أزمة سبَّبها "طقس التناول" بين شعب الكنيسة، بعد تصريحات بعض القساوسة عن استمرار الكنيسة في طقس التناول في الوقت الذي تزداد فيه حالات الوفيات بين الكهنة بنسب لافتة، والتي ارتفعت إلى 10 رهبان في أقل من شهر.
دون أن تقدم الكنيسة الأرثوذكسية بيانات رسمية عما إذا كان سبب الوفيات المتزايدة بين رهبانها هو فيروس كورونا، تاركةً المجال للاجتهاد والاستنتاجات مع كل منشور جديد على الصفحة الرسمية للكنيسة ينعى أحد القساوسة.
وبعد الكثير من الانتقادات التي طالت الكنيسة في الفترة الأخيرة أصبحت الكنيسة الأرثوذكسية في موقف حرج بعدما أعلنت الكنيسة الكاثوليكية، أمس الثلاثاء 23 من يونيو/حزيران، عن الإجراءات الاحترازية التي ستتخذها عند فتح الكنائس السبت القادم، ومنها تغيير طقس التناول، ما يضع الاجتماع المقبل أمام اختيارين كلاهما مرّ:
إما الإصرار على ممارسة طقس التناول كما هو دون تغيير والمخاطرة بصحة رعاياها ونشر العدوى بينهم ما قد يدفع إلى تمرّدهم على الكنيسة، والثاني تغيير الطقس وبالتالي تغذية الأزمة المتواصلة بين التيار المتشدد الذي سيعتبر الأمر انتصاراً لفكر التيار التنويري.
و"التناول" لمن لا يعرفه هو طقس مسيحي قديم، يعد أحد الأسرار السبعة للكنيسة، ويتضمن إقامة قداس إلهي تجري خلاله الصلوات على الخبز والخمر وفي نهاية القداس يُعطى لجميع الراغبين في التناول من ملعقة فضية موجودة بكل كنيسة تسمى "الماستير"، يناول بها الكاهن الأقباط المتقدمين لهذا الطقس شربة من الخمر في فمهم بذات الملعقة، ويعتبر الأقباط التناول تذكيراً بالعشاء الذي تناوله يسوع بصحبة تلاميذه.
وفاة 10 رهبان منذ بداية يونيو وسط تباين في المعلومات التي تقدمها الكنيسة الأرثوذكسية
رصد دقيق قام به "عربي بوست" لحالات الوفاة بين الرهبان منذ بداية شهر يونيو/حزيران الحالي، كشف عن تباين ملحوظ في المعلومات التي تقدمها الكنيسة حول الموضوع يغذي التكهنات بأن ما تعلنه ليس كل الحقيقة.
فقد أعلنت الكنيسة الأرثوذكسية في الثامن من يونيو/حزيران الحالي وفاة أول راهب وهو القمص ساويرس أنبا بولا، المرشح السابق في الانتخابات البابوية عام 2012، بفيروس كورونا المستجد بعد إصابته في وقت سابق، وهو ما يتعارض ما أعلنته إحدى الصفحات القبطية على فيسبوك، التي نشرت في الرابع من نفس الشهر صوراً من جنازة القمص بولا عياد كاهن كنيسة الأنبا بولا بشبرا الخيمة في القليوبية، جراء إصابته بفيروس كورونا أيضاً، وهي الجنازة التي أقيمت -بحسب الصفحة- في الثالث من نفس الشهر أي قبل إعلان الكنيسة وفاة القمص ساويرس بخمسة أيام كاملة.
