مع بزوغ فجر الأربعاء 5 أغسطس/آب 2020، بدأت لبنان تستيقظ من صدمتها، وتلملم جراحها، وتحاول استيعاب ما حصل، بعد ليلة دامية عاشتها العاصمة بيروت، أعادت إليها ذاكرة مليئة بالحروب والمعارك، تاركة أسئلة بلا إجابات، وعلامات استفهام كثيرة، لم يجد أحد لها أي تفسير بعد.
حتى كتابة هذه السطور، كانت الحصيلة الرسمية التي أعلنتها الحكومة ثقيلة جداً، فقد أفادت وزارة الصحة بوقوع 100 قتيل، وإصابة قرابة 3 آلاف شخص، فيما أظهرت الصور دماراً واسعاً في مرفأ بيروت وما حوله، وما قد يزيد من سوء الوضع، هو خروج مستشفيات العاصمة عن الخدمة، وهو ما قد يفاقم الوضع الصحي للمرضى.
مستشفيات خارج الخدمة: أحدث التفجير المهول ضغطاً كبيراً على القطاع الصحي في العاصمة، لم تكن مستشفيات بيروت مستعدة له، فقد بدت المراكز الصحية منهارة أمام صرخات الجرحى، فلم تستطع استيعاب الآلاف منهم، ما جعل بعضهم ملقى أمام أبواب المستشفيات وباحاتها.
بدا الدم في كل مكان، في ممرات المستشفيات وغرفها ومداخلها، وغرف العمليات عاجزة أمام العدد الكبير من الإصابات التي تنتظر دورها، وأصبحت الطواقم الطبية في حالة حرب، تسبب بها الكارثة.
هذا الواقع دفع وزارة الصحة إلى نقل الضحايا إلى خارج بيروت للعلاج كما استُدعيت سيارات الإسعاف من شمال وجنوب لبنان وسهل البقاع الذي يقع ناحية الشرق لتقديم المساعدة.
لم يتضح بعد حجم الخسائر بشكلها النهائي، فقد عمل رجال الإنقاذ بدعم من عناصر الأمن طوال الليل بحثاً عن ناجين أو ضحايا عالقين تحت الأنقاض.
أما في شوارع العاصمة وأحيائها، كان في الإمكان رؤية سيّارات مدمّرة متروكة في الطرق، وجرحى تغطّيهم دماء، وزجاج متناثر في كلّ مكان.
سياسياً، أعلن رئيس الحكومة اللبناني حسان دياب الأربعاء يوم حداد وطني على "ضحايا الانفجار"، وتوجّه "بنداء عاجل إلى كل الدول الصديقة والشقيقة التي تحبّ لبنان، أن تقف إلى جاب لبنان، وأن تساعدنا على بلسمة جراحنا العميقة".
دعم دولي للبنان: توالت ردود الأفعال الدولية على هذا الحادث، وتحركت بعض الدول على الفور لتقديم يد العون للحكومة اللبنانية، فمن المفترض أن يصل، الأربعاء، 3 مستشفيات ميدانية قادمة من قطر والعراق؛ لمساعدته في مواجهة الكارثة.
وبحسب وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية، سترسل دولة قطر، اليوم، مستشفيين ميدانيين، سعة كل واحد منهما 500 سرير.
بدورها، أعلنت كل من الولايات المتحدة وفرنسا عزمهما إرسال مساعدات ستصل تباعاً، لكن لم توضح أي منهما طبيعة هذه المساعدات أو حجمها.
يذكر أن لبنان يعاني من عقوبات دولية، ووقف للمساعدات المالية التي كان يتلقاها، بسبب الأزمة السياسية التي يعاني منها البلد، والتي أثرت بشكل كبير على مختلف القطاعات، في ظل انهيار تاريخي لليرة اللبنانية، وتردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد.
أسباب الانفجار: لم يصدر بعد أي تصريح رسمي يوضح حقيقة ما جرى، ولا أسباب هذا التفجير، لكن وبحسب ما نشرته وكالة الأنباء الرسمية، فإن ما جرى كان سببه "اندلاع حريق كبير في العنبر رقم 12 في مستودع للمفرقعات في مرفأ بيروت، مما أدى إلى انفجاره".
وفي تصريحات أولية لوزير الداخلية محمد فهمي، قال خلالها إنه "يجب انتظار التحقيقات لمعرفة سبب الانفجار، لكن المعلومات الأولية تشير إلى مواد شديدة الانفجار تمت مصادرتها منذ سنوات انفجرت في العنبر رقم 12".
فيما قال مدير عام الجمارك بدري ضاهر، في تصريح متلفز، إن "عنبر كيماويات انفجر في مرفأ بيروت"، دون أن يوضح ما الذي أوصل هذه المواد الكيماوية إلى مرفأ حيوي مثل مرفأ بيروت المخصص للمواد الغذائية والصحية.
أما المدير العام للأمن العام، اللواء عباس إبراهيم، فقد اعتبر أن "الكلام عن مفرقعات مثير للسخرية، فلا مفرقعات، إنما مواد شديدة الانفجار، ولا أستطيع استباق التحقيقات"، وذلك في تصريحات صحفية بعد تفقده مكان الانفجار.
من جانبه أوصى مجلس الدفاع الأعلى اللبناني بإعلان بيروت مدينة منكوبة في أعقاب انفجار هائل، وأعلن حالة طوارئ لمدة أسبوعين في العاصمة وسلم مهام الأمن إلى السلطات العسكرية.
بيان المجلس، الذي بُث على الهواء مباشرة، أكد أن الرئيس ميشال عون قرر "تحرير الاعتماد الاستثنائي المنصوص عليه في المادة 85 من الدستور وفي موازنة عام 2020 والذي يبلغ 100 مليار ليرة لبنانية ويخصص لظروف استثنائية وطارئة".
كما أوصى المجلس قبل اجتماع للحكومة اليوم الأربعاء بتكليف لجنة للتحقيق في الانفجار على أن تعرض نتائجها خلال خمسة أيام و"تتخذ أقصى درجات العقوبات على المسؤولين" عن التفجير.