قال المبعوث الأمريكي إلى سوريا، جيمس جيفري، الأحد 7 يونيو/حزيران 2020، إن بلاده قدّمت عرضاً لرئيس النظام بشار الأسد للخروج من أزمة الانهيار المتسارع الذي تشهده الليرة والاقتصاد السوري، وذلك قبل أيام من تطبيق قانون قيصر الذي يضيّق الخناق على النظام. وعزا جيفري تراجع قيمة العملة إلى الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة.
وضع صعب للأسد: جيفري وفي تصريحات أدلى بها خلال لقائه مع منظمتي American for free syria" و "Syrian American council" السوريتين في أمريكا، قال إن الانهيار الحاصل في الليرة السورية "دليل على أن روسيا وإيران لم تعودا قادرتين على تعويم النظام".
أشار جيفري في هذا السياق إلى أن بلاده قدمت للأسد طريقة للخروج من هذه الأزمة، وأنه إذا "كان مهتماً بشعبه فسيقبل العرض"، موضحاً أن واشنطن "تريد أن ترى عملية سياسية ومن الممكن ألا تقود إلى تغيير للنظام، فهي تطالب بتغيير سلوكه وعدم تأمينه مأوى للمنظمات الإرهابية، وعدم تأمينه قاعدة لإيران لبسط هيمنتها على المنطقة".
تأتي تصريحات جيفري مع وصول قيمة الدولار في سوريا، الإثنين 8 يونيو/حزيران 2020، إلى 3100 ليرة، وهو انهيار تاريخي يضع النظام تحت ضغوط اقتصادية كبيرة، وبحسب جيفري فإن النظام لم يعد بدوره قادراً على تبييض الأموال في المصارف اللبنانية التي تعاني هي أيضاً من أزمة.
كذلك عزا جيفري انهيار الاقتصاد في سوريا إلى أن الأسد اتخذ منذ عام قراراً بوضع أغلب أموال الدولة السورية من أجل عملية عسكرية على إدلب، وقال إن "تلك المعركة أدت لانهيار كبير للنظام اقتصادياً وعسكرياً. النظام هو من يقرر كيف يصرف أمواله وبالتأكيد هو لا يتصرف لمصلحة المواطن السوري العادي".
وفي مؤشر على مزيد من الضغط على الأسد، قال جيفري إن واشنطن لن تسهم في إعادة إعمار سوريا دون التوصل إلى حل سياسي، وإن بلاده "لن تدفع المال لإعادة ما قامت به روسيا وإيران من تدمير"، لافتاً في ذات الوقت إلى أن أوروبا تتشارك مع الولايات المتحدة في هذا الموقف.
على الصعيد السياسي أيضاً، قال جيفري إن واشنطن على اتصال مع الروس لـ"إقناعهم بأن هنالك حلاً للأزمة السورية من دون الأسد عن طريق الطرق الدبلوماسية".
4 أهداف لأمريكا في سوريا: لخّص جيفري ملامح السياسة الأمريكية في سوريا بـ 4 أهداف:
– عملية سياسية تؤدي إلى تغيير سلوك النظام.
– الأمم المتحدة هي القائد للعملية السياسية وواشنطن تدعمها.
– هزيمة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
– انسحاب إيران من سوريا.
في السياق ذاته، أكد جيفري أن أمريكا تنوي حالياً الإبقاء على قواتها في سوريا، ووصف جيفري الأسد بأنه مجرم وينبغي معاقبته على الجرائم التي ارتُكبت ضد الإنسانية، من استخدام السلاح الكيماوي، والانتهاكات بالمعتقلات وعمليات التهجير التي لحقت بالسوريين.
قانون قيصر: تأتي تصريحات جيفري قبل 10 أيام من بدء تطبيق قانون "قيصر" الذي أقرّته أمريكا لمعاقبة نظام الأسد، وينص على فرض عقوبات اقتصادية، على أركان النظام وداعميه الإيرانيين والروس، وكل شخص أو جهة، أو دولة تتعامل معه، وتعتبر هذه العقوبات في حال تطبيقها، الحد الأعلى ما دون التدخل العسكري المباشر، الذي يمكن أن يتعرض له النظام.
في تهديد شديد اللهجة، حذر جيفري الدول التي ستتواصل مع نظام الأسد علناً أو خفية بعد بدء تطبيق قانون "قيصر"، وقال موجهاً كلامها لها إن "العقوبات ستشمل أي مؤسسة في بلدكم تدعم النظام، وستؤثر على سُمعة بلدكم ولا يوجد طريق لتجنب العقوبات".
أما عن تأثير القانون على المواطنين السوريين، فقال جيفري إن "تطبيق قانون العقوبات الجديد سيكون على الأشخاص، والمرتبطين بالنظام، وسيكون هناك دعم اقتصادي وإنساني أوسع في الأيام القادمة".
أضاف جيفري أن "قانون قيصر يعطينا الصلاحية لتطبيقه بطريقة تناسب سياستنا ومصلحتنا، وتحقق هدفنا بالانتقال السياسي ضمن القرارات الدولية، وسنستخدمه ضد كل من يدعم الأسد عسكرياً، واقتصادياً وفي مناطق سيطرة النظام".
كذلك تعهّد المسؤول الأمريكي بأن واشنطن لن تسمح بتطبيع العلاقات مع الأسد، وحذر ثانية بالقول: "سنفرض عقوبات على الأشخاص الذين يسمحون للنظام أن يستمر".
ما هو قانون قيصر؟ تشريع أمريكي تمت المصادقة عليه في مجلس الشيوخ الأمريكي، وسُمي "قيصر" نسبة إلى اسم المصور العسكري السوري السابق المُلقب بقيصر، والذي انشق عن نظام الأسد عام 2014، وسرّب 55 ألف صورة لـ11 ألف سجين قُتلوا تحت التعذيب، واستخدم هذا الاسم ليخفي هويته الحقيقية.
وأثارت صوره التي أظهرت جثثاً لأشخاص ملقين على الأرض ماتوا تحت التعذيب في سجون الأسد، ردود فعل غاضبة بأوروبا وأمريكا، حيث تم عرضها في مبنى الاتحاد الأوروبي في بروكسل، وبمجلس النواب الأمريكي، كما حضر قيصر شخصياً إلى مجلس النواب الأمريكي أكثر من مرة، وتحدث هناك عن معاناة السجناء في سجون نظام الأسد، وأوضاع السوريين عموماً.
صحيح أن قانون قيصر يستهدف نظام الأسد بشكل رئيسي، إلا أنه يضع روسيا وإيران وجهاً لوجه أمام العقوبات الأمريكية، خصوصاً أنه يصاحب حملة ضغط شديدة الوتيرة ضد إيران.
لذلك يبدو أن قانون قيصر مهيأ للتسبب في مزيد من الاختناق للنظام وعزله عن النظام العالمي وتوسيع قدرة أمريكا بشكل كبير على معاقبة الفاعلين الذين يشاركون في مساندة نظام الأسد أو في تقديم نوع من الدعم الذي يسمح له بمواصلة عمليات القتل.
علاوةً على ذلك، فإن قانون قيصر سيوفر أيضاً لإدارة ترمب الصلاحيات لمعاقبة الحلفاء أو الكيانات الأمريكية الموجودة داخل الدول المتحالفة والذين مضوا قدماً في التعامل والانخراط مع نظام الأسد أو الاقتصاد السوري.