البشر موجودون على سطح الأرض منذ حوالي 50 ألف عام، وتُقدّر أعداد البشر على مر العصور بأكثر من 108 مليارات شخص، لكن من بين هذا العدد الضخم، لم يطأ سطح القمر بأقدامهم سوى 12 شخصاً فقط (حتى الآن)، بعد أول رحلة أوصلت الإنسان إلى سطح القمر؛ أبولو 11.
ففي يوليو/تموز من عام 1969، أرسلت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا رحلة أبولو 11 برائدي الفضاء نيل أرمسترونغ وإدوين "بز" ألدرن، ونجحت في مهمتها الوصول إلى القمر ثم عادت بسلام إلى الأرض، وبعدها، أرسلت ناسا 6 بعثات أخرى تابعة لبرنامج أبولو؛ حققت كل بعثة منهم اكتشافات جديدة وخلقت تحديات جديدة، رغم أن رواد هذه البعثات لم يطأوا جميعاً سطح القمر.
لذلك، قدمت مجلة Science الأمريكية ملخصاً لكل رحلة من رحلات أبولو الست التالية، بعد 51 عاماً من صعود أول إنسان على سطح القمر.
ثالث ورابع مَن يطأ القمر في أبولو 12
تاريخ الرحلة: (14-24 نوفمبر/تشرين الثاني 1969)
أجبرت مشكلة تقنية غير متوقعة نيل أرمسترونغ على الهبوط بالنسر (مركبة الهبوط القمرية لبعثة أبولو 11) بعيداً عن هدفها بمسافة 6.4 كيلومتر، وكان ذلك مزعجاً. إذ يعني هذا أن رواد الفضاء يحتاجون في المستقبل إلى الهبوط بمركباتهم القمرية في الموقع المحدد بدقة، خشية أن يتجاوزوا المناطق ذات الأهمية العلمية.
ولحُسن الحظ تمكن رائدا فضاء بعثة "أبولو 12″، بت كونراد وألان بين، من الهبوط حيث كان يُفترض بهم تماماً. وبمساعدة نظام توجيه متطور، تمكن الثنائي من إيقاف المركبة القمرية، إنتربيد، على بعد 200 متر من المركبة الفضائية غير المأهولة، سيرفيور 3، القابعة على سطح القمر منذ عام 1967. وهذا ما كانت تهدف إليه وكالة ناسا بالضبط. وعلى المدار الساعات الـ 31 التالية، جهّز كونراد وبين أدوات علمية وجمعوا عينات صخرية من سهل بازلتي أطلقوا عليه "محيط العواصف".
إلا أنه لم تكن كل الأمور يسيرة أمام بعثة أبولو 12. فأثناء أول عملية إقلاع للطاقم من رأس كانافيرال، فلوريدا، ضرب البرق صاروخ البعثة. ولكن مقارنة بما حدث لبعثة أبولو 13، لم يكن ذلك سوى مطب بسيط على طول الطريق.
رحلة لم تكتمل: ثلاثة رواد في أبولو 13
تاريخ الرحلة: (11-17 أبريل/نيسان 1970)
وجد جيم لوفيل، رائد الفضاء المخضرم في بعثة أبولو 8 التاريخية، نفسه متوجهاً إلى القمر مجدداً عام 1970، هذه المرة بصفته قائداً لبعثة أبولو 13. كان الهدف الرئيسي لبعثته الجديدة هو التنسيق للهبوط على فوهة فرا ماورو شديدة الانحدار. وكان من المفترض أن يستكشف لوفيل، برفقة زملائه رائدي الفضاء فريد هايس وجون سويغيرت، المنطقة سيراً على الأقدام ويقيموا الوجهات المحتملة للبعثات المستقبلية.
ولكن لم يحدث ذلك. بعد حوالي 55 ساعة، و53 دقيقة، و18 ثانية من بدء الرحلة، تسبب الضغط على أحد الأزرار بشكل غير متوقع في انفجار خزان الأوكسجين في وحدة الخدمة. وبعد وقت قصير، فقد المحرك المياه، والطاقة الكهربائية، ونظام الدفع والأوكسجين. حدث كل ذلك عندما كان الطاقم على مسافة 321,868 كيلومتراً من سطح الأرض.
اضطرت البعثة إلى إلغاء الهبوط المقرر على سطح القمر، وأصبح التركيز منصباً على التوصل إلى طريقة لإعادة لوفيل ورفاقه إلى الأرض. وبفضل جهود وكالة ناسا الأسطورية، عاد الرجال إلى الأرض سالمين. قضى رواد الفضاء الجزء الأكبر من رحلة العودة متكدسين داخل المركبة القمرية، التي تحولت إلى قارب نجاة فضائي. وفي الطريق، دار رواد الفضاء بالمركبة حول الجزء البعيد من القمر.
رحلة لعب الغولف: خامس وسادس مَن يطأ القمر في أبولو 14
تاريخ الرحلة: (31 يناير/كانون الثاني – 9 فبراير/شباط 1971)
كانت هناك العديد من الشكوك التي أحاطت بألان شيبارد. بعد 10 سنوات من كونه أول أمريكي يزور الفضاء، كان على شيبارد أن يتولى قيادة البعثة أبولو 14. ولكن في عمر الـ 47، كان بعض زملائه يعتقدون أن عمره غير مناسب لمثل هذه المهمة، لكنه أقلع بالفعل برفقة رائدي الفضاء إدغار ميتشيل، وستوارت روزا.
