fox News، يوم الثلاثاء 15 سبتمبر/أيلول، إلى تأييده لبيع مقاتلات من طراز "إف 35" إلى الإمارات، مشيداً بولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي محمد بن زايد، قائلاً: "أعرف قائدهم جيداً، محمد (بن زايد)، ولن أواجه أي مشكلة في بيعهم طائرات إف 35".
من جانبه يقول جهشان، من المركز العربي في واشنطن، إنه في حين أن الاتفاق يمثل دعماً لنتنياهو وترامب، اللذين يواجهان مشكلات في الداخل، فإنه يغذي أيضاً رغبة الإمارات في التصرف كقوة عظمى في المنطقة، عن طريق التقرب إلى البيت الأبيض "وذلك على الرغم من الإخفاقات التي مُنيت بها في اليمن وليبيا وأماكن أخرى".
وفي هذا السياق، يشير جهشان إلى أن محمد بن زايد يعتمد في تلقي النصائح على بعض من أغلى المستشارين في العالم، من جماعات ضغط وشركات علاقات عامة تعمل معه في واشنطن.