قالت تقارير إن الحكومة الروسية تستغل الطلاب الأفارقة الذين يدرسون فيها، ليكونوا نواة لجان إلكترونية تقوم على مهاجمة الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة الأمريكية، واتهامه ورموزه بالمسؤولية المباشرة عن نشر فيروس كورونا حول العالم.
تجربة لطالب نيجيري في روسيا كشفت التوجه الروسي بخصوص تشكيل لجان إلكترونية من أفارقة للهجوم على واشنطن، فحين انضم كوبي، النيجيري البالغ من العمر 29 عاماً والذي يدرس في روسيا، إلى مجموعة "إفريقيا واحدة، نجاحٌ واحد" لأول مرةٍ أواخر شهر فبراير/شباط 2020، كان يظن نفسه انضم إلى منصة تجمع الطلاب ذوي العقليات المتشابهة الراغبين في مناقشة قضايا قارتهم و"تقديم الحلول لمشكلات إفريقيا الفريدة"، كما يقول وصف المجموعة.
منشورات ملغومة: سرعان ما اكتشف كوبي، الطالب النيجيري، أن المنشورات التي يُشاركها كثير من المشاركين في المنصة لا تمتُّ بِصلةٍ إلى المشكلات الحقيقية التي تواجه إفريقيا. بدلاً من ذلك كانت تمتلئ بنظريات المؤامرة حول فيروس كورونا المستجد، تقترح كثيرٌ منها أن الحزب الديمقراطي وعديداً من فاعلي الخير في الولايات المتحدة، على رأسهم بيل وميليندا غيتس، كانوا وراء التفشي.
كانت الرسائل التي اطلعت عليها صحيفة The Daily Beast الأمريكية الثلاثاء 5 مايو/أيار 2020، تُروج لفكرة أن فيروس كوفيد-19 قد صنَّعه سياسيو الحزب الديمقراطي خصوصاً لإزاحة الرئيس دونالد ترامب عن السلطة، وذلك في وقت تحتدم فيه المنافسة بأمريكا مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وأن العلاجات الطبية المقترحة للتعامل مع الجائحة، ومن بينها اللقاح، تهدف إلى إهلاك الأفارقة.
الهجوم على الحزب الديمقراطي من خلال اللجان الإلكترونية الروسية، يبدو كأنه دعم بشكل غير مباشر للرئيس الأمريكى دونالد ترامب، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وفي ظل التكهنات التي تتجدد إثارتها طيلة الوقت عن تدخل روسي بالانتخابات الرئاسية الأمريكية في 2016، لدعم وصول دونالد ترامب إلى الحكم.
ظاهرة أوسع: تبدو تلك الادعاءات العدوانية جزءاً من ظاهرة أوسع تتعلق بجهود الحكومة الروسية لاستخدام "اللجان الإلكترونية" في نيجيريا وغانا، من أجل ضخ رسائل انقسامية إلى فيسبوك وتويتر بغرض إشعال التوتر العرقي عالمياً، خصوصاً في الولايات المتحدة التي تقترب من انتخاباتٍ رئاسية يُفترض عقدها في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
فيما كُشفت بعض تلك الجهود في تقرير مفصل نشرته شبكة CNN في وقت مبكر من العام الجاري، اعتمد بشكل كبير على بحث أجراه الأستاذان بجامعة كليمسون في الولايات المتحدة الأمريكية دارين لينفيل وباتريك وارين.
لجان إلكترونية: ففي كثير من الأحوال، كما بيَّن لينفيل ووارين، كان أفراد اللجان الإلكترونية يدَّعون أنهم أمريكيون ينشرون منشوراتهم من داخل الولايات المتحدة، في حين أنهم بواقع الأمر متحصنون في كوخٍ بالعاصمة الغانية أكرا. وفي حالاتٍ أخرى كانوا يستخدمون عناوينهم الإفريقية في حساباتٍ تحمل روابط مثل @africamustwake؛ في محاولة لكسب المصداقية. وقد أغلقت شركتا فيسبوك وتويتر، وكثير من الفضل في ذلك يُعزى إلى تقرير CNN، عشرات الصفحات والحسابات.
لكن الحملات على تطبيق واتساب وما شابهه من تطبيقات المراسلة فتحت أبواباً جديدةً أمام التضليل القاتل.
التشفير الطرفي: التقرير قال إن إحدى أبرز نقاط القوة في تطبيق واتساب، المملوك لشركة فيسبوك، هو التشفير الطرفي للنصوص، والرسائل الصوتية، ومقاطع الفيديو. ويحظى التطبيق، الذي يمكن تحميله مجاناً، بشعبية كبيرة حول العالم.
ووفقاً لموقع Statista.com، فقد كان للتطبيق نحو ملياري مستخدم شهرياً حتى مارس/آذار 2020، ويبدو أن الغالبية تدخل إليه عدة مرات يومياً. وقد أحصى الموقع 68.1 مليون مستخدم للتطبيق في الولايات المتحدة فقط، العام الماضي.
