أدانت المحكمة الخاصة بلبنان، في جلستها المنعقدة الثلاثاء 18 أغسطس/آب 2020، بمدينة لاهاي الهولندية، المتهم سليم جميل عياش، بجميع التهم الموجهة إليه في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، بينما قضت ببراءة ثلاثة من المتهمين في نفس القضية.
إذ اتهم أربعة من أعضاء حزب الله، المدعوم من إيران، بالتخطيط للتفجير الهائل الذي أودى بحياة الحريري و21 آخرين.
إدانة عياش: قال القاضي ديفيد ري وهو يتلو ملخصاً للحكم الذي جاء في 2600 صفحة، إن سليم جميل عياش أدين بالقتل وارتكاب عمل إرهابي فيما يتصل بقتل الحريري و21 آخرين.
بينما قالت قاضية في المحكمة الخاصة بلبنان إن الادّعاء قدَّم أدلة غير كافية لإثبات زعم أساسي في دعواه ضد ثلاثة رجال متهمين بالضلوع في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري عام 2005.
كما قالوا إن الادعاء أظهر أن المشتبه بهم استخدموا هواتف محمولة لتنسيق الهجوم، لكنه لم يربط بشكل كافٍ بين المشتبه بهم وإعلان مسؤولية كاذب جاء بعد الهجوم مباشرة من أشخاص لا بد أنهم كانوا يعرفون أن الحريري سيُقتل.
بينما قالت القاضية جانيت نوسورذي "لم يتمكن الادعاء من أن يثبت دون مجال للشك مشاركة (المشتبه بهم الثلاثة) في إعلان المسؤولية الكاذب عن الهجوم على الحريري".
لا أدلة تدين حزب الله وسوريا: من جهة أخرى قالت المحكمة الخاصة بلبنان في وقت سابق الثلاثاء، إنه لا يوجد دليل على ضلوع قيادة جماعة حزب الله الشيعية اللبنانية أو الحكومة السورية في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري عام 2005.
قال القاضي ديفيد ري وهو يتلو ملخصاً لقرار المحكمة "ترى المحكمة أن سوريا وحزب الله ربما كانت لهما دوافع للقضاء على السيد الحريري وحلفائه السياسيين، لكن ليس هناك دليل على أن قيادة حزب الله كان لها أي دور في اغتيال السيد الحريري، وليس هناك دليل مباشر على ضلوع سوريا في الأمر". ونفى حزب الله أي دور له في تفجير 14 فبراير/شباط 2005.
يأتي نطق المحكمة بالحكم، والذي من المتوقع أن يستغرق عدة ساعات، في الوقت الذي لا يزال اللبنانيون يعانون فيه من تبعات الانفجار الهائل الذي راح ضحيته 178 شخصاً هذا الشهر، ومن الانهيار الاقتصادي الذي دمر حياتهم.
قلق في الداخل اللبناني: أدّى اغتيال الحريري إلى ما كان آنذاك أسوأ أزمة في لبنان منذ الحرب الأهلية، ما أدى إلى انسحاب القوات السورية ومهّد الطريق لمواجهة بين القوى السياسية المتناحرة على مدى سنوات.
حتى قبل أن يبدأ القضاة النطق بالحكم الصادر في 2600 صفحة، حملت صحيفة النهار اليومية عنوان "العدالة الدولية تهزم الترهيب" مصحوباً برسم كاريكاتوري لوجه الحريري وهو ينظر إلى سحابة الفطر العملاقة فوق بيروت المدمرة، ويقول لها "عقبالك"، في إشارة إلى تحقيق قد يكشف سبب الانفجار.
بينما قال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، يوم الجمعة 15 أغسطس/آب، إنه ليس قلقاً من المحاكمة، وإن الجماعة ستتمسك ببراءة أعضائها في حال تمت إدانة أي منهم.
فيما لم ينقل تلفزيون المنار التابع لحزب الله أو تلفزيون الميادين المؤيد لدمشق المحاكمة التي تبثها قنوات أخرى في لبنان على الهواء مباشرة.
قد يؤدي الحكم إلى تعقيد الوضع المضطرب بالفعل، بعد انفجار الرابع من أغسطس/آب، واستقالة الحكومة المدعومة من حزب الله وحلفائه.