ووصلت حالات الوفاة منذ أول يونيو حتى 24 يونيو إلى 10 وفيات تضمنت كلاً من: القمص إقلاديوس جرجس كاهن كنيسة العذراء مريم بالمريس غرب الأقصر (توفي يوم 21 يونيو)، والقس بيشاي نعمان
كاهن دير القديسين بالطود بكنيسة الأقصر يوم 18 يونيو متأثراً بإصابته بفيروس كورونا، وشيخ كهنة إيبارشية طما الأب القمص بطرس حنا كاهن كنيسة الشهيد مارجرجس بقرية كوم إشقاو يوم 17 يونيو، وكذلك القس إسحق حافظ كاهن كنيسة القديس مار بولس الرسول ببهتيم، التابعة لإبراشية شبرا الخيمة الذي توفي في نفس اليوم 17 يونيو، ثم القس بيشوي عياد كاهن كنيسة العذراء والبابا كيرلس بمنطقة الزرايب بعزبة النخل
يوم 15 يونيو، وقبله القمص بولا ناشد كاهن كنيسة رئيس الملائكة رافائيل بالمعادي الجديدة (توفي يوم 12 يونيو)، وهناك أيضاً القمص حزقيال صليب كاهن كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل بصالحجر بمدينة طنطا (توفي يوم 8 يونيو)، بينما كان أول الرهبان المتوفين هو بولس الفاخوري من دير القديس الأنبا متاؤس الفاخوري في إسنا، إثر تعرضه لوعكة صحية شديدة في الأول من الشهر الحالي.
في محاولة لاستقصاء الحقيقة حول أسباب زيادة وفيات الرهبان في الفترة الأخيرة، علم "عربي بوست" من مصدر مقرب من الكاهن بيشوي أن أحد أبناء الكنيسة اتصل بالكاهن عياد، كاهن كنيسة العذراء والبابا كيرلس بمنطقة الزرايب بعزبة النخل، الذي توفي في الخامس عشر من يونيو/حزيران، وطلب منه أن يأتي إلى منزله لمناولته لأنه مريض، وذهب بيشوي إليه واستقبلته أسرته بشكل طبيعي دون الكشف عن أن الرجل مصاب بكورونا، خوفاً من أن يؤجل الكاهن مناولته إلى ما بعد انتهاء مدة الحجر الصحي.
ويضيف المصدر أنه لم تمر أيام قليلة على تلك الواقعة حتى ظهرت أعراض المرض على بيشوي وتم عزله لكن حالته الصحية تدهورت، وبات بحاجة ملحة للرعاية الطبية، وكذلك لنقل بلازما دم أحد المتعافين له لمساعدته على بناء أجسام مضادة للفيروس، لكن لم تكن البلازما المتوافقة مع فصيلة دمه متوافرة، ليلقى حتفه.
أحداث الواقعة لم يقبلها الكثيرون ويشككون بها لكنها الرواية الأقرب إلى الحقيقة، حيث تشابه كلام المصدر مع ما تداولته بعض المواقع القبطية وكذلك صفحات خاصة بالأقباط على موقع فيسبوك، وتؤكد وفاة القس بيشوي عياد بسبب التقاطه العدوى من أحد مرضى كورونا الذين تناولوا على يديه.
دعوات لوقف "التناول" خشية نقل العدوى عبر الملعقة التي توضع في فم العشرات دون تعقيم
باحث قبطي قال لـ"عربي بوست" إن التناول بالنسبة للمسيحي عمل مهم جداً وأساسي، إذ يتم تيمناً بالمسيح الذي أوصى تلاميذه وأتباعه به.
وأضاف قائلاً إن طقس التناول كان يتم بشكل طبيعي وسلس حتى ظهور فيروس كورونا، الذي فجّر الجدل بين الأقباط حول إمكانية نقل العدوى أثناء ممارسته، حيث طالب البعض بتعليقه حتى انتهاء الأزمة من باب الاحتراز، بينما أصرّ آخرون على استمراره إيماناً منهم بقدرة السر المقدس على الشفاء من الأمراض، وقتها أكد القس بولس حليم، المتحدث الرسمي باسم الكنيسة الأرثوذكسية، أن الكنيسة لن تغير طريقة طقس التناول الذي يدور حوله هذا الجدل.
