يشتري العديد من المستثمرين الآن سندات الخزانة الأمريكية رغم أن الأموال العامة الأمريكية ليست برّاقةً لهذه الدرجة، لكن أوضاع الأسواق الناشئة بعد أزمة كورونا تجعل المستثمرين يخشونها المغامرة بالاستثمار بها.
تقريرلصحيفة The Economist البريطانية عرض للأوضاع المالية لاقتصادات الدول الناشئة، ومدى قدرتها على سداد التزاماتها خلال 2020 في ظل الأزمة الاقتصادية التي سببها فيروس كورونا.
الدول التي تخلفت عن سداد ديونها.. هل تفعلها الأرجنتين للمرة التاسعة؟
وتحظى الأسواق الناشئة بإجمالي 17 تريليون دولار من الدين الحكومي، أي 24% من إجمالي الدين العالمي.
وخفضت شركة Fitch حتى الآن التصنيف الائتماني لـ18 من تلك الدول في عام 2020، أي أكثر من أيّ عامٍ مضى. إذ تخلّفت الأرجنتين عن سداد 500 مليون دولار على سنداتها الأجنبية.
وإذا عجزت عن إقناع الدائنين بمبادلة سنداتهم والحصول على سندات أقل قيمة قبل 22 مايو/أيار، فستكون قد تخلّفت عن السداد للمرة التاسعة في تاريخها. وتضُم كومة الغسيل أيضاً الإكوادور التي أجّلت سداد 800 مليون دولار من أموال السندات لمدة أربعة أشهر من أجل مساعدتها على مواجهة الجائحة.
ولبنان مُتخلّفة عن سداد سند بقيمة 1.2 مليار كان مُستحقاً في مارس/آذار، وفنزويلا تدين لحاملي السندات والمصرفيين والمستفيدين الجيوسياسيين في الصين وروسيا ببراميل من الأموال السائل والنفط الخام.
وربما تنضم زامبيا قريباً إلى قائمة المُتخلّفين عن السداد، إذ تسعى لتعيين مستشارين من أجل "تدريب على إدارة الديون"، وهو اتفاقٌ لتسديد الديون على دفعات أقل قيمة وفي وقتٍ مُتأخّر نوعاً ما عن الموعد المتّفق عليه.
هناك دول تتمتع بوضع قوي نسبياً
وبعد أن سبّبت الجائحة الفوضى في الاقتصادات والأموال العامة، بات السؤال المنطقي التالي هو: من سيُصيبه الدور لاحقاً؟ إذ طلبت أكثر من 100 دولة، بينها جنوب إفريقيا، المُساعدة من صندوق النقد الدولي. ووافق صندوق النقد الدولي على 40 من طلبات القروض الصغيرة السريعة التي يُوفّرها في أعقاب الكوارث الطبيعية. وتُعتبر بعض البلاد بمثابة عملاء دائمين. إذ تسعى مصر أيضاً إلى الحصول على معونة إنقاذ جديدة بعد 9 أشهر فقط من سحب القسط الأخير في القرض المُتّفق عليه عام 2016.
وصنّفت صحيفة The Economist البريطانية 66 من الدول باستخدام أربع مُؤشرات على القوة المالية. ووجدت أنّ بعض الدول، مثل روسيا وبيرو والفلبين، تبدو قويةً نسبياً. في حين تمُرُّ نحو 30 دولة بضائقةٍ اقتصادية، أو تُوشك على ذلك.
وتظهر علامات الخطر في دولٍ مثل أنغولا وزامبيا. ولكن الـ30 دولة (الأخطر وضعاً) لا تُمثّل سوى نسبة ضئيلة نسبياً من ديون وإجمالي الناتج المحلي للمجموعة.
لماذا تدهورت أوضاع الأسواق الناشئة بعد أزمة كورونا أكثر من غيرها؟
ويُؤذي كوفيد-19 الاقتصادات الناشئة بثلاث طرق على الأقل: إغلاق المدن على السكان، وتدمير عائدات التصدير، وردع رأس المال الأجنبي. وحتى إذا اختفت الجائحة في النصف الثاني من العام، فإن إجمالي الناتج المحلية في البلدان النامية سيكون أقل بنسبة 6.6% عن توقّعات صندوق النقد الدولي في أكتوبر/تشرين الأول، وفقاً لمقياس تعادل القوة الشرائية.
إذ ستلحق بالصادرات أضرار شديدة. ونظراً لانخفاض أسعار النفط، فإنّ مُصدّري النفط الخليجيين سيُعانون عجزاً في الحساب الجاري يصل إلى 3% من إجمالي الناتج المحلي لهذا العام بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، مقارنةً بفائض 5.6% العام الماضي. وحين تقل الصادرات عن الواردات، تسُدُّ البلدان الفجوة عادةً بالاقتراض من الخارج. لكن انعكاس تدفقات رأس المال يُقابله ارتفاعٌ في تكاليف الاقتراض. ففي مارس/آذار، ارتفعت علاوة المخاطرة التي تُسدّدها الأسواق الناشئة للمشترين على السندات الدولارية إلى مستويات مُفجِعة (أكثر من 10 نقاط مئوية) في نحو 20 دولة -وهو رقمٌ قياسي بحسب صندوق النقد الدولي.
