يشتكي سكان الولايات المتحدة مثلنا من حرارة الصيف، لكن ليس بسبب الرطوبة العالية وأشعة الشمس الحارقة، بل بسبب موسم الحرائق الذي يشهدونه كل عام، فحالياً، تشهد ولاية كاليفورنيا حرائق ضخمة بدأت مع بداية أشهر الصيف، ومستمرة إلى الآن.
ففي ولاية كاليفورنيا وحدها، أحرقت النيران نحو 3 ونصف مليون فدان بسبب نحو 7.700 حريق اشتعلوا خلال أشهر الصيف الخمسة (مايو/أيار وحتى سبتمبر/أيلول)، أي 3% من مساحة الولاية (تبلغ 100 فدان). وبذلك أصبح عام 2020 هو أكبر عام لحرائق الغابات في كاليفورنيا وفقاً لإدارة الغابات والحماية من الحرائق بكاليفورنيا.
ولعلك تذكر أيضاً حرائق غابات الأمازون التي استمرت لنحو 10 أشهر في عام 2019 (من يناير/كانون الثاني وحتى أكتوبر/تشرين الثاني) التي دمرت 2 مليون و240 ألف فدان، وقدر علماء البيئة من جامعة سيدني أن 480 مليون من الثدييات والطيور والزواحف قد فُقدت منذ سبتمبر/أيلول مع مخاوف من أن أنواعاً كاملة من النباتات والحيوانات قد تم القضاء عليها بسبب حرائق الغابات، ثم تم توسع الأرقام لاحقاً ليشمل أكثر من مليار، وفق ما نقلته صحيفة Science.
هذه الحرائق الموسمية التي تنتشر خصوصاً في أمريكا وأستراليا، قد تدفعنا للتساؤل، لماذا وطوال هذه السنوات ومع كل هذا التطور فإن الحرائق مستمرة كل عام، ولماذا يصعب منعها أو السيطرة عليها وإخمادها فور اشتعالها؟ ولماذا توجد هذه الظاهرة "الطبيعية" في عدد قليل من البلدان؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه في هذا التقرير.
ما هو موسم الحرائق؟
موسم الحرائق يحدث بشكل سنوي تقريباً في أشهر الصيف، ويبلغ ذروته بين شهري يوليو/تموز ونوفمبر/تشرين الثاني، بسبب الجو الجاف والرياح الحارة الشديدة. وفي الغالب، ورغم جهود السلطات المحلية في إخماد الحرائق، إلا أنها لا تنتهي وتتوقف نهائياً عن الاشتعال من جديد إلا مع هبوب أول عاصفة ممطرة كبيرة في الشتاء، والتي تحل تقريباً مع مطلع أكتوبر/تشرين الأول.
النيران تشتعل لأسباب مختلفة، فقد تنطلق شرارتها بسبب البرق، أو بسبب أعمال بشرية، ومع الجو الجاف والحار يصبح من الصعب السيطرة عليها واحتواؤها سريعاً، خصوصاً في الأماكن التي تكون فيها درجات الحرارة المرتفعة مصحوبةً برياحٍ سريعة.
في الأغلب تنشب هذه الحرائق وتمتد بشكلٍ سريع في مناطق الغابات، حيث تشكل الأعشاب اليابسة والأوراق الجافة وقوداً ممتازاً لاندلاع الحرائق واستمرارها لعدة ساعات وأيام وربما أسابيع وشهور، إذ تجد النيران ما تلتهمه لتكبر وتستمر، فيما تساعد الرياح على توفير الأوكسجين اللازم لإضرام الحريق.
قد تقول إن حرارة الرياض ودبي أيضاً مرتفعة لكن لا تحدث حرائق مشابهة، نعم، فنحن جميعاً نعرف مما درسناه في حصص الكيمياء، أن الحريق يحتاج إلى ثلاثة عناصر طبيعية تسمى "مثلث النار"، وهي: الحرارة، والأوكسجين، والوقود.
وفي فصل الصيف في الغابات نجد أن العناصر الثلاثة موجودة، ما ينقص فقط هو الشرارة، وغالباً ما تكون الصواعق مصدر هذه الشرارة، وأحياناً تكون الانفجاراتُ البركانية أو الشرار الناتج عن سقوط الصخور واحتكاكها ببعضها سبباً في إحداث الحرائق، وأحياناً تكون البداية بسبب حوادث بشرية.
الحرائق جزء من النظام البيئي لكن البشر سبب في زيادتها
تُعد الحرائق البرية جزءاً طبيعياً من النظام البيئي في كثير من الغابات، حتى إن الكثير من النباتات والكائنات الأخرى تعتمد على الحرائق المنتظمة للإنبات، وتدوير المغذيات، والتخلص من العفن. لكن المناخ يزداد حرارةً بسبب نشاطاتٍ إنسانية. وتلك الحرارة الزائدة ترفع من احتمالات اندلاع الحرائق.
إذ جاء في تقرير حالة المناخ الصادر عن مكتب الأرصاد الجوية الأسترالي عام 2018: "ارتفع مناخ أستراليا درجةً مئويةً واحدةً منذ عام 1910، مؤدياً لارتفاعٍ في معدلات تردد الحرائق"، وقد أدى ذلك إلى المزيد من الأمطار على شمال أستراليا، والقليل منها على جنوب شرقها، حيث يعيش أغلب الأستراليين، وحيث اندلعت بعض أشد الحرائق.
موسم الحرائق يزداد سوءاً، لكن لماذا؟
حلل علماء البيئة في مرصد الأرض التابع لوكالة ناسا (NASA Earth Observatory) الحرائق الموسمية هذه بين عامي 1979 و2014، ووجدوا أن العناصر الأربعة الأساسية لاستمرار الغابات هي: درجات الحرارة القصوى، وانعدام الرطوبة، وعدد الأيام الخالية من المطر، وأقصى سرعات للرياح، ومع اجتماع العناصر الأربعة تشتعل الحرائق ويصبح من الصعب السيطرة عليها وإخمادها.
وجد الباحثون في بحثهم الذي نشروه بالعام 2015، أن مواسم الطقس الحارقة قد امتدت عبر ربع سطح الأرض المغطاة بالنباتات، وخصوصاً غرب الولايات المتحدة والمكسيك والبرازيل وشرق إفريقيا، وأن موسم حرائق الغابات التي تزيد عن شهر بات أكبر مما كانت عليه الحرائق قبل 35 عاماً، إذ شهدت 54% من الأسطح النباتية في العالم مواسم طقس حرائق طويلة بشكل متكرر بين عامي 1996 و2013 مقارنةً بـ 1979-1996.
أي أن موسم الحرائق بات أسوأ حالياً مما كانت عليه مواسم السنوات السابقة، وقد ربط العلماء ذلك بسبب التغير المناخي، وذوبان الجليد، وزيادة الاحتباس الحراري، حيث زاد الجفاف الشديد وقلة الرطوبة التي تبخرها الحرارة من سوء الحرائق التي تشتعل، وهو ما يصعب معه التعامل معها والسيطرة عليها.