رغم استحواذ الخوف على مشاعر جميع المسافرين بسبب تفشي فيروس كوفيد-19، فإن عدداً من المطارات عبر العالم مازالت لم تشرع بعد في تدابير السلامة اللازمة من أجل تجنيب الناس من الإصابة بالوباء، وهو الأمر الذي تؤكده تينا، وهي مواطنة من الكونغو الديموقراطية، مقيمة بإنجلترا، وخاضت رحلة جوية من فرنسا إلى بلادها.
تروي صحيفة Financial Times البريطانية، الإثنين 25 مايو/أيار 2020، أن تينا وقفت داخل مطار شارل ديغول في باريس مع طفلتها التي تبلغ من العمر عاماً ونصف العام، في طريق عودتها إلى كينشاسا قادمةً من لندن، وقالت: "كانت الرحلة محجوزةً بالكامل، ولم تكُن هناك مقاعد خالية بيننا وبين الآخرين. ولم يتحقّقوا من درجات حرارتنا، وهذا أثار قلقي".
نهاية العهد القديم: وفق نفس التقرير، فإن كل ذلك سيتغيّر قريباً لأنّ شركة ADP المسؤولة عن إدارة المطار وضعت فحوصات درجة الحرار هذا الشهر لفحص الركاب، بالتزامن مع مسارعة صناعة الطيران لاسترداد ثقة المسافرين وإعادة فتح القطاع الذي دمّره الوباء.
كما تظهر في المطار بعض الإشارات المادية على الأشياء التي تحوّلت سريعاً إلى عادةٍ جديدة، إذ تُقسِّم علامات المسافة الاجتماعية مساحة الأرض أمام مكاتب تسجيل الوصول، وتحمل المقاعد في صالات المغادرة ملصقات تُطالب الجالسين بالحفاظ على المسافة، ويستعمل فريق خدمات المطار معدات وقاية من اللدائن لحماية أنفسهم أثناء توجيه الركاب إلى مقاعدهم، بينما تتوافر الأقنعة والمُطهّرات عند كل بوابة لأولئك الذين وجدوا الشجاعة الكافية للسفر جواً.
قال جيم هاس، مدير تسويق المنتجات في شركة Boeing، إن الهواء الموجود على متن الطائرات هو هواءٌ "خالٍ من الفيروسات" بفضل فلاتر الهواء عالي كفاءة الجسيمات (هيبا) الموجودة على متن كافة الطائرات الحديثة، وتتمتّع تلك الفلاتر بنفس الكفاءة اللازمة لتشغيل غرفة عمليات داخل مستشفى.
في حين أضافت بعض المطارات، مثل مطار هونغ كونغ، خطوة إجراء اختبار كوفيد-19 بمجرد الوصول، ومستقبلاً، ستُضاف "جوازات المناعة" إلى تدابير الأمن الحيوي المُؤقتة.
تغييرات جذرية: إذ لن تُقدّم بعض شركات الطيران الطعام بعد الآن، أو ستُقدّم مأكولات مُعبّأة مسبقاً في أفضل الأحوال، فضلاً عن إلغاء المجلات. في حين سيُمنع عملاء شركة Ryanair من الاصطفاف أمام المرحاض. بينما أدخلت شركات طيران، مثل Air France، فحوصات درجات الحرارة قبل الصعود إلى الطائرة، فالطريق لعودة الطيران إلى سابق عهده يبدو وعراً بالفعل.
إحدى المشكلات التي تُؤرّق الصناعة هي احتمالية تطبيق بعض الدول لتدابير التباعد الاجتماعي داخل المطارات وعلى متن الطائرات. لذا شعرت شركات الطيران بالارتياح الأسبوع الجاري حين لم تُؤكّد توصيات السفر الآمن من وكالة سلامة الطيران الأوروبية على ضرورة حفاظ شركات الطيران على التباعد الاجتماعي داخل الطائرات.
في حين قالت العديد من شركات الطيران إنها ستُحاول ضمان التباعد الاجتماعي في الأشهر الأولى من عودة العمليات، حين لا تكون الطائرات ممتلئةً بالكامل، لكنّ الأمر سبّب مشكلات فعلية لبعض شركات الطيران.