وخلال هبوط المركبة القمرية، كانت هناك هفوة حاسوبية في اللحظة الأخيرة كادت أن تُجبر شيبارد على إجهاض عملية الهبوط. ولكن تمكن المبرمج دون إيلز من التدخل وإنقاذ المهمة من خلال بث تسلسل أوامر مرتجلة إلى الطاقم سهلت عملية الهبوط.
وبفضل سرعة بديهة إيلز، وصل شيبارد ورفيقه إدغار ميتشيل إلى وجهتهما؛ فوهة فرا ماورو غير المكتشفة في ذلك الوقت. وتمكنا معاً من جمع ما يقرب من 46 كيلوغراماً من عينات الصخور والتربة. ولكن أكثر ما يتذكره الناس عن بعثة أبولو 14 هو "الغولف". في مرحلة ما، أمسك شيبارد مضرب غولف ستة المعدّل وضرب كرتي غولف على سطح القمر.
سابع وثامن السائرين على القمر في أبولو 15: 18 ساعة على سطح القمر
تاريخ الرحلة: (26 يوليو/تموز – 7 أغسطس/آب 1971)
بإمدادات الأوكسجين المحدودة، لم يتمكن نيل أرمسترونغ وغيره من السائرين على سطح القمر من المغامرة بعيداً عن مركباتهم القمرية. ولهذا السبب كانت وكالة ناسا متحمسة لإطلاق المركبة القمرية، عربة كهربائية رباعية العجلات، لأول مرة في بعثة أبولو 15 مع رواد الفضاء الثلاثة: ديفيد سكوت، وألفريد وردن، وجيمس إروين.
وفي 30 يوليو/تموز 1971، دخل ديفيد سكوت وجيمس إروين كتب التاريخ بوصفهما سابع وثامن الرجال السائرين على سطح القمر، على الترتيب. ولكنهما أصبحا أيضاً أول بشر يقودون مركبة على سطح القمر. وتمكن الثنائي من تغطية مسافة 28 كيلومتراً من سطح القمر داخل العربة القمرية، ما مكنهم من جمع نطاق أوسع من العينات الجيولوجية.
ووفقاً لتوجيهات ناسا، عملا أيضاً على تسجيل نشاط جديد خارج المركبة؛ وهو أي نشاط يتطلب من رائد الفضاء قضاء وقت خارج مركبته الفضائية بعد مغادرة الغلاف الجوي الأرضي.
وأصبحت أبولو 15 أول بعثة تتضمن أكثر من نشاطين خارج المركبة على سطح القمر. وخلال الأنشطة الثلاثة خارج المركبة المقررة لهما، قضى سكوت وإروين ما إجماله أكثر من 18 ساعة من التنقل على سطح القمر.
التاسع والعاشر في أوبلو 16: شتائم في ميكروفون مفتوح
تاريخ الرحلة: (16-27 أبريل/نيسان 1972)
واجهت بعثة أبولو 16 بعض الصعوبات. من بينها تسرب الهيليوم في المدار القريب من الأرض وعطل أثّر على نظام دفع المركبة القمرية. ولكن أبرز الأحداث كانت عندما تلفّظ القائد جون يونغ بالشتائم دون قصد في ميكروفون "مفتوح" عندما تعرض لنوبة من انتفاخات وغازات البطن على سطح القمر في الرحلة التي شاركه فيها رائدا الفضاء تشارلز دوك جونيورز، وتوماس ماتينغلي الثاني. (خرج تشارلز فقط إلى سطح القمر مع يونغ)
ولكن دعونا لا نغفل إنجازات البعثة. في الواقع، قدم يونغ وتشارلز دوك، طيار المركبة القمرية، خدمة جليلة للمجتمع العلمي؛ إذ أثبتت عينات المدملكات (البريشة) التي جمعاها أن مرتفعات فوهة كايلي على سطح القمر لم تكن بسبب البراكين، وهو الاعتقاد السائد في ذلك الوقت. ومثل أسلافهما، استخدم يونغ ودوك العربة القمرية وقادا مسافة 26.7 كيلومتر.
آخر من وطأ القمر في أبولو 17: رسالة وداع بعد 22 ساعة
تاريخ الرحلة: (7-19 ديسمبر/كانون الأول 1972)
قبل العالم الجيولوجي وعضو مجلس الشيوخ المستقبلي هاريسون "جاك" شميت، لم يسبق لوكالة ناسا أن أرسلت عالماً محترفاً إلى القمر. ومن أجل الاستعداد لرحلته القمرية، قضى شميت 53 أسبوعاً في التدريب على الطيران بقاعدة ويليامز الجوية مع رواد الفضاء الذين شاركوه الرحلة يوجين "جين" سيرنان، ورونالد إيفانز.
واستفادت بعثة أبولو 17 من مجال خبرة شميت؛ إذ جمع هو وقائد البعثة، جين سيرنان، حوالي 113 كيلوغراماً من عينات الصخور في وادي تاروس ليترو. وحققا رقماً غير مسبوق للأنشطة خارج المركبة بقضاء 22 ساعة، و3 دقائق، و57 ثانية.
وكانت هذه آخر بعثات أبولو على سطح القمر. وكان سيرنان، الذي توفي عام 2017، آخر من سار على سطح القمر، إلا أن ناسا تأمل في إرسال مجموعة جديدة من رواد الفضاء في 2024. وإدراكاً للقيمة التاريخية لمغادرتهم، ترك طاقم بعثة أبولو 17 لوحة تذكارية وراءهم. عندما دنت نهاية مهمتهم على سطح القمر، قال سيرنان: "سنرحل كما جئنا، وبعون الله سنعود، بالسلامة والأمل للبشرية. الله يرعى طاقم أبولو 17".