عدالة بعد 15 عاماً: كان من المتوقع في بادئ الأمر صدور الحكم في وقت سابق من هذا الشهر، لكنه تأجّل بعد انفجار مرفأ بيروت.
استغرقت عملية التحقيق والمحاكمة الغيابية لأعضاء حزب الله الأربعة 15 عاماً، وبلغت تكلفتها نحو مليار دولار، وقد تُصدر المحكمة قرارَها بإدانة المتهمين، وأحكاماً لاحقة قد تصل إلى السجن مدى الحياة أو البراءة.
قد تصبح المحكمة المختلطة المستندة للقانون الجنائي اللبناني ومشكّلة من قضاة دوليين ولبنانيين نموذجاً، إذا قررت بيروت تشكيل محكمة مماثلة لمحاكمة المسؤولين عن انفجار هذا الشهر.
استخدم ممثلو الادعاء سجلات للهاتف المحمول تقول إن المتهمين، وهم سليم جميل عياش، وحسن حبيب مرعي، وأسد حسن صبرا، وحسين حسن عنيسي، راقبوا بدقة تحركات الحريري في الأشهر التي سبقت الهجوم لتحديد وقته ولتقديم ادعاء كاذب بالمسؤولية.
يقول ممثلو الادعاء إن المتهمين ربما كان دافعهم الرغبة في التخلص من الحريري، لكن محامين عيَّنتهم المحكمة نفوا وجود دليل مادي يربط المتهمين بالجريمة وطالبوا بتبرئتهم.
فيما يقول بعض اللبنانيين الآن إنهم أكثر انشغالاً بمعرفة الحقيقة وراء انفجار مرفأ بيروت. وقال فرانسوا، وهو متطوع يساعد الضحايا في إحدى الضواحي المدمرة "أريد حقاً معرفة الحكم… لكن ما يهم الآن هو مَن فعل هذا (الانفجار) بنا، لأن هذا أثر على عدد أكبر من الناس".
لماذا أدين عيّاش؟ رغم نفي "حزب الله" مراراً وتكراراً ضلوعه في عملية اغتيال رفيق الحريري، فإنّ المتهم عيّاش هو أحد عناصره، بل أحد المسؤولين العسكريين فيه.
إذ حدّدت مذكرة التوقيف أنّ عيّاش هو المسؤول عن الخلية التي نفّذت عملية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وأنّه شارك فيها شخصياً، وأعلن الادّعاء في المحكمة الدولية أنّ "بدر الدين هو في أعلى الهرم، وهو المشرف على عملية اغتيال الحريري، ووَجّه كل عملية الاغتيال، وسليم عياش قاد وحدة الاغتيال وكان معه 4 أشخاص راقبوا الحريري كظلّه".
من يكون عيّاش؟ يحمل عيّاش، بحسب الموقع الرسمي للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، القضية رقم: STL- 11- 01، وُلد في 10 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1963، في حاروف- النبطية، من جميل دخيل عيّاش ومحاسن عيسى سلامة، وعاش في شارع الجاموس في الحدت، وفي مجمّع آل عيّاش في حاروف.
رقم سجله 197/ حاروف، ورقم وثيقة سفره لأداء فريضة الحج 059386، ورقمه في الضمان الاجتماعي 690790/63.
وبحسب الموقع الإلكتروني للمحكمة، فإنّ بدر الدين وعياش متهمان بالتآمر لتنفيذ عمل إرهابي، وبتنفيذ عمل إرهابي بواسطة مواد متفجرة، وبقتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري و21 آخرين عمداً، وبمحاولة قتل 231 شخصاً آخرين، أي جرحى انفجار 14 فبراير/شباط. ولا يزال سليم جميل عياش طليقاً.
اشتُهِر اسم عيّاش بارتباطه بـ4 آخرين اتهمتهم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان باغتيال الرئيس الحريري، إلى جانب كل من القياديين والأعضاء في "حزب الله" مصطفى بدر الدين وحسين عنيسي وأسد صبرا، بعدما رفعت للمرة الأولى السرية عن أجزاء من القرار الاتهامي عام 2011.