حلّ رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الأربعاء 8 يوليو/تموز 2020، ببيت المحلل السياسي هشام الهاشمي، الذي تم اغتياله، الإثنين 6 يوليو/تموز، على يد مسلحين مجهولين عندما كان يركن سيارته أمام بيته، وذلك من أجل تقديم واجب العزاء لأسرته الصغيرة، متوعداً بمعاقبة القتلة الذين اغتالوه.
المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي، نشر الخميس 9 يوليو/تموز، مقطع فيديو للزيارة التي قام بها الرئيس العائلة الهاشمي، وكذا لكلمة له ألقاها بالمناسبة بحضور أبنائه الثلاثة، يشيد بها بخصال الراحل، ويتعهد بمعاقبة قتلته.
دمه عندي: ظهر الكاظمي وهو يتوسط أبناء الهاشمي الثلاثة، وهم عيسى وموسى وأحمد، الذين لم يتمالكوا دموعهم، وصرّح قائلاً إن "الذي يخاف من الكلمة لا نستطيع أن نقول عنه غير أنه جبان. هشام لم يقم بشيء إلا أنه ساعد العراقيين بالكلمة".
المتحدث نفسه اعتبر أن مَن قتل الهاشمي ليس بعراقي؛ لأن التصرف لا يصدر من عراقي، و"العراقي لا يقتل العراقي".
كما نقل التسجيل أيضاً، الكلمة التي وجهها الرئيس لزوجة الراحل، دون إظهار وجهها، إذ وجّه إليها خطاباً قال فيه: "من جيل إلى جيل، هشام سيبقى موجوداً، دمه عندي والقتلى لن يفلتوا، هذا واجبي وواجب الدولة".
عرفت هذه الزيارة لحظات جد مؤثرة، بعد أن فضّل إخوة الراحل وكذا أبناؤه الثلاثة في كبح دموعهم، بعد أن شرع الرئيس في ذكر مناقب وشجاعة والدهم الراحل.
عملية الاغتيال: عند خروج هشام الهاشمي من منزله في بغداد، مساء الإثنين 6 يوليو/تموز، سار رجلٌ مُسلَّح باتجاه سيارة الدفع الرباعي التي استقلَّها الهاشمي ووجَّه مسدساً إليه وأطلق أربع طلقات صوب النافذة بجوار مقعد السائق.
التُقِطَ كلُّ وميضٍ للطلقات النارية بواسطة الكاميرا المُثبَّتة على سطح منزل الهاشمي. والتُقِطَ كذلك هروب القاتل على ظهر دراجةٍ نارية، وكذلك الأطفال الثلاثة للهاشمي الذين وقفوا عاجزين بينما كان جثمان أبيهم يُسحَب من السيارة إلى الممر، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
بداية مرحلة جديدة: في مدينةٍ غارقةٍ في عقودٍ من الوحشية، أصبحت عمليات القتل العنيف مثل هذه لا تترك إلا أثراً طفيفاً، لكن الاغتيال الوقح لأحد أشهر المثقَّفين ألقى بظلاله على العاصمة العراقية، دافعاً الكثيرين لإعادة تقييم ثمن التحدُّث علانيةً، ومُجبِراً الكثير من القادة على إعادة حساباتهم بعد أن كادوا يجزمون أن الدولة المضطربة قد بدأت تنتصر على الميليشيات القوية في بلدهم.
وتعهَّدَ رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذي عمل الهاشمي معه عن قرب حين كان رئيساً لجهاز المخابرات الوطني قبل أن يصبح رئيساً للوزراء، بأن تحقيقاً شفافاً سوف يجري في مقتل الهاشمي، وتعهَّدَ كذلك بتسمية أحد شوارع بغداد باسم أحد أكثر مستشاريه موثوقيةً في شؤون تنظيم الدولة الإسلامية والفِكر الجهادي.
تهديد سابق: توطَّدَت العلاقة بين الرجلين على مدار الأشهر الأربعة الماضية في الحكومة، حين تحدَّى الكاظمي، بعد أن أصبح رئيساً للوزراء، جماعات الميليشيات المدعومة إيرانياً، والتي غالباً ما كانت تُملي شروطَها في العراق. وقبل أسبوعين أمَرَ الكاظمي بإلقاء القبض على 14 عضواً من جماعة كتائب حزب الله، يُشتَبَه في أنهم أطلقوا صواريخ صوب المنطقة الخضراء في بغداد.
الهاشمي تلقى تهديداً من كتائب حزب الله
كان هذا الاعتقال تحدياً صارخاً للجماعة، وقدَّمَ الهاشمي دعماً قوياً من خلال منشوراته الغزيرة والمقروءة على نطاقٍ واسع على الشبكات الاجتماعية، وأيضاً من خلال ظهوره على شاشة التلفزيون العراقي.
أدرَكَ الهاشمي المخاطر، وحدَّد مخاوفه في مقالٍ له بصحيفة The Guardian البريطانية في الأسابيع الأخيرة، وأفصح عنها لصديقه غيث التميمي، المقيم في لندن، إذ كَتَبَ له يقول: "تلقَّيت تهديداتٍ بالقتل من كتائب حزب الله. كيف أتعامل مع هذه التهديدات من واقع خبرتك؟".
جاء الرد من التميمي بسؤال: "هل يمكننا التحدُّث؟"، وقُتِلَ الهاشمي بعدها بساعات.
الهاشمي وداعش: كان الهاشمي (47 عاماً) شخصيةً بارزةً في الاضطراب الحالي في العراق لأكثر من 20 عاماً. في أواخر التسعينيات سَجَنَه صدام حسين لكونه رجل دين سلفياً، وأُطلِقَ سراحه في 2002 قبيل الغزو في العام التالي. ثم جاءت الفوضى المصحوبة بالاحتلال الذي قادته الولايات المتحدة، والتمرُّد الجهادي الذي نَهَضَ ليملأ الفراغ، والاضطرابات السياسية والأمنية التي تبعت كلَّ ذلك، والتي أصبح خلالها الهاشمي مستشاراً للقادة الأوائل وكبار السياسيين.
كان الهاشمي يبشِّر بالرجل الذي أصبح لاحقاً زعيم تنظيم الدولة الإسلامية، أبوبكر البغدادي، قبل أن يتخلَّى عن تفسيره الأصولي لعقيدته الدينية. واستُهدِفَ لاحقاً من قِبَلِ كافة الكيانات الإرهابية، من القاعدة إلى تنظيم الدولة الإسلامية، بينما كانوا ينتشرون في أرجاء العراق وسوريا، قبل أن يتداعوا تماماً تقريباً مطلع العام الماضي.
كما هاجم سليماني: هاجَمَ الهاشمي أيضاً الجنرال قاسم سليماني، الحاكم القوي الذي كان يدير الشؤون العراقية حتى اغتياله في بغداد بواسطة طائرة أمريكية مُسيَّرة في مطلع يناير/كانون الثاني الماضي. قُتِلَ في الهجوم نفسه أيضاً الموالي الإيراني الثاني أبو مهدي المهندس. كان المهندس زعيم كتائب حزب الله، وتعهَّدَت جماعته بالثأر له.
كان الهاشمي يسدي النصائح والاستشارات للمخابرات العراقية والجيش الأمريكي خلال المسار الذي خاضه العراق بعد الحرب. استشاره جواسيس من بريطانيا وفرنسا، وأصبح أهمَّ من أيِّ عراقي آخر في إخبار العالم عن آليات العمل الداخلية لتنظيم الدولة الإسلامية.