لكن في ظل تفشي الوباء الذي أصاب عدداً من الكهنة والرهبان والخدام والشمامسة بالكنيسة في الداخل والخارج ظهرت دعوات لوقف هذا الطقس؛ خشية نقل العدوى عبر الملعقة التي تُوضع في فم العشرات بشكل متتابع دون تعقيم، ثم توقّفت تلك الدعوات مع قرارات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في 21 من مارس/آذار الماضي، بغلق الكنائس وتعليق القداسات.
حلقة جديدة في مسلسل الاستقطاب بين المتشددين والتنويريين في الكنيسة
تفشي جائحة كورونا والدعوات الملحة لتغيير طقس التناول كشفا عن أجواء الأزمة التي تعيشها الكنيسة منذ سنوات، والتي ظهرت للرأي العام بوضوح عقب وفاة البابا شنودة، وهي أزمة تتمثل في الأساس في الانقسامات العميقة داخل المجتمع القبطي، سواء بين الشارع أو الكنيسة، أو بين تيارات متعددة داخل المؤسسة الكَنَسية نفسها، تتراوح ما بين التطرف والاعتدال والانفتاح على الاتجاهات الجديدة في الجماعة القبطية.
ويقول باحث قبطي من التيار التنويري إن الخلاف داخل الكنيسة أو حتى بين المواطنين الأقباط، حول طقس التناول وتفاصيله، ليس سوى حلقة جديدة في مسلسل الاستقطاب بين تيار التشدد الذي يمثله الكهنة المحسوبون على البابا الراحل شنودة الثالث، وتيار التنوير الذي يتبناه البابا الحالي تواضروس.
التيار الأول محافظ وتقليدي شعبوي، وكان متحكماً أثناء حياة البابا السابق، وأنصاره يميلون إلى أُحادية الرأي، ويخلطون بين النص المقدس وتفسيراته، ولهم مواقف متشددة تجاه الطوائف غير الأرثوذكسية، وسبق أن رفضوا توحيد المعمودية مع الأقباط الكاثوليك، وهاجموا التعاون بين الكنائس العالمية.
وهؤلاء يؤكدون أن طقس التناول، الذي يُطلق عليه "إفخارستيا"، ويعني الشكر، لا ينقل الأمراض ولا يمكن القبول بالتشكيك في ذلك لأنه نقطة إيمانية بحتة، فضلاً عن أنه ليست هناك أي حادثة تاريخية تقول إن شعب كنيسة كاملة أو حتى معظمه نُقلت له عدوى ما بسبب التناول، والأمر لا يتعلق بفيروس كورونا المستجد، بل يمكن أن ينطبق على كافة الأمراض الجسدية الأخرى.
أما التيار الثاني التنويري فهو أكثر انفتاحاً على الآخر، وأنصاره مع حل الملفات المعلّقة من فترة بابوية شنودة، مثل توحيد المعمودية وأعياد الميلاد وعدم معاقبة الأقباط الذين يحجّون إلى القدس، كما أنهم منفتحون على الكنائس العالمية والتعاون معها، ومع فكرة الطلاق والزواج مرة أخرى. وهؤلاء مع تغيير الطقس.
كهنة متشددون اعتبروا مجرد التفكير في تعطيل "التناول" بمثابة ضعف إيمان
كان البابا تواضروس، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، قد علَّق في حواره مع الصحفي فيكتور سلامة على صفحات جريدة وطني القبطية، على الجدل الدائر حول طقس التناول، فقال: "لم نفكر في هذا، ولم نناقشه في اجتماعات اللجنة الدائمة للمجمع المقدس، ولكنه أمر وارد".
وبسبب استخدام كلمة "أمر وارد" تعرَّض البابا ومَن يطالبون بتعطيل الطقس للرفض والاستهجان من قساوسة متشددين وتيارات مناصرة لهم، اعتبرت مجرد التفكير في تعطيل الطقس المهم جداً من وجهة نظرهم بمثابة ضعف إيمان وتشكيك في قداسة التناول.
