أكدت النيابة العامة في مصر، الثلاثاء 5 مايو/أيار 2020، وفاة المخرج الشاب شادي حبش في سجنه داخل القاهرة، وقالت في روايتها عن وفاته إنه مات نتيجة "تسممه بالكحول بعد تناوله"، لكن قوبلت هذه الرواية بتشكيك ورفض واسعين من قبل مصريين على مواقع التواصل، لاسيما أن جهات حقوقية قالت إن حبش توفي جراء تدهور حالته الصحية بالمعتقل وعدم تقديم الرعاية له.
يُعد هذا أول تعليق وتأكيد رسمي من القاهرة بشأن الواقعة التي تحدث عنها معارضون قبل أيام، حيث ذكروا أن حبش توفي الجمعة 1 مايو/أيار في سجن طرة وتم دفنه بنفس اليوم، وفقاً لوكالة الأناضول.
الرواية الرسمية: النيابة قالت في بيان على صفحتها في موقع فيسبوك إن حبش البالغ من العمر 24 عاماً "شرب مطهراً للأيدي ممزوجاً بمياه غازية ليكون له تأثير كتأثير الخمر"، مدعية أنها حصلت على هذه المعلومات من "شهادات مرافقين له".
النيابة أشارت أيضاً في بيانها إلى أن "حبش شكا فجر الجمعة 1 مايو/أيار 2020 من آلام في البطن، وقال لطبيب السجن إنّه شرب خطأً كمية من الكحول ظهيرة اليوم السابق على وفاته، مُدّعياً عدم علمه بقدرها واشتباهه في كون الزجاجة التي كانت معبّأة فيها زجاجة مياه"، وفق تعبير النيابة.
أضاف البيان أنّ "طبيب السجن عمد إثر ذلك إلى إعطائه مطهّراً معوياً ومضاداً للتقلصات وأعاده لمحبسه لاستقرار حالته"، لكن إعياءه استمرّ وما لبث أن أصيب بقيء، فحقنه طبيب السجن بمضادّ للقيء ثم بمضاد للتقلّصات.
بعد ذلك تقول النيابة في روايتها إن حبش "نُقل في المساء إلى عيادة السجن، حيث تبيّن للطبيب اضطراب درجة وعيه وضعف نبضه وضغطه، فأجرى إسعافات أولية له، وشرع في اتخاذ إجراءات ترحيله الفوري لمستشفى خارجي، وتجهيز سيارة إسعاف لنقله، وإثر سوء حالته أعطاه محاليل وحاول إنعاش قلبه ورئتيه، إلا أنّه لم يستجب وتوفي".
نقل البيان عن رفقاء لحبش في الزنزانة قولهم إنّ المتوفّى "تسمّم من جرّاء تناوله مطهّر اليدين الذي يستخدمه السجناء للوقاية من فيروس كورونا المستجدّ".
وقال أحد هؤلاء، بحسب البيان، إنّه شاهد حبش "وبحوزته زجاجة مياه غازية، فشرب هو رشفة منها فتذوق طعماً غريباً بها، وآنذاك ضحك المتوفّى فلمّا سأله علم منه بخلطه المياة الغازية بمادة الكحول المستخدمة في تطهير الأيدي؛ ليكون لها تأثير كتأثير الخمر"، وفقاً لبيان النيابة.
بحسب البيان أيضاً فقد "أمر النائب العام باستكمال التحقيقات، ونَدْب أحد الأطباء الشرعيين لتشريح جثمان المتوفى لبيان السبب المباشر الذي أدى إلى وفاته".
بيان من النيابة العامة بشأن وفاة المتهم شادي حبشي بمحبسه
Gepostet von Egyptian Public Prosecution النيابة العامة المصرية am Dienstag, 5. Mai 2020
تشكيك واسع: لم يتسنّ التأكد من صحة رواية النيابة المصرية حول وفاة حبش، كما أن السلطات تمنع وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية من الوقوف على حقيقة ما يجري في المعتقلات.
