تطور لافت في الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي يتعلق بفلسطينيي48 المقيمين داخل إسرائيل، وعددهم 1.6 مليون نسمة، تمثل بتوجه إسرائيلي لفتح أبواب دولة الإمارات العربية المتحدة أمامهم للسفر بغرض العمل والتجارة، بهدف إراحة إسرائيل مما تصفه بالأعباء الأمنية والسياسية والديموغرافية التي يمثلونها.
في التقرير نناقش إمكانية توافد الفلسطينيين في إسرائيل إلى الإمارات ومدى قبولهم لهذه الفكرة، وهل يتم تفريغ إسرائيل من الفلسطينيين تدريجياً، ومساعدة الإمارات لإسرائيل في هذا الهدف الخطير، وما أهم المشاكل الأمنية والسياسية والديموغرافية التي تتهمهم إسرائيل بها.
سريعاً بدأت تتوارد تبعات الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي بعد إعلان التطبيع، إذ كشف مسؤول كبير في وزارة الخارجية الإماراتية، أن "بلاده تعكف على فتح قنصليات داخل المدن العربية الفلسطينية في إسرائيل، لعرض أنشطتها الثقافية واللغوية، لأن الإمارات ترى أهمية أن تكون بمتناول العرب في إسرائيل، وتريد أن يكون تمثيلها الرسمي متاحاً أمامهم".
طالب مردخاي نيسان، المحاضر الإسرائيلي بالجامعة العبرية، ومؤلف كتاب "إسرائيل في الشرق"، بأن "تستغل إسرائيل اتفاقها مع الإمارات لتشجيع هجرة الفلسطينيين المقيمين داخلها إلى هناك، لأن عددهم فيها يبلغ مئات الآلاف، ويمكن وضع خطة بين البلدين لتشجيع هجرة الفلسطينيين إليها، مما يخفف العبء السياسي والأمني على إسرائيل منهم، بحيث يحلوا محل العمال الأجانب، لأنَّ فتح الحدود وتنقُّل الأشخاص والبضائع وصفة للتطبيع، المنصوص عليه في اتفاق إسرائيل والإمارات".
يمثل الكاتب الإسرائيلي مردخاي نيسان، صاحب هذه الدعوة، النخبة اليمينية في الوسط الأكاديمي الإسرائيلي، ولديه جمهور واسع من اليمين الإسرائيلي، بعضهم وزراء ونافذون في دوائر صنع القرار، وبات موضوع التخلص من فلسطينيي48 شغله الشاغل منذ سنوات طويلة.
صالح لطفي، الباحث الفلسطيني بمركز الدراسات المعاصرة في مدينة أم الفحم بالداخل المحتل، يقول لـ"عربي بوست"، إنها "ليست المرة الأولى التي تفكر فيها إسرائيل بتهجيرنا، وقد لجأت في سنوات وعقود سابقة لتهجيرنا لأمريكا اللاتينية وما سواها، عبر العديد من المخططات والإجراءات والإغراءات، وكلها مُنيت بفشل ذريع، رغم أن الحديث هذه المرة عن الإمارات يأخذ بُعداً جديداً".
وأضاف: "هذا المخطط الإسرائيلي تجاه عرب48 ينطلق من ثلاث دوائر، أولاها وجود علاقات لرؤوس الأموال ورجال الأعمال من فلسطينيي الداخل مع نظرائهم الإماراتيين، أو الفلسطينيين المقيمين هناك، حيث يوجد تعاون اقتصادي ومالي بينهما منذ سنوات، تحضيراً لإعلان هذا التوجه الإسرائيلي مع الامارات، وثانيتها النقاش الدائر عبر شبكات التواصل بين الجانبين، ورؤيتهما لحالة التماهي في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في إسرائيل والإمارات".
أما "الدائرة الثالثة فتتمثل بوجود نخبة من المثقفين لدينا، ينساقون خلف التطبيع تحت الإغراء المالي الإماراتي، ومعهم قوى سياسية داخل إسرائيل تتحصل على أموال إماراتية علانية، وبعضها موجود في الكنيست، وهم رأس حربة المشروع الإماراتي الإسرائيلي ضد فلسطينيي الداخل".
مشكلات أمنية لـفلسطينيي48
لا يتوانى الإسرائيليون في الحديث عما يعتبرونها مشاكل أمنية وسياسية وديموغرافية تتعلق بفلسطينيي48، أولاها استمرار الروح القومية والوطنية لديهم، وفشل كل محاولات الأسرلة والتهويد خلال سبعة عقود، بل انخراط بعضهم في عمليات المقاومة.