انتقل التطبيق مؤخراً إلى الحد من قدرة المُستخدمين على "بث" الرسائل لمئات أو آلاف المُستقبلين. وقال متحدث باسم الشركة لصحيفة The Daily Beast، إن 90% من الاتصالات عبر واتساب تكون بين شخصين، وإن أغلب المجموعات تضم أقل من 10 مستخدمين. (تضم المجموعة التي انضم إليها كوبي نحو 80 فرداً).
دخولاً إلى إفريقيا وخروجاً منها: إلى ذلك، ففي أكثر دول جنوب الصحراء الكبرى اكتظاظاً بالسكان، يأتي تطبيق واتساب في طليعة برامج المراسلات (من بينها ماسنجر فيسبوك)، التي تُعد أكثر شعبية بكثير من وسائل التواصل الاجتماعي الكلاسيكية. فمثلاً كان نصف مستخدمي الإنترنت في زيمبابوي عام 2017 يستخدمون واتساب. حتى إن هناك برامج تُحاكي واتساب تعتمد على شعبيته.
وفي رسالة بريد إلكتروني، قال لينفيل لصحيفة The Daily Beast: "تذهب اللجان الإلكترونية أينما ذهب الناس.. لقد بُني واتساب لتصعُب مراقبته، وسوَّقت شركة فيسبوك لسلاح رائع لخدمة الروس".
ملايين التغريدات: لكن بقول ذلك، فإن نظريات المؤامرة التي تنتشر على واتساب في إفريقيا لَهي أكثر تطرفاً إلى حدٍّ ما، من كثير من النظريات التي تتبَّعها لينفيل ووارين على قاعدة بياناتهما الأصلية المبنية على أكثر من 3 ملايين تغريدةٍ تتعلق بحملات التأثير الروسي في الولايات المتحدة، وتلك التي يبتكرها أعضاء اللجان الإلكترونية في غانا ونيجيريا.
إذ إن النظريات التي تُركز على الأمور نفسها بدرجة كبيرة، خصوصاً وحشية الشرطة وحوادث إطلاق النار، استخدمتها حملات التأثير الروسية عام 2016، فيما يصعب عامة وبشكل متزايد، تمييز الجيل الجديد من اللجان الإلكترونية على المنصات التقليدية عن غيرهم من أصحاب منشورات النقد المنتشرة على الإنترنت سواء من تيار اليمين أو اليسار.
استراتيجيات الروس: وبالتأكيد يؤكد لينفيل ووارين مراراً وتكراراً، أن أنجح استراتيجيات الروس وغيرهم من القوى التي وصفها بـ"الشر" (الصين وإيران على الأرجح)، لم تعد تعتمد على إبداع قصص مجنونة لمؤامرة واتهام ما، بل تطورت لتتبنى ما يُقال في الشارع بالفعل وتبني عليه. بعض ما يُقال ذاك يكون حقيقياً، وبعضه لا، لكن المنشور يكون محرِّضاً على ردِّ فعل ما دائماً. ثم تضاعفه اللجان الإلكترونية قدر ما أمكنها.
كان وارين قد قال لصحفيٍّ في وقت مبكر من عام 2020: "أغلب الناس الذين لا يُتقنون التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي أُناس حقيقيون. الشخص الذي قد يكون ضمن لجنة إلكترونية إيرانية أو روسية أو صينية هو الشخص الذي سيوافقك الرأي".
يقول وارين: "أصل الحساب تحدده مجموعة من (العلامات التقنية والمتعلقة بالمحتوى). تكشف العلامات التقنية أنهم يعملون ضمن عملية منسقة. أما العلامات المتعلقة بالمحتوى فتربطهم بجهود روسية سابقة".
رسائل الطالب الإفريقي: وتمتاز الرسائل التي اطلعت عليها صحيفة The Daily Beast عبر الطالب الإفريقي المذكور، بحميّة إفريقية عالية من حيث المحتوى واللهجة. لكن ما إن تنتشر بعيداً، فيُفترض أن أحداً في الولايات المتحدة يلتقطها، سواء لمشاركتها عبر تطبيقات المراسلات أو عبر حسابات على تويتر وفيسبوك لم تُغلق بعد. وتُنسق كل تلك المنشورات مثل مؤامرات كوفيد-19 في سيمفونية مركزية واحدة.
إلى ذلك، فقد زعم أحد المنشورات على مجموعة "إفريقيا واحدة، نجاح واحد"، أن ما يُعرف بمجتمع المتنورين السري والحزب الديمقراطي الأمريكي قد خلّقوا فيروس كورونا بهدف خلع الرئيس ترامب من سدة الحكم، حتى إن سياسيين بارزين في نيجيريا قد تبنَّوا تلك الرواية.