من قلب كنيسة الدكتور مارتن لوثر كينغ جونيور في ولاية أتلانتا ألقى أول رئيس أسود البشرة في تاريخ الولايات المتحدة، الخميس 30 يوليو/تموز 2020، خطاباً انتقد فيه ترامب وقال إنه لولا تضحيات أمثال جون لويس لم يكن ليصل رئيس أسود البشرة إلى هذا المنصب، خطابَ تأبين في مديح رمز الحقوق المدنية الأمريكي وعضو الكونغرس الأمريكي، غير أن خطابه تجاوز بكثير مجرد كونه خطاباً لإحياء الذكرى.
شبكة CNN الأمريكية قالت إن كلمات باراك أوباما جاءت محددة للغاية وفي بعض الأحيان موجهة بطريقة غير مباشرة على نحو ما، لتعلن أن معركة جون لويس التي أنفق فيها عمره من أجل حقوق المساواة العرقية مستمرة، وذكر صراحة أن القوى الممسكة بزمام السلطة اليوم تعمل على تقويضها.
أول خطاب لأوباما منذ تركه لمنصبه: ومن خلال الخط المباشر الذي رسمه بين واقعة جسر إدمون بيتوس في سِلما بولاية ألاباما، حيث نزف لويس على وقع ضربات جنود الولاية في عام 1965، وبين مظاهرات هذا الصيف التي اشتعلت على قتل الشرطة للأمريكيين السود، ألقى أوباما أقوى خطاب له منذ تركه منصبه، موجهاً كلماته المحملة بالنقد اللاذع لخليفته في منصب الرئاسة، الذي امتنع عن حضور أي تأبين لجون لويس، رغم أن ثلاثة رؤساء من أسلافه الأحياء الأربعة قطعوا الرحلة، واصفاً ذلك بأنه تعبير جليّ عما يشهده عهده من تداعٍ للقيم الديمقراطية.
بعد ساعات من اقتراح ترامب في تغريدة على موقع تويتر بتأجيل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني بداعي احتمال التزوير، قال أوباما في كلمات موجهة على نحو واضح: "ربما لم نعد بحاجة إلى اتباع أساليب الاقتراع القديمة وتخمين عدد الحبوب في البرطمان للإدلاء بالأصوات، ومع ذلك فحتى أثناء جلوسنا هنا اليوم، هناك من هم في السلطة يبذلون قصارى جهدهم لثني الناس عن التصويت".
أمريكا بناها "السود": وفي الوقت الذي يشن فيه ترامب حملة إعادة انتخابه اعتماداً على الحشد بالإشارات العنصرية والمفاهيم الغامضة عن "التراث" الذي يرى كثيرون أنه متجذر في رؤية عتيقة للبلاد، قال أوباما إن جون لويس سيتذكره الناس في نهاية المطاف على أنه رمز من نوع آخر من الأبطال الوطنيين للبلاد.
قال أوباما: "أمريكا بناها أمثال جون لويس. هو، مثل كل رمز في تاريخنا، جعل هذا البلد أقرب بدرجة ما إلى أسمى مُثلنا العليا. وفي يوم من الأيام، عندما ننهي هذه الرحلة الطويلة نحو الحرية، عندما نشكّل حقاً اتحاداً أكمل وأكثر تماسكاً.. جون لويس سيأخذ مكانه بوصفه من الآباء المؤسسين لأمريكا الأكثر اكتمالاً وعدلاً، أمريكا أفضل من التي نعيش فيها".
لقد مثّل الخطاب عودة مؤثرة إلى المعارك السياسية لرئيس سابق عملَ بإصرار على تجنب أن يصبح خصماً لترامب، حتى عندما أبدى القلق لدوائره الخاصة وللمانحين الديمقراطيين بشأن أفعال ترامب وكلماته.
بيد أن الخطاب كان في الوقت نفسه إقراراً شخصياً بعمق التأثير الذي كان لشخصية اعترف أوباما أن كفاحها كان خطوة أساسية ليأتي في يوم ما صعودُه السياسي.
خطاب التأبين: كان خطاب التأبين الذي ألقاه أوباما من النوع الذي يمثل سريان تاريخ الأمة الأمريكية، يقدّم سجلاً لأعلى اللحظات تمثيلاً لقيمها وأقلها تمثيلاً، ويسلط الأضواء على نوع الشخص، نوع البطل، الذي يستحق حقاً اهتمام البلاد واحترامها.
وفي حين أنه لم يكن أمراً غير متوقع على الإطلاق، كان غياب الرئيس الحالي للبلاد واضحاً في جنازة جون لويس. تأبين أبطال البلاد كان في يوم من الأيام أحد الأشياء التي يمكن أن تتفق عليه واشنطن على اختلاف أطرافها، ديمقراطي وجمهوري، غير أن الفكرة بدت اليوم على نحو متزايد كما لو أنها بقايا تعود إلى زمن آخر.
من الجدير بالذكر أن جنازة جون لويس لم تكن أول تأبين لشخصية رفيعة المستوى يتجاهله ترامب، إذ بوصفه عضواً دائماً في نادي النخبة الخاصة في البلاد وشخصيةً تشتهر بأنها تكن الضغينة لمخالفيها، فمن المحتمل ألا تكون جنازة لويس هي الجنازة الأخيرة التي يتخلف ترامب عن حضورها.
ومع ذلك، وعلى الرغم من أن غيابه كان واضحاً، أتى قرار ترامب بالامتناع عن إبداء احترامه، القرار الذي عبّر عنه بحسم قبل أن يتمكن مساعدوه من التفكير في إيجابياته وسلبياته، ليمثل تذكرة صارخة بعصر الاستقطاب السياسي الحاد الذي تشهده الولايات المتحدة في عهده.