فيما تسعى الإمارات العربية المتحدة لتسويق اتفاقها مع إسرائيل، كشف مسؤول كبير بوزارة خارجيتها أن "إحدى القضايا الرئيسية التي سيتم تناولها في المباحثات الجارية بين الإمارات وإسرائيل هو فتح سفارات وقنصليات مشتركة، تعرض أنشطة تتعلق بمجالات الثقافة الإماراتية والتاريخ الإقليمي واللغة، وتفضل أن تكون في عدة مدن عربية داخل إسرائيل، مثل الناصرة لبعدها الثقافي، وحيفا لموقعها الاستراتيجي على البحر المتوسط؛ لأنها مهتمة بتوسيع وجودها الدبلوماسي في إسرائيل".
وأضاف المسؤول الذي أخفى هويته، لصحيفة "يسرائيل هايوم" المقربة من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، أن "الإمارات ترى أهمية في أن تكون بمتناول العرب في إسرائيل، لأن الدراسات المتوفرة لدينا كشفت وجود فجوات معلوماتية بينهم فيما يتعلق بتاريخ الإمارات، ولذلك نريد أن يكون تمثيلنا الرسمي متاحاً أمامهم".
وأكد المسؤول "أن السفارة الإماراتية في تل أبيب وباقي القنصليات ستفتتح خلال 3-5 أشهر، وسيكون بإمكان الإسرائيليين الحصول على تأشيرة للإمارات من سفارتها وقنصلياتها، لأنها لن تكتفي فقط بفتح سفارة في تل أبيب، بل قنصليات ومكاتب أخرى.
فيما كشف وزير المالية الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن شركة موانئ دبي، التي تدير عشرات الموانئ حول العالم، تدرس تقديم عطاء لتشغيل ميناء حيفا القديم.
ويبدو لافتاً أن الإمارات تبدي اهتماماً استثنائياً بإقامة قنصليات لها في مدن عربية داخل إسرائيل، مع أن السفارة في تل أبيب تؤدي الغرض، لكن الإمارات راقبت عن كثب حجم المعارضة والرفض الكبيرين اللذين أظهرهما عرب 48 لاتفاقها مع إسرائيل، ولعلها تريد تسويق هذا الاتفاق بينهم، ومحاولة جذب واستقطاب بعض المؤيدين للاتفاق من بين أوساطهم.
كما أن وجود سفارة إماراتية في تل أبيب قد لا يسهل المعاملات القنصلية وتأشيرات السفر التي يحتاجها عرب 48، في ظل النظرة الأمنية الإسرائيلية لهم، وعدم إتاحة الفرصة أمامهم بصورة دائمة على مدار اليوم للتردد على السفارة في تل أبيب لأسباب أمنية.
المثير أن مصر والأردن اللتين أقامتا اتفاقي سلام مع إسرائيل قبل عقود طويلة، لم تفكرا بإقامة قنصليات لهما في مدن عربية داخل إسرائيل، واقتصر سلامهما على الحكومة الإسرائيلية فقط، لكن الإمارات، وعلى لسان مسؤوليها أعلنت أنها تنوي إقامة سلام دافئ مع إسرائيل، وكل مواطنيها، بعكس مصر والأردن، ما قد يفسر رغبتها في إقامة تلك القنصليات في المدن العربية داخل إسرائيل.
غضب عارم بين فلسطيني 48 من التطبيع
لكن التصريحات التي أدلى بها المسؤول الإماراتي لم تلق قبولاً لدى قطاع كبير من فلسطيني 48 الذين يعيشون في الداخل المحتل، الذين أعربوا عن رفضهم افتتاح قنصلية إماراتية بينهم.
محمد وتد، الكاتب الصحفي من منطقة "جت" في المثلث الشمالي، قال لـ"عربي بوست" إن "الفلسطينيين في إسرائيل بمختلف توجهاتهم السياسية وانتماءاتهم الفكرية أعلنوا مواقف ضد تطبيع الإمارات وإسرائيل، سواء لجنة المتابعة للجماهير العربية، والأحزاب السياسية، والقائمة العربية الموحدة، والحركة الإسلامية بشقيها الشمالي والجنوبي، وباقي الفعاليات الجماهيرية، لكن هذا الموقف المبدئي المعارض لا نعلم تطوره إن تم افتتاح قنصليات إماراتية بالمدن العربية، أو سفارة في تل أبيب".
يرى وتد أن الإمارات طبعت مع الحركة الصهيونية وتحت قبة الكنيست، لكنها اكتشفت فجأة أن هناك شعباً فلسطينياً داخل إسرائيل، ولعلها تلجأ مستقبلاً لتنفيذ أجندتها السياسية ومشاريعها التجارية وبرامجها الثقافية، لكنها لا تعلم أن هناك شيئاً أكبر من المال، وأي مساومة إماراتية تجاهنا محكوم عليها بالفشل، فلن نكون ورقة التوت التي تخفي فعلتها الشنيعة، ما حصل يتجاوز التطبيع إلى تحالف استراتيجي ضد كل عربي وفلسطيني".