وفي تعليقات لقناة "سي تي في" التابعة للكنيسة الأرثوذكسية، قال الأنبا رفائيل، الأسقف العام لكنائس وسط القاهرة (الذي نشرت صورته على غلاف مجلة روزاليوسف الممنوع): "نؤمن أن سر التناول هو سر الحياة، وهو الشافي من مرض الخطية، وأمراض الجسد والنفس والروح، وبالتالي هو طقس إيماني بحت لا يصلح أن نتعامل معه بقواعد العلم".
بالمثل، قام الأنبا أغاثون، أسقف مغاغة والعدوة، ببث مقطع فيديو على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، حول "التعليم والإيمان"، بعرض آراء عدد من أساقفة الكنيسة يرفضون المساس بطريقة "التناول"، منهم البابا الراحل شنودة الثالث، والأنبا رفائيل أسقف كنائس وسط القاهرة، والأنبا بنيامين مطران المنوفية، والأنبا مكاريوس أسقف عام المنيا.
وقف أنشطة الكنائس.. بين مؤيد ومعارض
كانت الكنائس المصرية قد اتخذت عدة إجراءات متلاحقة مع انتشار الفيروس، بدأت بوقف الاجتماعات الكَنَسية والأنشطة ومدارس الأحد، لكن المفارقة ظهرت في التزام البابا تواضروس بها؛ إذ ظهر يلقي عظته وحيداً، بينما تجاهلها كثير من القساوسة المحسوبين على تيار التشدد، حيث حفلت قاعات العديد من الكنائس بالمصلين، في تجاهل تام لبيان الكنيسة القبطية، ووصل الأمر إلى أن الأنبا يؤانس، أسقف أسيوط، الذي يحمل شهادة علمية في الطب، قال خلال اجتماعه الأسبوعي بكاتدرائية رئيس الملائكة ميخائيل، بمدينة أسيوط، وبحضور مئات الأقباط: "لو فيه عدد قليل من أسيوط هيصلي من كل قلبهم كورونا مش هيقرب مننا"، مكرراً العبارة، ومطالباً الجموع بالترديد خلفه.
على الجانب المقابل، أكد القمص عبدالمسيح بسيط، أستاذ اللاهوت الدفاعي في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وكاهن كنيسة العذراء بمسطرد، على موافقته بشأن كل كلمة قالها البابا تواضروس حول طقس سر التناول، والتزامه وزملائه بكل ما يقره المجمع المقدس بهذا الشأن، إذا تمت مناقشته في حال عودة فتح دور العبادة، أياً كان قراره.
وأضاف قائلاً إن الكنيسة لا تعرف الجمود؛ لأنه في بداية القرون الأولى كان التناول يتم بشكل مختلف؛ حيث كان الراغب في التناول يتقدم ويمد يده ويأخذ جزءاً من (القربان المقدس)، لكن بعد زيادة أعداد المؤمنين استخدم "الماستير" لكي يتمكن الكاهن من مناولة أكبر عدد ممكن.
المتشددون تجاهلوا أن كنائس غربية كثيرة عطَّلت "التناول" لأسباب صحية
الغريب أن المتشددين في الكنيسة الأرثوذكسية، المحسوبين على التيار الشنودي، تجاهلوا في معرض دفاعهم المستميت عن استمرار طقس التناول بنفس تفاصيله، ما حدث في كنائس الدول الغربية، حيث أجبرت بعض السلطات هناك كهنة تلك الكنائس على تغيير طريقة التناول، بسبب شكوى بعض الأقباط هناك من أن الطريقة قد تؤدي لنقل العدوى.
وقال الأب أنتوني حنا، كاهن كنيسة السيدة العذراء ومارمينا بولاية كاليفورنيا الأمريكية، في مقطع فيديو: "أرفض وصف قداسة البابا تواضروس بالهرطوقي، الحكومة والسلطات في أمريكا أجبرتنا على تغيير طريقة التناول، وإلا سيتم إغلاق كنائسنا في المهجر"، مضيفاً أنَّ الطرق المقترحة هي توصيات صحية في وضع استثنائي بحت، "لا نشك في جسد المسيح ودمه، لكننا لا نستطيع أن نُجبر السلطات والحكومات على إيماننا، أي تعنت سيكون نتيجته غلق الكنائس".