تأثر اقتصادي: صرّح الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا) بأنّ أيّ تحرّك لفرض التباعد الاجتماعي داخل الطائرات "سيُؤثّر تأثيراً جذرياً" على الاقتصاد، عن طريق خفض عامل الحمولة القصوى إلى 62%، أي أقل من متوسّط عامل التعادل للحمولة الذي يصل إلى 77%.
هذا من شأنه أن يُؤدّي في النهاية إلى زيادة أسعار التذاكر، مع توقعات إياتا بأن تزداد الأسعار بنحو 54% مقارنةً بعام 2019 لتغطية التكاليف.
كما تُواجه المطارات أزمة مماثلة. إذ ربما يكون التباعد الاجتماعي مُتاحاً في بعض المناطق، لكن منظمة ACI Europe حذّرت من أنّ تطبيق التباعد الصارم في كافة العمليات التشغيلية سيخفض قدرة المطارات إلى 20% أو 40% من القدرة الكلية.
إذ ستكون الطوابير أمام مكاتب الأمن طويلةً للغاية. فمثلاً، سنجد أنّ طائرة تحمل 189 راكباً سيخرج منها طابور أمني واحد يمتد لـ380 متراً.
فيما تقول وكالة سلامة الطيران الأوروبية إنه في حال عدم إمكانية تطبيق التباعد الاجتماعي لمتر ونصف على الأقل، نتيجة قيود البنية التحتية أو القيود التشغيلية؛ فيتعيّن على مُشغّلي المطارات تطبيق تدابير إضافية لتخفيف المخاطر مثل نظافة اليدين وآداب التنفّس.
لكن عدم اليقين سيُواصل الإلقاء بظلاله على الهيكل بعيد المدى لسوق الطيران العالمي، حتى في أعقاب استئناف الرحلات الجوية. كما سيتعيّن على شركات الطيران وخطوط الطيران إعادة تقييم حجم العمليات في مواجهة العودة البطيئة والصعبة، التي قد تستغرق فترةً تصل إلى ثلاث سنوات من أجل العودة إلى معدلات السفر قبل كوفيد-19. إذ أعلنت شركة British Airways خططها لتخفيض قوتها العاملة -التي تُقدّر بـ42 ألف شخص، بنسبةٍ تصل إلى 30%، في حين تُفكّر شركة Ryanair في خفض عمالتها بنسبة 15%.
تراجع مخيف: كما يشعر رؤساء شركات الطيران بالقلق حيال الطلب على تذاكر ورحلات رجال الأعمال، التي تُعَد من أكثر الخدمات إدراراً للأرباح.
إذ قدّر بحثٌ أجرته شركة Citi أنّ سفر الشركات سيتراجع بنسبة 25% مقارنةً بمعدلات عام 2019، نتيجة انتشار الاجتماعات الافتراضية وتفاوت قواعد الحجر الصحي والقواعد الحدودية التي ستُفرض خلال المستقبل القريب.
يعتقد شاشانك نيغام، الرئيس التنفيذي لشركة SimpliFlying الاستشارية، أنّ شركات الطيران ربما تُضطّر للتفكير في زيادة الأرباح بشكلٍ مُبتكر، بدءاً من تقديم خدمات الاشتراك ووصولاً إلى توفير طائرات بمقاعد أكثر في الدرجات الاقتصادية المميزة، ما سيسمح للناس بالحفاظ على التباعد الاجتماعي مع دفع تكلفة أكبر قليلاً من الأسعار الاقتصادية.
في حين قال إد باستيان، الرئيس التنفيذي لشركة Delta Air Lines، للمستثمرين الشهر الماضي: "سيكون هناك تأثير؛ لأن الجميع يستمتعون بالاجتماعات عبر تطبيق Zoom. أنا لا أستمتع بها، ولكن البعض يفعل. وربما يُؤثّر ذلك على طبيعة السفر بعض الشيء. لكن الأعمال التجارية يجب أن تُجرى وجهاً لوجه لأنّ الناس يستمتعون بالتجارب. وكل الأشياء التي شهدناها دفعت بالناس، في رأيي، إلى افتقاد السفر أكثر من أي وقت مضى قبل مرحلة الإغلاق. لذا سوف نعود".