مظاهرات احتجاجية وبيانات تستنكر
تفاعل الفلسطينيون في إسرائيل مع الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، سواء بالتظاهرات الاحتجاجية، والبيانات المستنكرة، وعقد مدى الكرمل -المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقيّة- ندوة بمشاركة أكاديميين وباحثين عرب في إسرائيل، لفتوا فيها إلى أن من مخاطر الاتفاق زيادة مظاهر "الأسرلة" للعرب في إسرائيل، ومقدمة لتحويلهم لـ"جسر سلام" عبر الأموال الإماراتية.
فيما تظاهرات منددة خرجت من مدينة الناصرة ضدّ "التحالف" الإسرائيلي الإماراتي، ورفع المتظاهرون الأعلام الفلسطينية، وهتفوا ضدّ اتفاق التطبيع، واعتبرت التظاهرة رسالة واضحة من الداخل الفلسطيني لرفض الاتفاق والتطبيع مع إسرائيل.
من جهته صرح برهوم جرايسي، القيادي في الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، من مدينة حيفا، لـ"عربي بوست" أن "هناك شبه إجماع لدى عرب 48 من الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، لأننا لم نفاجأ من الاتفاق، ورغم وجود تعددية سياسية في أوساطنا، ومشارب فكرية مختلفة، لكن الإمارات لن تستطيع اختراق جبهتنا الداخلية، حتى بتوزيع المكافآت المالية على بعض الجيوب من أصحاب الأجندات المعادية لقضيتنا الوطنية، ممن ليس لديهم مكان بيننا، لقد واجهنا حقبة كامب ديفيد، واليوم نرى في اتفاق الإمارات نسخة مشوهة من خيانة السادات".
اتفاق الإمارات كامب ديفيد جديد
وأضاف أننا "منذ حرب النكبة واجهنا مراحل أصعب بكثير وأثبتنا للجميع أننا أصحاب قضية، ولسنا رعايا لدولة إسرائيل، وإن توهمت الإمارات أنها تستطيع شراء ذممنا فهي مخطئة".
فور توقيع الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي أصدرت القوى السياسية الفلسطينية في إسرائيل جملة مواقف وبيانات أكدت أن الاتفاق طعنة إماراتية في ظهر الشعب الفلسطيني، واعتبرت الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني أن الاتفاق محاولة للالتفاف على حقوق الشعب الفلسطيني، لاعتبارات تخدم أجندات مشبوهة وباطلة.
واعتبر حزب التجمع الوطني الديمقراطي الاتفاق هدية مجانية للاحتلال والاستيطان، ويشجع إسرائيل على المضيّ بسياساتها، لأنه يفتح أمامها أبواب للتطبيع مع العرب مع بقاء الاحتلال.
وأكدت الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة أن الاتفاق يأتي في إطار صفقة القرن، وخدمة لترامب ونتنياهو، صحيح أن العلاقات الخليجية الإسرائيلية ليست جديدة، لكن كشفها يؤكد طبيعة المخططات الإمبريالية.
وأشارت الحركة العربية للتغيير إلى أن اتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي مرفوض من أساسه، ويشكل جائزة لنتنياهو، ويعمق الاحتلال ويعزز الاستيطان، ويتعارض مع مبادرة السلام العربية.
أما المحاضر القانوني البروفيسور رائف زريق فدعا الفعاليات العربية في إسرائيل لإعلان مقاطعة السفير الإماراتي والسفارة الإماراتية المقبلة في إسرائيل، ورفض أي دعم مادي من الإمارات، لأنه سيكون رشوة سياسية لتمرير المشروع التطبيعي.
هنيدة غانم، مديرة المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، اعتبرت أن "إسرائيل والإمارات متزوجتان عرفياً منذ سنوات، لكنهما قررتا الكشف عنه الآن من أجل الأولاد وكلام الناس، فقررتا تنظيم "عرس وزفة".
إبراهيم أبوجابر، مدير مركز الدراسات المعاصرة بمدينة أم الفحم، قال لـ"عربي بوست" إن "المواقف العربية داخل فلسطين من اتفاق الإمارات وإسرائيل اتسمت بالرفض والإدانة، لكن ليس بذات الوتيرة، فمواقف أعضاء الكنيست العرب ضعيفة، ربما رغبة منهم بالحصول على أموال إماراتية تحضيراً لترشحهم في انتخابات قادمة، وبعضهم ينسقون مع المؤسسة الإسرائيلية، لتليين مواقفهم المعادية تجاه أي تقارب عربي إسرائيلي".
وأضاف أن "الأيام الأخيرة شهدت توزيع إعلانات إماراتية إسرائيلية مشتركة للعمل هناك، وقد تذهب الكوادر الطبية والأكاديمية، وأصحاب رؤوس الأموال والتجار، لكن أي تفكير إماراتي بافتتاح قنصلية في مدينة عربية ستكون آثاره سلبية جداً، وتؤدي لاندلاع مظاهرات ووقفات احتجاجية، قد تصل للعنف، ضد أي بلدية عربية توافق على افتتاح قنصلية إماراتية فيها، مع توقع أن تضخ الإمارات أموالها بين العرب في إسرائيل، للاستثمارات التجارية، وافتتاح مراكز ثقافية ومؤسسات بحثية وبناء مساجد، تمهيداً لشراء بعض الذمم".