الخطر الثاني ديموغرافياً، إذ يشكل الفلسطينيون 20% من سكان إسرائيل بواقع 1.6 مليون، يتركز غالبيتهم في الجليل والمثلث والنقب، فيما يتركز اليهود بالساحل فقط، في دائرة جغرافية لا تتجاوز 90 كم2، مما يحفز إسرائيل على تفريغ المناطق العربية، وإحلال اليهود محلهم.
في حين يأتي التهديد الاقتصادي ثالثاً، فقد تزايدت المخاوف الإسرائيلية في السنوات الأخيرة مما يعتبرونه "غزواً" فلسطينياً عربياً لسوق العمل الإسرائيلي، لأن هناك جملة مهنٍ وتخصصات بات الفلسطينيون يسيطرون عليها في إسرائيل أكثر من اليهود.
الفلسطينيون يسيطرون على الوظائف..
فمهنة الطبابة والتمريض يعتبر 65% من كوادرها عرب فلسطينيون، وكذلك الهندسة بتخصصاتها العامة، وصولاً للتخصصات النوعية الحساسة كهندسة الحاسبات، وهذه معطيات تشكك في توافر القوة العاملة اليهودية في إسرائيل، مما يجعل تهجير الفلسطينيين للإمارات فرصة مناسبة لاستعادة إمساك اليهود بزمام الاقتصاد.
محمود مجادلة، باحث فلسطيني، قال لـ"عربي بوست"، إن "التوجه الإسرائيلي ضد الفلسطينيين يشكل حلماً وطموحاً لن يجد طريقه للتحقيق، حتى بتعاون الإمارات، رغم أن الأخيرة تستغل ثقلها الاقتصادي ومغرياتها المالية لمحاولة استقطاب أكبر عدد من فلسطينيي48، تمهيداً لاختراق جبهتنا الداخلية، التي أظهرت رفضاً واسعاً لاتفاقها مع إسرائيل".
وأضاف أن "ما قد يمنح المخططات الإسرائيلية بعض الهامش أن استقطاب فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة بات محكوماً عليه بالفشل، بسبب معارضتهم لاتفاق الإمارات وإسرائيل، مما يحرف البوصلة الإماراتية باتجاه فلسطينيي48، للحصول على شرعية متوهَّمة لاتفاقها مع إسرائيل، مع عثورها على أصوات نشاز قد تتساوق مع مخططاتها، لكنها ستبقى أقلية منبوذة".
معارضة فلسطينية تهدد الجالية في الإمارات..
يتزامن المخطط الإسرائيلي مع تحذير سها عرفات، زوجة الرئيس الراحل ياسر عرفات، من تعرُّض الجالية الفلسطينية في الإمارات البالغ عددها 300 ألف، للضرر، بسبب المعارضة الفلسطينية لاتفاق الإمارات مع إسرائيل، فيما طالب الرئيس محمود عباس فلسطينيي الإمارات، بتفويت أي محاولات ترمي إلى خلق شرخ مع الشعب الإماراتي، وألا يكونوا جزءاً من أي أزمات عابرة بينهما.
في هذه الحالة، يمكن استعادة التاريخ الصعب الذي عاشه الفلسطينيون في القرن الماضي، حين وقف الرئيس الراحل ياسر عرفات بجانب العراق لدى غزوه الكويت في 1990، مما دفع دول الخليج إلى طرد مئات آلاف الفلسطينيين منها؛ عقاباً لهم على ذلك الموقف.
محمد أبو جياب، رئيس تحرير صحيفة "الاقتصادية"، قال لـ"عربي بوست"، إن "المخططات الإسرائيلية ضد فلسطينيي48 قد تطبَّق إذا سنحت الظروف، لكني أرى إشكاليات تعترضها، أهمها أن مستويات المعيشة لهم قد تفوق نظيرتها الإماراتية، تحديداً إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الطرح الإسرائيلي يركز على العمالة، فالعمالة الأجنبية في الإمارات رخيصة الثمن، فيما الإنفاق المعيشي عالٍ جداً".
وأضاف أن "غالبية من يعمل بالإمارات من الأيدي العاملة من الدول الفقيرة والنامية في جنوب شرقي آسيا وإفريقيا، والاقتصاد الإماراتي يستفيد من هذا الامتياز، ولن يقبل رفع الأجور لاستقدام فلسطينيي الداخل، إلا إذا تعلق الأمر بمخطط سياسي بغطاء اقتصادي، هنا يمكن الحديث عن مشاريع لتهجير الفلسطينيين من الداخل، ولكن تحت عناوين العمل والهجرة واستقطاب الكفاءات".