زار وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف العراق يوم الأحد 19 يوليو/تموز، في زيارة وجد البعض أنها غير متوقعة، بينما ظل الجانب الإيراني يؤكد أن الزيارة تم التخطيط لها، قبل إعلان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي زيارته للمملكة العربية السعودية.
المحطة الأولى: زيارة النصب التذكاري لسليماني
كانت زيارة جواد ظريف إلى بغداد، التي كان من المفترض أنها قبيل يوم واحد من زيارة الكاظمي إلى خصم إيران الإقليمي، المملكة العربية السعودية، مزدحمة بالعديد من اللقاءات الدبلوماسية والسياسية، مع بعض من الأطراف المؤثرة في المشهد السياسي العراقي.
فهي الزيارة الأولى له إلى العراق، بعد اغتيال الولايات المتحدة قائد قوة القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، ورفيقه قائد هيئة الحشد الشعبي العراقي أبومهدي المهندس، في يناير من العام الحالي، لذلك فضل ظريف بدء الجولة بزيارة النصب التذكاري للقائدين.
التقى جواد ظريف بالرئيس العراقي برهم صالح، ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وعدد من قادة الأحزاب السياسية العراقية، كما التقى بالسيد عمار الحكيم زعيم تيار الحكمة الوطنية، وهادي العامري رئيس منظمة بدر المنتمية إلى الحشد الشعبي العراقي، وبجانب التكهنات التي انتشرت قبيل الزيارة بشأن وساطة الكاظمي بين طهران والرياض، فإن مصدراً مطلعاً على الاجتماعات الخاصة بين جواد ظريف والمسؤوليين العراقيين، قال لـ"عربي بوست": "لم يتم تناول تلك المسألة إطلاقاً لا من الجانب العراقي أو الإيراني، لكن جواد ظريف تطرق إلى مسألة انسحاب القوات الأمريكية من العراق".
فبعد اغتيال قاسم سليماني في بغداد، أطلقت الجمهورية الإسلامية في إيران رداً على اغتيال قائدها العسكري الأهم، عدداً من الصواريخ على قاعدة عين الأسد بالعراق، والتي تستضيف قوات أمريكية، لكن في نفس الوقت صرح الزعيم الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، بأن الانتقام الأكبر سيكون بطرد القوات الأمريكية من العراق، و"حمل ظريف رسالة القيادة العليا في إيران التي تؤكد ضرورة معاقبة المتورطين في اغتيال سليماني".
شدد ظريف على الكاظمي بضرورة إنهاء هذا الأمر من خلال المحادثات الاستراتيجية بين بغداد وواشنطن، التي بدأت في وقت سابق من الشهر الماضي.
وكرر جواد ظريف طرح نفس المسألة، التي تخصّ إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في العراق، في لقائه مع رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، بحسب مطلعين على الاجتماع من الطرفين.
كما اجتمع ظريف برئيس السلطة القضائية العراقية، السيد فائق زيدان، لمناقشة اغتيال قاسم سليماني، والسبل القانونية لمحاسبة المتورطين والولايات المتحدة.
في حديثه لـ"عربي بوست"، قال نائب برلماني عراقي، كان متواجداً في أغلب الاجتماعات: "إن الكاظمي لا يريد التورط في مسألة إخراج القوات الأمريكية من العراق، أو محاسبة المتورطين بمقتل سليماني، ولن ينجح في إرضاء إيران في هذا الأمر".
إيران تخشى التقارب الاقتصادي بين العراق ودول الخليج
تمهيداً لزيارة الكاظمي إلى المملكة العربية السعودية، التي تأجلت بسبب الظروف الصحية للملك سلمان، كان قد سافر الوفد الوزاري العراقي إلى الرياض برئاسة وزير المالية علي علاوي، في 19 يوليو/تموز.
عقد الوفد العراقي مع المسؤولين في السعودية جلسة للتنسيق بين البلدين بشأن المشاريع الاقتصادية المستقبلية.
في نفس السياق، يقوم البرنامج الخاص برئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي على تنويع شركاء العراق الاقتصاديين.
وفي الأسبوع الماضي وافق العراق والولايات المتحدة و(السعودية، الكويت، البحرين، قطر، عُمان، الإمارات العربية المتحدة)، على ربط شركات الكهرباء العراقية بمجلس التعاون الخليجي.
وعلى ما يبدو أن هذا الأمر، قد أثار قلق طهران، فقدم جواد ظريف في زيارته إلى العراق مقترحات مغرية لتنمية شبكات الكهرباء العراقية والمياه أيضاً.
يقول أحد المسؤولين الإيرانيين المصاحبين لجواد ظريف في زيارته إلى العراق، لـ"عربي بوست": "تريد طهران زيادة تعميق التعاون الاقتصادي بين إيران والعراق، وتشعر بالقلق من سياسية الكاظمي المنفتحة على دول الخليج خاصة المملكة العربية السعودية".
ديون العراق لإيران
في نفس الوقت الذي قدمت فيه إيران من خلال وزير خارجيتها برنامج تعاون اقتصادي بين البلدين، ناقش جواد ظريف مع المسؤولين العراقيين الديون العراقية لإيران، وطرق سدادها. يقول مصدر مقرب من السفير الإيراني لدى بغداد، إيرج مسجدي، لـ"عربي بوست": "تطالب إيران العراق بمبالغ تصل إلى 5 مليارات دولار، وتم الاتفاق بين ظريف والكاظمي على أن تستورد إيران بعضاً من احتياجاتها من السلع الأساسية بقيمة ملياري دولار، يتم خصمها من الديون العراقية".
