عندما شرع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في إحكام قبضته على السلطة خلال الأعوام القليلة الماضية، اعتقل عدداً من كبار أفراد الأسرة الحاكمة والشخصيات المعارضة، لكنّ شخصاً واحداً ظل يراوغه، وهو سعد الجابري، المسؤول الكبير السابق في المخابرات، الذي كان مقرباً من الأمير محمد بن نايف، أحد منافسي ولي العهد على العرش الذي يقلق من وثائق حساسة موجودة بحوزة الجابري.
ضغوط على الجابري: تقول أسرة الجابري إن ولي العهد عمد في الشهور الأخيرة إلى زيادة الضغط على أقاربه، بما في ذلك اعتقال ابنيه البالغين، لمحاولة إرغامه على العودة إلى المملكة من منفاه في كندا.
وكالة رويترز نقلت عن أربعة مصادر مطلعة – لم تذكر اسمها – قولها إن أنظار ولي العهد الأمير محمد تنصب على وثائق متاحة للجابري وتتضمن معلومات حساسة، يريدها الأمير لسببين أحدهما لصالحه، والثاني لقلقه منها.
في هذا السياق، أوضحت المصادر أن ولي العهد يعتقد أن بإمكانه استخدام الوثائق الموجودة بحوزة الجابري ضد منافسيه الحاليين على العرش، لكنه يخشى أيضاً أن تتضمن هذه الوثائق معلومات إضافية قد تمسه هو ووالده الملك.
يقول مصدران سعوديان مطلعان ومسؤول سابق في الأمن الإقليمي، لوكالة رويترز، إن "الوثائق تتضمن معلومات عن أرصدة وممتلكات الأمير محمد بن نايف في الخارج، وهو ما قد يفيد الأمير محمد بن سلمان في الضغط على سلفه".
ويؤكد أحد المصدرين السعوديين المطلعين لرويترز أن ولي العهد يريد توجيه اتهامات إلى الأمير محمد بن نايف تتعلق بمزاعم فساد، خلال الفترة التي كان الأمير يتولى فيها وزارة الداخلية، وأضاف المصدر: "يريدون الجابري منذ فترة طويلة باعتباره ذراع الأمير محمد بن نايف اليمنى".
أضاف المصدر ومسؤول الأمن الإقليمي السابق ودبلوماسي أن هناك أيضاً "ملفات حساسة متاحة للجابري تتعلق بالمعاملات المالية لأفراد كبار في الأسرة الحاكمة من بينهم الملك سلمان وابنه ولي العهد".
وبحسب الدبلوماسي – لم تكشف رويترز عن اسمه – فإن بعض المعلومات تتعلق بصفقات أراض ومعاملات، لكنه اكتفى بالقول: "إنها تتعلق بالملك سلمان في الفترة التي كان فيها أميراً للرياض، وهو منصب أمضى فيه قرابة أربعة عقود قبل ارتقاء العرش في عام 2015".
علاقة الجابري بمحمد بن نايف: ظل الجابري لفترة طويلة مساعداً للأمير محمد بن نايف الذي كان ولياً للعهد، وأطيح به من ولاية العهد عام 2017، ليصبح الأمير محمد حاكماً فعلياً للسعودية أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم وأحد الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة.
في السادس من مارس/آذار 2020، اعتقلت السلطات السعودية بن نايف واثنين آخرين من كبار أفراد الأسرة الحاكمة في أحدث حلقة من سلسلة من الإجراءات الاستثنائية التي تهدف فيما يبدو إلى تعزيز نفوذ الأمير محمد بن سلمان، داخل أسرة آل سعود الحاكمة والتخلص مما قد يبدو تهديداً لسلطته، قبل أن يخلف الملك سلمان (85 عاماً) سواء بوفاته أو بتنازله عن العرش.
أيضاً في ذلك الشهر تم اعتقال عدد كبير من كبار المسؤولين في وزارة الداخلية، بحسب ما ذكره اثنان من المصادر المطلعة على الوضع، وهما من السعوديين ممن لهم صلات بذوي الشأن.
وتقول أسرة الجابري إنه بعد أيام من اعتقال الأمير محمد بن نايف ألقت السلطات السعودية القبض على اثنين من أبناء الجابري، هما عمر (21 عاماً) وسارة (20 عاماً) في مداهمة ساعة الفجر لبيت الأسرة في العاصمة الرياض.
أعقب ذلك اعتقال شقيق الجابري في أوائل مايو/أيار 2020، وأكد ثلاثة من المصادر المطلعة على الأمر احتجاز أقارب الجابري.
تتحدث أسرة الجابري إضافة إلى أحد المصدرين السعوديين المطلعين، عن أن السلطات السعودية "اتهمت الجابري بالفساد لكنها لم تسهب في الحديث عن طبيعة الاتهامات"، لكن العائلة تقول إن "هذه الاتهامات زائفة"، وقالت رويترز إن سعد الجابري امتنع عن التعليق من خلال ابنه.
ملفات الجابري المُقلقة: تكتسب المعلومات التي بحوزة الجابري أهمية كبيرة، لكونه عمل على مدى ما يقرب من عقدين من الزمن عن كثب مع الأمير محمد بن نايف، وساعد في إصلاح عمليات المخابرات ومكافحة الإرهاب وبناء علاقات وثيقة مع المسؤولين الغربيين.