وقدّر الصندوق أن الاقتصادات الناشئة تحتاج إلى 2.5 تريليون دولار على الأقل، من المصادر الأجنبية أو الاحتياطيات المحلية، لتحمُّل الأزمة. إذ إن الطريقة المُثلى لضمان أن تحظى البلاد بالمزيد من العملة هي عن طريق عدم أخذ تلك الأموال منها.
وصرّحت مجموعة العشرين أنها ستمتنع عن تحصيل مدفوعات قروضها إلى الدول الـ77 الأفقر هذا العام (رغم أنّ المُقترضين سيُعوّضون الفارق لاحقاً).
ويدرس تصنيف الإيكونوميست حالة 66 اقتصاداً في مواجهة أربعة مصادر مُحتملة للخطر. وتشمل تلك المخاطر الدين العام، والديون الخارجية (العامة والخاصة)، وتكاليف الاقتراض (التي يُمكن تمثيلها أحياناً بالعائدات على سندات الحكومة الدولارية). كما احتسبنا مدفوعاتهم الخارجية المُحتملة لهذا العام (عجز الموازنة بالإضافة إلى مدفوعات الديون الخارجية)، قبل أن نُقارنها بمخزونهم من احتياطيات النقد الأجنبي. ثم جرى احتساب مُتوسّط تصنيف كل دولة على تلك المؤشرات من أجل تحديد تصنيفها الكلي.
ووجدت الإيكونوميست أن الدول القوية، مثل كوريا الجنوبية وتايوان، ليست مُؤهّلة لتأدية دور الأسواق الناشئة. كما سجّلت الاقتصادات الأكبر، مثل روسيا والصين، أرقاماً قوية. لكن الدول التي سجّلت أرقاماً ضعيفة على كافة المُؤشّرات كانت دولاً صغيرة على الأرجح. إذ إنّ الـ30 دولة التي تذيّلت التصنيف لا تستحوذ سوى على 11% فقط من إجمالي الناتج المحلي للمجموعة، وأقل من رُبع إجمالي الدين العام والديون الخارجية.
ويكشف التصنيف أيضاً عن الاختلافات الشاسعة في مصدر وحجم نقاط الضعف المُحتملة. فبلدانٌ مثل أنغولا والبحرين والعراق تمتلك ديناً عاماً يُقدّر البعض أنه سيتجاوز 100% من إجمالي الناتج المحلي للعام الجاري. لكن نحو نصف الاقتصادات التي درست تمتلك ديوناً نسبتها أقل من 60% من إجمالي الناتج المحلي، وهو الحد الأدنى المسموح به للدول الأعضاء في منطقة اليورو (والذي لا يلتزم به الكثيرون).
إليك المبالغ التي تحتاجها الاقتصادات الناشئة للتعامل مع أزمة كورونا خلال 2020
وعلى مدار عام 2020، سيتعيّن على الاقتصادات الـ66 في التحليل أن تعثر على أكثر من أربعة تريليون دولار لسداد ديونها الخارجية وتغطية أيّ عجز في الحسابات الجارية. وينخفض الرقم إلى 2.9 تريليون دولار في حال استثنينا الصين من المُعادلة. لكن هذه الأرقام تستبعد الاحتياطيات التي تحتفظ بها الاقتصادات الناشئة.
إذ تمتلك الحكومات في الدول الخاضعة للدراسة كثر من ثمانية تريليونات دولار من احتياطيات النقد الأجنبي (أو خمسة تريليونات فقط عند استثناء الصين). وتمتلك نصف الدول احتياطيات كافية لتغطية كافة مدفوعات الديون الخارجية المُستحقة عليها في هذا العام، فضلاً عن أيّ عجز في الحساب الجاري.
أما بقية الدول (ومنها 27 من أصل الـ30 دولة التي تذيّلت التصنيف) فتُعاني نقصاً إجمالياً في الاحتياطي يصل إلى نحو 500 مليار دولار. وتُوجد أكبر فجوة دولارية حالياً في تركيا، التي استنفدت احتياطياتها بسرعة عن طريق التدخُّل لدعم الليرة.
وتتجاهل حسابات النقص في الاحتياطي مخاطر هجرة رأس المال، حين يُقرّر مواطنو دولةٍ ما نقل أموالهم خارج البلاد. لكنّها تفترض كذلك أنّ البلدان لن تجذب استثمارات أجنبية مُباشرة، وستفشل في تمديد أجل سداد ديونها الخارجية المُستحقة هذا العام. وبدا هذا السيناريو معقولاً في مارس/آذار، لكنّه يبدو قاتماً للغاية الآن.