كما ناقش جواد ظريف مع القادة العراقيين طرق تعزيز التعاون المصرفي بين البلدين في ظل العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على طهران.
عروض إيرانية مغرية للمساعدة في مكافحة فيروس كورونا بالعراق
لم تتوقف العروض الإيرانية المقدمة إلى العراق، التي حملها وزير الخارجية جواد ظريف عند التعاون الاقتصادي، أو مجالات الكهرباء والغاز الإيرانية، بل امتدت إلى العروض الصحية أيضاً.
يواجه القطاع الطبي العراقي الهشّ جائحة فيروس كورونا المستجد، بإمكانيات ضعيفة للغاية، لذلك، فقد عرض الأول مساعدة إيرانية كبيرة للعراق لمكافحة فيروس كورونا، منها إرسال اختبارات الفيروس، وتجهيز غرف عناية مركزة في بعض المستشفيات العراقية المتهالكة.
اجتماع ظريف بهادي العامري
في أثناء اجتماع ظريف الخاص بالكاظمي تطرق إلى سياسات رئيس الوزراء الجديدة تجاه ما سمّاه ظريف "جماعات المقاومة".
تقول مصادر لـ"عربي بوست": "إن ظريف يحمل رسالة مباشرة من آية الله علي خامنئي إلى الكاظمي بخصوص هذا الأمر"، لكن رفض المصدر الإفصاح عن تفاصيل هذه الرسالة.
يخوض الكاظمي في الأسابيع الأخيرة معركة شرسة لإجبار الفصائل المسلحة التابعة للحشد الشعبي، والموالية لإيران بشكل خاص، على الاندماج تحت القوات العراقية الحكومية، وقد داهمت قوات مكافحة الإرهاب العراقية، مقراً لكتائب حزب الله التي تعتبر واحدة من أهم وأكبر الفصائل المسلحة الشيعية في العراق، والمدعومة من إيران، وألقت قوات مكافحة الإرهاب، القبض على عددٍ من أعضاء الكتائب، وبعد فترة قصيرة تم الإفراج عنهم.
رسالة إيرانية إلى أكراد العراق
التقى وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف بالرئيس العراقي برهم صالح، حاملاً رسالة مفادها أن القيادة الإيرانية تريد توطيد العلاقات مع أكراد العراق.
عندما تم ترشيح الكاظمي لمنصب رئيس الوزراء من قبل الرئيس العراقي برهم صالح، وهو صديق مقرب للكاظمي، زار خليفة سليماني اللواء إسماعيل قاآني العراق، والتقى بالرئيس العراقي برهم صالح، مؤكداً أن الجمهورية الإسلامية في إيران تدعم اختيار الكاظمي.
كما زار جواد ظريف إقليم كردستان العراق، وأكد رئيس الإقليم في لقاء صحفي مشترك أن الإقليم لن ينسى مواقف إيران في الأوقات الصعبة.
كما أكد ظريف عمق العلاقات بين إيران وإقليم كردستان، قائلاً: "لدينا علاقات وثيقة جداً مع إخواننا في الإقليم، علاقات وطيدة جداً وتراثية، وكذلك لدينا علاقات اقتصادية جيدة جداً مع إقليم كردستان والعراق".
هادي العامري يشكو لظريف أحوال الفصائل المسلحة
اجتمع جواد ظريف مع فالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي، وهادي العامري رئيس منظمة بدر، وكليهما مقرّب من الجمهورية الإسلامية في إيران.
ناقش ظريف مع الفياض والعامري الصراعات الأخيرة بين الحشد الشعبي، وبالأخص الفصائل الموالية لإيران، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.
يقول مصدر مطلع على هذا الاجتماع من الجانب الإيراني، لـ"عربي بوست": "أهم ما جاء في هذا الاجتماع شكوى العامري لظريف من الظروف الحالية التي يعاني منها الحشد الشعبي".
ووفقاً لمصادر إيرانية، من المقرر أن يزور قائد قوة القدس اللواء إسماعيل قاآني، وعلى شمخاني الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني بغداد في الأيام المقبلة، بخصوص هذا الأمر.
إطلاق الصواريخ
خلال تواجد جواد ظريف في المنطقة الخضراء في بغداد تم إطلاق الصواريخ باتجاه السفارة الأمريكية، دون أن تحدث أي إصابات تذكر، لم يعلق ظريف على الأمر حتى في الاجتماعات المغلقة الخاصة.
لكن هناك مَن فسّر أمر إطلاق الصواريخ بأنه رسالة من الفصائل المسلحة الموالية لإيران في العراق، بأنها لا تزال متواجدة في المشهد السياسي بقوة.
وفي أثناء زيارة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف لبغداد أثارت بعض وسائل الإعلام الإيرانية أمر عدم وجود العلم الإيراني بجانب العراق، في لقاءات ظريف بالمسؤولين العراقيين في أكثر من موضع.
يقول الصحفي الإيراني المؤيد للمعسكر الأصولي، هادي محمدي، لـ"عربي بوست": "ظهر العلم الإيراني بجوار العراقي في لقاء ظريف بنظيره العراقي فقط، وغاب في صور اللقاءات الأخرى، وهو أمر مثير للاستياء".