بدأ السعوديون مرحلة جديدة في حياتهم، وجدوا فيها أنفسهم مضطرين إلى التقشف، بسبب إجراءات الحكومة الأخيرة التي نصت على زيادة الضريبة، وإلغاء بدلات غلاء المعيشة، وذلك بسبب تأثر الاقتصاد سلباً من جائحة فيروس كورونا، بالإضافة إلى انخفاض أسعار النفط الذي يمثل ركناً أساسياً لاقتصاد المملكة.
قرارات قاسية: كانت المملكة قد أعلنت زيادة ضريبة القيمة المضافة بمقدار ثلاثة أضعاف، ابتداء من يوليو/تموز 2020، وأوقفت علاوة شهرية لموظفي الدولة اعتباراً من يونيو/حزيران 2020، مع انهيار أسعار النفط، بينما تتجه في نفس الوقت إلى شراء أصول خارجية بما في ذلك ناد إنجليزي لكرة القدم.
تؤكد هذه الخطوة المفاجئة على استراتيجية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان المحفوفة بالمخاطر، للحد من نظام الرفاهية الاجتماعية السخي سابقاً، تاركاً معظم الشباب في مواجهة واقع جديد يتسم بدخل أكثر انخفاضاً وفرص توظيف أقل، مع ما يتبعه من تراجع في أسلوب العيش، وفقاً لوكالة الأنباء الفرنسية.
هذه التغييرات التي تعيشها المملكة قد تغذي شعوراً بالاستياء العام، وتشدد الضغوط على عقد اجتماعي معتمد منذ عقود، حين كان المواطنون ينعمون بالإعانات والمساعدات المعفاة من الضرائب في مقابل الولاء للحكم القائم.
مزيد من المتاعب: من بين السعوديين المتضررين من قرار الحكومة، عبدالله الذي كان يعمل في أماكن عدة لتسديد قرضين مصرفيين، آملاً تحقيق حلمه ببناء منزله الخاص، لكن تداعيات الإجراءات المُتَّخذة في السعودية لاحتواء فيروس كورونا المستجد تكاد تقضي على كل طموحاته.
كان لِما حدث وقع قاس على عبدالله البالغ من العمر 40 عاماً والأب لثلاثة أطفال، بدءاً من اعتماد ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% في عام 2018، والإلغاء التدريجي الواضح لسياسة حكومية طويلة الأمد لتقديم قروض إسكان بدون فوائد، من بين العديد من الإعانات التي تلاشت شيئاً فشيئاً في السنوات الأخيرة.
لذا وأمام عدم كفاية راتبه الحكومي، اتجه عبدالله لأداء أعمال صغيرة، بما في ذلك تقديم خدمات السباكة والعمل كسائق سيارة أجرة عبر تطبيق هاتفي، بعد أن حصل على قرض عقاري ثانٍ لبناء منزل في ضواحي الرياض.
حالياً، ستؤدي زيادة ضريبة القيمة المضافة إلى زيادة تكلفة جميع مكونات البناء من الأسمنت إلى الطوب وحديد التسليح، وفرض أعباء إضافية على عبدالله الذي فضل الاكتفاء بذكر اسمه الأول للوكالة الفرنسية.
يقول عبدالله، الذي لا يعرف إن كان سيتمكن من إتمام بناء منزله: "لقد ارتفعت كلفة مواد البناء الباهظة الثمن مع مضاعفة ضريبة القيمة المضافة".
اشتياق لـ"العقد السحري": يشعر العديد من السعوديين بالحنين لما تسميه الخبيرة بالشؤون السعودية كارين يانغ "العقد السحري" بين عامي 2003 و2014، عندما راكمت المملكة ثروة نفطية مذهلة انعكست في زيادة رفاهية مواطنيها.
كذلك فإنه من المرجح أن يؤدي تقليص سخاء الدولة إلى تقليل الاستهلاك، إذ تتوقع الشركات انخفاض مبيعات كل شيء، من السيارات إلى مستحضرات التجميل والأجهزة المنزلية.