على شبكات التواصل الاجتماعي، رفض مصريون الرواية الرسمية حول وفاة حبش، وكتبوا في تغريدات على تويتر يشككون بأن تكون وفاته ناجمة عن "شرب الكحول بالخطأ".
حساب لمغرد باسم محمد البتاوي كتب يقول على تويتر: "البيان الأخير بشأن وفاة شادي حبش لا يحترم عقلاً أو منطقاً، المعتقلون والمحبوسون احتياطياً حالياً لا توجد لهم زيارات، وإدارات السجون لا تسمح بدخول معظم مواد التنظيف العادية، فضلاً عن أن يكون كحول.. أخشى ما أخشاه أن يكون كحول شادي حبش.. تماماً مثل لفافة_بانجو خالد_سعيد".
أما "ليلى" فكتبت في تغريدة: "حسبنا الله ونعم الوكيل. ظلموه حياً ويستمرون في ظلمه حتى بعد رحيله. رحمة الله على شادي_حبش"، في حين وصف حساب باسم "ناصر المنتصر" بيان النيابة المصرية بأنه "كلام لا يصدقه إلا المغيبون".
كذلك سخر مغرد باسم "عبداللطيف" من بيان النيابة، وقال: "شادي حبش كان بياكل كفتة وكباب من كافتيريا السجن وطلب ويسكي… قالوا مفيش، قال طيب هات برميل كحول وشرب البرميل وانتهى أمره، ده كلام النائب العام بتاع بلحة".
أغنية ضد السيسي: اعتقلت السلطات المصرية المخرج الشاب منذ مارس/آذار 2018، بسبب إخراجه فيديو كليب أغنية "بلحة"، للفنان رامي عصام، التي سخرت من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
تقوم الأغنية التي أخرجها حبش على ازدراء الوضع السياسي في مصر في عهد السيسي، وتقول كلمات الأغنية "يا حلوة يا بلحة يا مقمعة.. خلصتي سنينك الأربعة"، في إشارة إلى انتهاء مدة رئاسة السيسي الأولى وانتقاد ترشحه لولاية ثانية.
اعتُقل حبش بسبب الأغنية ووجّهت إليه نيابة أمن الدولة تهمتي "نشر أخبار كاذبة والانضمام لجماعة أسّست على خلاف القانون".
في آخر رسالة له من زنزانته في سجن طرة، بتاريخ 26 أكتوبر/تشرين الأول 2019، طالب فيها حبش الجميع بإنقاذه من الموت في السجن، وكتب نصاً قال فيه: "السجن مابيموتش بس الوحدة بتموت، أنا محتاج دعمكم عشان ماموتش. في السنتين اللي فاتوا أنا حاولت أقاوم كل اللي بيحصل لي لوحدي عشان أخرج لكم نفس الشخص اللي تعرفوه بس مابقتش قادر خلاص".
حاز حبش لقب أفضل مصور لوسط "الأندرجراوند" عام 2014، بعد حصوله على أعلى نسبة تصويت ضمن الحملة الجماهيرية التي تمت على صفحة "أندرجراوند ساركازم سوسايتي"، إحدى أهم صفحات العالم الافتراضي لدعم الفن البديل وفنانيه.
كانت فرنسا قد أعربت، الإثنين 4 مايو/أيار 2020، عن "قلقها" عقب إعلان وفاة حبش، ودعت القاهرة إلى احترام "التزاماتها" الدولية حول ظروف الاحتجاز.
من جانبها، تنتقد منظمات حقوقيّة باستمرار ظروف الاحتجاز في السجون المصرية، ومنذ بداية مارس/آذار 2020، علّقت السلطات المصرية الزيارات للمساجين، ما فاقم عزلتهم.
تقدّر منظمات غير حكومية عدد السجناء السياسيين في مصر بـ60 ألفاً من أصل حوالي 100 ألف سجين، وبينهم معارضون إسلاميون وليبراليون تعرضوا إلى حملة قمع عقب إطاحة الجيش عام 2013 بالرئيس السابق الراحل محمد مرسي.