وكانت الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، وهي قريبة عقائدياً وتاريخياً من الكنيسة القبطية، قد أعلنت -قبل أيام من قرار الكنيسة الكاثوليكية المشار إليه في بداية التحقيق- سلسلة من التدابير الاحترازية التي تمنع انتشار وباء كورونا بين رعاياها، كان أبرزها تغيير طريقة طقس التناول بدلاً من التناول بالماستير، أو ملعقة التناول، إلى التناول باليد، وهي طريقة كانت تتبعها قديماً.
من جهته، أدلى الباحث القبطي باسم الجنوبي بدلوه في القضية، موجهاً سهام الاتهام للأنبا رفائيل، حيث كتب على صفحته بفيسبوك قائلاً إن "الأنبا رفائيل يؤمن أن التناول لا ينقل كورونا مثله مثل مجموعة من الرهبان والكهنة كان لديهم نفس الاعتقاد، وأصروا على فتح أديرة وكنائس بشكل سري، وكانت النتيجة انتشار عدوى كورونا، ومن هؤلاء الكهنة مَن توفي بالفعل، لكن دون أن يكتب في أسباب الوفاة فيروس كورونا، من لا يصدقني يستطيع متابعة صفحة المتحدث باسم الكنيسة وتعدُّد نعي رهبان شباب كل ذنبهم أنهم مثل الأنبا رفائيل.. يؤمنون باعتقاد أفضى إلى موت!".
ووجَّه الباحث اتهامات قاسية للأنبا المتشدد قائلاً: "نيافة الأنبا رفائيل هنا استخدم الفيسبوك في عمل أمرين: الأول تحريض الناس على الانتحار الجماعي (قتل مؤجل باسم الرب)، والثاني معارضة البابا وتعليمات الدولة على الفضاء العام، وبدلاً من أن يقول رأيه الديني داخل المجمع المقدس، خرج جهراً ليصلي ويستعرض إيمانه على السوشيال ميديا".
تحذير من طقوس تؤدَّى داخل الكنيسة يمكن أن تُسبب انتشار العدوى
يذكّر الناشط القبطي كمال سدرة بحادثة وقعت في فبراير/شباط ٢٠١٧ وراح ضحيتها كاهن وأربعة شمامسة، في كنيسة العذراء بالحواتكة بمنفلوط أسيوط، بعد إصابتهم بالتسمم نتيجة تصميم الأب الكاهن على شرب مياه غسل أواني المذبح، رغم شكوى أحد الشمامسة من تغيُّر طعم المياه واكتشافهم قبل الشرب أنها مياه ملوثة، ولكن الكاهن صمَّم على شرب المياه لقدسيتها، واعتبر سدرة ما حدث "دروشة" ليس لها أي أصل عقائدي.
وقال مصدر قبطي لـ"عربي بوست" إن تغيير الشكل الخارجي لطقس التناول لن يتسبب في مشكلة عقائدية، إذ كانت الكنيسة قديماً تستخدم طرقاً للتناول غير تلك المعمول بها حالياً.
لكن المشكلة أن بعض الكهنة يتحسبون كثيراً من تداعيات إلغاء الطقس، لأن هذا يعنى أن يفقدوا السيطرة على أتباعهم ويحد من أدوارهم في حياتهم، ولو مؤقتاً، وهؤلاء لهم أتباعهم وكتائبهم الإلكترونية التي تهاجم كل مَن يتعرض لموضوع تغيير الطقس من قريب أو بعيد.
لكن الهجوم لم يثنِ البعض واستمروا في دفاعهم عن حياة المواطنين الأقباط.