قال مسؤول الأمن الإقليمي السابق: "كانت عنده كل الملفات عن كل شيء وعن كل واحد"، وأضاف أن الجابري كان ينسق العلاقات بين المخابرات السعودية ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية (التي امتنعت عن التعليق).
وعندما تولى الملك سلمان العرش في يناير/كانون الثاني 2015، عيّن الجابري في منصب وزير دولة، وأصبح الأمير محمد بن نايف ولياً للعهد في أبريل/نيسان 2015.
يقول ابن الجابري (خالد) والدبلوماسي ومسؤول الأمن الإقليمي السابق ومصدر سابق بالمخابرات الغربية، إن معرفة الجابري العميقة ببعض من أشد المعلومات حساسية في المملكة، وكذلك شعبيته في الدوائر السياسية الغربية وبين بعض من قدامى مسؤولي الأمن في السعودية جعلتا منه هدفاً.
يتحدث الدبلوماسي أيضاً عن أن من الممكن أن يُعتبر الجابري مصدر تهديد للأمير محمد بن سلمان إذا أخفق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الفوز بفترة رئاسية ثانية، إذ إن الرئيس ترامب دافع عن العلاقات الاستراتيجية مع المملكة في مجالي الدفاع والطاقة خلال الضجة العالمية التي أثارها مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
تدهور العلاقات: ويروي خالد، ابن سعد الجابري، كيف أن العلاقات في ذلك الوقت بين والده والأمير محمد بن سلمان "كانت طيبة فعلاً في البداية"، لكنها سرعان ما ساءت وساهم في ذلك خصوم مقربون من الأمير محمد، زعموا أن الجابري عضو في جماعة الإخوان المسلمين. وتنفي الأسرة بشدة صحة هذا الزعم.
وأضاف خالد الجابري، الذي يعيش الآن في كندا مع والده، أن والده علم بعد أربعة أشهر في أغسطس/آب من عام 2015 بعزله من منصبه عن طريق التلفزيون السعودي، وأصبح سعد الجابري مستشاراً شخصياً للأمير محمد بن نايف، وهو منصب ظل يشغله حتى الإطاحة بالأمير من منصبي ولي العهد ووزير الداخلية في يونيو/حزيران 2017.
ووصف المصدران السعوديان المطلعان والدبلوماسي الجابري بأنه شديد الولاء للأمير محمد بن نايف.
يشير خالد الجابري إلى أن السلطات السعودية بذلت منذ انتقل سعد الجابري إلى كندا في 2017 محاولات متكررة لإغرائه بالعودة للمملكة سواء مباشرة أو عن طريق وسطاء، موضحاً أن الأمير محمد بن سلمان قدم عرضاً لوالده للسماح لابنه وابنته بالسفر مقابل عودته.
أضاف الجابري أن شقيقه وشقيقته مُنعا من مغادرة المملكة منذ أكثر من عامين قبل اعتقالهما وإن السلطات استجوبتهما أكثر من مرة للسؤال عن والدهما.
من جانبها، تقول الأسرة إنها لا تعلم مكان احتجاز الاثنين وعاجزة عن التواصل معهما. ويقول خالد: "كل مرة نسأل فيها أشخاصاً في الداخل (بالسعودية) يقال لنا إن الأمير محمد بن سلمان يتولى أمر احتجازهما بنفسه ولا تتعب نفسك بالسؤال عن التفاصيل".
قلق أمريكي: أثارت واشنطن قضية احتجاز ابن الجابري وابنته مع القيادة السعودية، وفقاً لما قاله مسؤول أمريكي لرويترز لم تكشف عن هويته، مضيفاً أن "العديد من مسؤولي الحكومة الأمريكية عملوا مباشرة مع الجابري لفترة طويلة وإنه كان شريكاً قوياً جداً جداً في مكافحة الإرهاب".
يذكر مسؤول أمريكي ثان في واشنطن أن الولايات المتحدة على اتصال بأسرة الجابري في كندا، وإنها "تستكشف سبل المساعدة"، مضيفاً: "نحن نشعر بقلق عميق لتقارير احتجاز أولاد الجابري، وندين بشدة أي اضطهاد قائم على الظلم لأفراد الأسرة مهما كانت الاتهامات الموجهة للجابري".
من جانبها، قالت سيرين خوري، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الكندية، إن كندا تشعر بالقلق أيضاً لاحتجاز أولاد الجابري. ولم تخُض في تفاصيل عما إذا كانت كندا تأخذ خطوات معينة.
بدورها، قالت أسرة الجابري إنها طلبت المساعدة من أعضاء في الكونغرس الأمريكي. وقال مكتبا السيناتور ماركو روبيو والسيناتور باتريك ليهي إن عضوي مجلس الشيوخ تحدثا مع أسرة الجابري.
كذلك قال تيم ريزر، أحد كبار مساعدى السيناتور الديمقراطي ليهي في شؤون السياسة الخارجية، إن أعضاء في الكونغرس يشعرون بالقلق "من اختفاء الشابين بعد أن ألقت قوات الأمن السعودية القبض عليهما".