ثمانية أسابيع فقط تفصل الأمريكيين عن الانتخابات الأشرس في تاريخهم بين الرئيس دونالد ترامب ومنافسه الديمقراطي جو بايدن، لكن أغلب المؤشرات ترجح أن يوم 20 يناير/كانون الثاني العام المقبل ربما لا يشهد تنصيب أي منهما رئيساً، فما قصة ذلك السيناريو الذي يبدو مرجحاً.
متى تنتهي ولاية ترامب رسمياً؟
طبقاً للنظام الانتخابي الأمريكي -الأكثر تعقيداً في العالم- تجرى الانتخابات الرئاسية في 3 نوفمبر/تشرين الثاني، حيث يدلي الناخبون بأصواتهم في الاقتراع المباشر، وسيكون الاختيار بين المرشح الجمهوري ترامب ونائبه مايك بنس من ناحية، والديمقراطي جو بايدن ونائبته كامالا هاريس من ناحية أخرى.
لكن التصويت الشعبي هذا ليس حاسماً لإعلان نتيجة الانتخابات، بمعنى أنه في حالة فوز ترامب أو بايدن بأغلبية أصوات الناخبين لا يعني هذا فوز أي منهما بالرئاسة، فالخطوة الثانية والأهم هي المجمع الانتخابي -اختراع أمريكي لا يوجد له مثيل في العالم- وهذا المجمع عبارة عن ممثلين عن الولايات الأمريكية الخمسين.
ويبلغ عدد أعضاء المجمع الانتخابي 538 صوتاً، موزعة على الولايات، بحسب تعداد السكان فيها، فتتمتع ولاية كاليفورنيا بالعدد الأكبر من أعضاء المجمع وهو 55 عضواً، في حين أن عدداً محدوداً من الولايات ذات الكثافة السكانية المنخفضة مثل وايومينغ وألاسكا ونورث داكوتا (إضافة إلى العاصمة واشنطن) ليس لديها سوى الحد الأدنى من عدد الأعضاء وهو ثلاثة.
ويحتاج المرشح الرئاسي للحصول على أغلبية هذه الأصوات -270 صوتاً أو أكثر- كي يفوز بالانتخابات، وقد حدث بالفعل أن فاز مرشح رئاسي بأغلبية أصوات الناخبين لكنه خسر الانتخابات بأصوات المجمع الانتخابي، وكان آخر من فاز بتلك الطريقة هو الرئيس الحالي ترامب نفسه، حيث حصلت منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون على أكثر من 54% من أصوات الناخبين، لكنها خسرت الرئاسة في المجمع الانتخابي.
وبصورة رسمية، تنتهي فترة رئاسة ترامب الحالية ظهر يوم 20 يناير/كانون الثاني العام المقبل 2021، والسؤال هنا: ماذا سيحدث إذا ما تأخر إعلان الفائز في الانتخابات بين ترامب وبايدن لأي سبب من الأسباب -وما أكثرها حالياً- إلى ما بعد ساعة انتهاء رئاسة ترامب رسمياً؟
لماذا يبدو سيناريو تأخر حسم نتيجة الانتخابات وارداً؟
الحديث عن هذا السيناريو ليس من فراغ، ولا هو محض افتراضات، فالمؤشرات التي تشهدها الأجواء في الولايات المتحدة جميعها تسير في ذلك الاتجاه، وربما لا يكون تأخير إعلان النتيجة هو أسوأ السيناريوهات المتوقعة من الأصل.
– التصويت عبر البريد: تشهد قضية التصويت عبر البريد جدلاً متصاعداً في ظل تشكيك دائم -دون دليل- من جانب ترامب والجمهوريين، في مصداقية الوسيلة التي سيكون اللجوء إليها حتمياً في ظل جائحة كورونا المتفشية في الولايات الأمريكية، والتي أصابت أكثر من 6 ملايين و260 ألف أمريكي، وقتلت نحو 189 ألفاً، حسب إحصاءات اليوم الأربعاء 2 سبتمبر/أيلول من موقع وورلد ميترز كورونا.