مجلة مصرية تنتقد ممارسات بعض الأقباط.. والكنيسة تطالب برد الاعتبار
الاجتماع المنتظر يوم السبت المقبل للمجمع المقدس سبقته عاصفة سياسية وإعلامية، بسبب غلاف مسرَّب لمجلة روزاليوسف الحكومية الأسبوع الماضي، يتضمن صورة للأنبا رفائيل، وهو أحد الكهنة، مع عنوان "الجهل المقدس"، كما ألحقت صورة الأنبا بعنوان فرعي جريء لم يعتد عليه الأقباط المصريون، يقول: "أساقفة يتحالفون مع كوفيد ١٩ ضد البابا.. القتل باسم الرب"، ما دفع السلطات للتدخل السريع بتغيير الغلاف قبل طرح المجلة في الأسواق.
وتبارى المسؤولون في الحكومة والهيئة الوطنية للصحافة في إدانة ما فعلته المجلة رغم أنها لم تطرح في الأسواق إلا بعد تغيير الغلاف وسحب الموضوع الذي لم يعجب الكنيسة، وقيل وقتها إن المشكلة ليست في الموضوع نفسه، ولكن لأن المجلة جمعت على غلافها بين الأنبا رفائيل ومحمد بديع مرشد جماعة الإخوان المسلمين، التي تصنفها الحكومة المصرية "منظمة إرهابية" في صورة واحدة.
وعلى الفور قررت الهيئة الوطنية للصحافة إحالة رئيس تحرير المجلة هاني عبدالله للتحقيق، وإيقاف محرر الشؤون القبطية، وإلزام المجلة في العدد التالي بالاعتذار للكنيسة والحفاظ على ما وصفته بـ"الوحدة الوطنية والعلاقات الطيبة التي تربط الصحافة والإعلام بالبابا والأقباط".
لكن موقف الهيئة أثار الجدل في أوساط الصحفيين والمثقفين المصريين، الذين أدان بعضهم ما وصفوه بـ"محاكم التفتيش" الجديدة على حرية الصحافة في مصر، ودعا 5 من أعضاء مجلس نقابة الصحفيين إلى اجتماع طارئ لمناقشة التضييق على الحريات الصحفية، خصوصاً بعدما تم اعتقال الصحفي محمد منير إثر قيامه بمداخلة هاتفية مع قناة الجزيرة مباشر، تحدث فيها عن أزمة الكنيسة المصرية، وهاجم منير غلاف مجلة روزاليوسف، ووصف محتواه بالمتعمد لتأجيج الفتنة الطائفية.
من جانبه، أبدى ملاك غبريال، وهو ناشط قبطي، تعجُّبه من وجود أشخاص يقودون محاكمات فكرية ضد المخالفين لهم، موضحاً لـ"عربي بوست" أن مسألة الكيل بمكيالين تعتبر أزمة كبيرة، فعلى سبيل المثال فإن رئيس الهيئة الوطنية للصحافة الذي استاء من غلاف المجلة وصادر حرية الكاتبة القبطية وفاء وصفي -استجابة للشعبوية والجهل المقدس- هو ذاته من كان ينتقد ممارسات خاطئة أيام البابا شنودة على صفحات نفس المجلة عندما كان رئيساً لتحريرها.
وتساءل: هل تتخذ الهيئة الوطنية للصحافة قراراتها المؤثرة في حرية الصحافة استجابة لحملات فيسبوك؟!
في نفس السياق دافع كمال زاخر، المفكر القبطي، عن الموضوع سبب الأزمة، مؤكداً أنه قرأه ووجد أنه يعرض وجهات النظر بطريقة متساوية، وليس فيه ما يثير مشكلات بين أبناء الوطن الواحد، مشيراً إلى أن اختيار العنوان فقط لم يكن مناسباً.
واعتبر زاخر تصريحات البابا تواضروس، بخصوص إمكانية طرح تعديل طقس التناول إذا طرح على المجمع، خطوة إيجابية وتشير إلى تفاعل الكنيسة مع الأحداث واستشعارها المخاطر التي تهدد رعاياها، مؤكداً أن تغيير ممارسة الطقس لا يستهدف المساس بالعقيدة كما يدَّعي البعض!