في هذا السياق، قالت الباحثة يانغ في معهد "أميركان إنتربرايز": "إن تكلفة المعيشة ارتفعت أكثر بكثير بالنسبة للأسرة السعودية المتوسطة. إن الآثار غير المباشرة (…) (ستلحق الضرر) بنمو أعمال القطاع الخاص".
أضافت يانغ أن "ضريبة القيمة المضافة ستزيد نفقات الأسرة، من الغذاء إلى السكن والمياه والكهرباء وفواتير المطاعم والنقل والتعليم والصحة".
كما تخاطر المملكة بأن تصبح أقل قدرة على المنافسة، مقارنة بدول الخليج الأخرى التي اعتمدت ضريبة القيمة المضافة في الوقت نفسه، لكنها امتنعت حتى الآن عن رفعها إلى أكثر من 5%.
ومع ذلك، فإن لدى المملكة العربية السعودية خيارات محدودة؛ إذ تعاني ميزانية الدولة كثيراً من جراء انخفاض عائدات النفط، بالإضافة إلى أزمة فيروس كورونا المستجد التي شلّت عملياً الاقتصاد المحلي.
كانت شركة النفط العملاقة أرامكو التي توفر السيولة للمملكة قد سجلت انخفاضاً بنسبة 25% في أرباح الربع الأول من العام 2020، فيما يتوقع أن تكون بقية العام أصعب من حيث استمرار انخفاض الإيرادات.
إضافة لذلك فإن إجراءات التقشف التي تبلغ قيمتها 27 مليار دولار لن تحل سوى جزء من العجز الكبير في الميزانية، المتوقع أن يرتفع إلى مستوى قياسي يبلغ 112 مليار دولار هذا العام.
تشير الوكالة الفرنسية إلى أن الحكومة "حريصة على عدم خفض الوظائف العامة والرواتب، وسط ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب بالفعل، حيث يعمل ما يقرب من ثلثي السعوديين في مؤسسات حكومية، وتشكل فاتورة أجور القطاع العام ما يقرب من نصف النفقات الحكومية ككل.
إجراء محفوف بالمخاطر: وفي حين أن الحكومة خفضت بدل "تكلفة المعيشة" الذي كان يحصل عليه موظفو الدولة، فقد حافظت على بدل شهري آخر يُعرف باسم "حساب المواطن" يستفيد منه نحو 12 مليون سعودي ويكلف سنوياً مليارات الدولارات.
كوينتن دو بيمودان من معهد أبحاث الدراسات الأوروبية والأمريكية، يقول "إن قطع الإعانات في الوقت الذي يعاني فيه الناس من شح اقتصادي خطوة محفوفة بالمخاطر. لتجنب حدوث رد فعل عنيف، فإن السعودية تلغي بدلاً فيما تحافظ على الآخر على الرغم من أنها لا تستطيع تحمل تكاليف أي منهما".
كانت صحيفة "عكاظ" الموالية للحكومة، قالت إن إجراءات التقشف تشمل خفض 8 مليارات دولار من برنامج "رؤية 2030″، وهي خطة طموحة طرحها الأمير محمد لتنويع الاقتصاد المعتمد على النفط.
لكن ما زال من غير الواضح ما إذا كان ذلك سيشمل مشروع مدينة "نيوم" الضخم بقيمة 500 مليار دولار، والذي يحلم بإقامته على الساحل الغربي للمملكة.
ودفعت إجراءات التقشف البعض، مثل عبدالله، إلى طرح أسئلة بشأن الإنفاق الحكومي الطائل على الترفيه والفعاليات الرياضية المذهلة، وهي جزء من تنويع اقتصادي بطيء لكنه مُكلف.
كما تثير تساؤلات فورة الإنفاق الأخيرة التي أعلن عنها صندوق الاستثمار العام السعودي. ويشمل ذلك مبلغاً مقترحاً بقيمة 372 مليون دولار لشراء نادي نيوكاسل يونايتد لكرة القدم، وحصة بقيمة 775 مليون دولار في مشغل الرحلات البحرية كرنفال واستثمار بقيمة 450 مليون دولار في شركة "لايف نيشن" المنظمة للفعاليات في هوليوود.