وقصة التشكيك في النتائج قبل شهور من التصويت نفسه يراها أغلب المحللين المحايدين ذريعة مسبقة لرفض النتيجة في حالة الهزيمة من جانب ترامب، لكن المعسكر الديمقراطي نفسه يؤسس أيضاً لرفض النتيجة في حالة الهزيمة، وليس أدل على هذا السياق من توجيه هيلاري كلينتون نصيحة علنية لجو بايدن، مفادها "لا تعلن قبول الهزيمة مطلقاً".
– الاستعداد لمعركة قانونية: المؤشر الآخر على أن إعلان نتيجة الانتخابات القادمة على الأرجح سيتأخر هو أن كلتا الحملتين -الجمهوريين والديمقراطيين- رصدت بالفعل ملايين الدولارات، وتعاقدت مع أشهر المحامين استعداداً لرفع قضايا أمام المحاكم تشكك في النتائج في حالة عدم رضاهما عنها، والمقصود هنا هو أن الطرف المهزوم لن يقبل بالنتيجة وسيلجأ لمعركة قانونية ممتدة.
– استطلاعات الرأي: صحيح أن جميع استطلاعات الرأي حتى الآن تشير إلى تقدم واضح لبايدن على ترامب، لكن ذلك لا يعني أن الأمور محسومة، فكل شيء وارد في الشهرين المقبلين من ناحية، كما أن الاستقطاب الحاد الذي تشهده البلاد حالياً ووصل إلى مراحل مقلقة من العنف في الشارع على خلفية الاحتجاجات ضد العنصرية، وعنف الشرطة وخروج مساندي ترامب في تظاهرات مضادة يشير إلى احتمال تقارب نتيجة التصويت.
من سيتولى الرئاسة إذن؟
الإجابة عن هذا السؤال جاءت على لسان القاضي أندرو نابوليتانو، كبير المحللين القانونيين في شبكة Fox News اليمينية المساندة لترامب، الذي قال إنه بحلول ظهر يوم 20 يناير/كانون الثاني من العام المقبل، وهو موعد نهاية رئاسة ترامب رسمياً، سيتولى منصب رئيس البلاد أياً كان رئيس مجلس النواب.
نابوليتانو أجاب عن سؤال إذا ما كانت نانسي بيلوسي ستتولى منصب الرئاسة حال تأخر حسم النتيجة بين ترامب وبايدن حتى ساعة نهاية رئاسة ترامب رسمياً بالقول، إن ذلك "ربما يكون صحيحاً"، مضيفاً أنه "بحلول ظهر 20 يناير/كانون الثاني، وإذا لم يكن المجمع الانتخابي قد أعلن فائزاً بالرئاسة، عندها أياً كان من يتولى منصب رئيس مجلس النواب يصبح تلقائياً رئيس الولايات المتحدة الأمريكية".
وتتولى نانسي بيلوسي في الوقت الحالي رئاسة مجلس النواب، لكن هذا لا يعني أنها ستظل في منصبها حتى يناير/كانون الثاني بنسبة مئة في المئة، فانتخابات نوفمبر/تشرين الثاني تشمل أيضاً انتخابات في الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ -التجديد النصفي- وهو ما يعني أن هناك احتمالاً -يبدو ضعيفاً لكنه وارد- أن يتمكن الجمهوريون من استعادة الأغلبية في مجلس النواب، وبالتالي يختارون خليفة لبيلوسي.
وفي ظل العلاقة العدائية بين بيلوسي وترامب سيكون أمراً مثيراً بالفعل أن يشاهدها ترامب تتسلم الرئاسة مكانه يوم 20 يناير/كانون الثاني، حال تأخر حسم نتيجة الانتخابات الرئاسية، وهذا يستدعي المرة الأخيرة التي جمعتهما، وهي يوم إلقاء ترامب خطاب الاتحاد في الكونغرس، والذي شهد تجاهله مصافحتها، وتمزيقها لنسخة الخطاب أمام الكاميرات، فكيف يمكن أن يكون مشهد تنصيبها خليفة لترامب إذن، والذي يستدعي وجودهما معاً؟.