تحولت أسعار العقود الآجلة للنفط الخام الأمريكي، الإثنين 20 أبريل/نيسان 2020، إلى سلبية للمرة الأولى في التاريخ، لتُنهي الجلسة عند ناقص 37.63 دولار للبرميل، مع إقبال المتعاملين على البيع بكثافة، بسبب امتلاء سريع لمنشآت التخزين بالمركز الرئيسي للتسليم في كاشينج بولاية أوكلاهوما.
كذلك تراجعت عقود خام القياس العالمي "مزيج برنت"، لكنها لم تصل بأي حال إلى تلك المستويات الضعيفة، بفضل وجود مزيد من قدرات التخزين متاحة حول العالم.
انخفاض بالسالب: في حين أنهت عقود خام القياس الأمريكي غرب تكساس الوسيط (تسليم مايو/أيار) جلسة التداول منخفضةً 55.9 دولار، أو 306%، لتبلغ عند التسوية ناقص 37.63 دولار للبرميل بعد أن لامست أدنى مستوى لها على الإطلاق عند ناقص 40.32 دولار للبرميل.
كذلك أغلقت عقود برنت منخفضةً 2.51 دولار، أو 9%، لتسجل عند التسوية 25.57 دولار للبرميل.
المستودعات مملوءة: من جانبه قال فيل فلين محلل أسواق النفط في "برايس فيوتشرز جروب" بشيكاغو: "مستودعات التخزين مملوءة للغاية وهو ما يجعل المضاربين لا يشترون هذا العقد، ومصافي التكرير تعمل عند مستويات منخفضة، لأننا لم نرفع أوامر البقاء بالمنزل في معظم الولايات… لا يوجد أمل كبير بأن الأمور ستتغير في 24 ساعة".
ومع نضوب الطلب الفعلي على الخام نشأت تخمة في المعروض العالمي، في حين لا يزال مليارات الأشخاص يلزمون منازلهم لإبطاء انتشار فيروس كورونا المستجد.
ملايين البراميل: في حين تعالج مصافي التكرير كميات أقل كثيراً من المعتاد من الخام؛ ولهذا فإن مئات الملايين من البراميل تجد طريقها إلى منشآت التخزين حول العالم. واستأجر تجار سفناً فقط لاستخدامها في تخزين فائض النفط. ويوجد 160 مليون برميل، وهو مستوى قياسي، مخزنة في ناقلات حول العالم.
من ناحية أخرى قال محللون للسوق، مشيرين إلى تقرير الإثنين من شركة جينسكيب لمعلومات الأسواق، إن مخزونات الخام الأمريكية في كاشينج زادت بنسبة 9% بالمئة في الأسبوع المنتهي في 17 أبريل/نيسان، لتصل إلى نحو 61 مليون برميل.
تداول أكثر نشاطاً: إلى ذلك شهدت عقود خام غرب تكساس الوسيط (تسليم يونيو/حزيران) تداولاً أكثر نشاطاً، وأنهت الجلسة عند 20.43 دولار للبرميل، وهو مستوى أعلى كثيراً من عقود مايو/أيار. واتسع الفارق بين عقود مايو/أيار وعقود يونيو/حزيران في إحدى مراحل الجلسة إلى 60.76 دولار، وهو الأكبر في التاريخ للعقود لأقرب شهرين.
ومع تحوُّل أسعار النفط الأمريكي إلى سلبية، فإن ذلك يعني أن البائعين كان عليهم أن يدفعوا للمشترين، للمرة الأولى على الإطلاق، لأخذ عقود آجلة للنفط. ورغم هذا لم يتضح ما إذا كان ذلك سيجد طريقه إلى المستهلكين الذين ينظرون في العادة إلى هبوط النفط على أنه يترجم إلى انخفاض بأسعار البنزين في محطات الوقود.
تأثير على الاقتصاد: وقال جيف كيلدوف الشريك في صندوق التحوط (أجين كابيتال إل إل سي) بنيويورك: "من الطبيعي أن هذا سيكون له تأثير تحفيزي للاقتصاد حول العالم… إنه في العادة سيكون شيئاً جيداً لإضافة اثنين في المئة إلى الناتج المحلي الإجمالي".
وأضاف كيلدوف: "في حين سارع المستثمرون إلى بيع عقود مايو/أيار، قبل انقضائها في وقت لاحق من الإثنين، في ظل غياب الطلب على النفط الفعلي. وعندما ينقضي عقد آجل فإن المتعاملين يتعين عليهم أن يقرروا ما إذا كانوا سيتسلمون النفط أو يقومون بترحيل مراكزهم الى عقود آجلة أخرى لشهر لاحق".
ضغوط في أسواق النفط: وتتعرض أسعار النفط لضغوط منذ أسابيع مع تضرر الطلب بشدة بسبب تفشي فيروس كورونا، في حين خاضت السعودية وروسيا حرب أسعار، عمدتا خلالها إلى ضخ مزيد من الخام. واتفق الجانبان قبل أكثر من أسبوع، على خفض الإمدادات بمقدار 9.7 مليون برميل يومياً، لكن ذلك لن يقلص التخمة العالمية سريعاً.
إلى ذلك فقد انهارت أسعار برنت نحو 60% منذ بداية العام، في حين هوت عقود الخام الأمريكي بنحو 130% إلى مستويات أقل كثيراً من أن تجاري التكاليف الضرورية لكثير من منتجي النفط الصخري. وأدى هذا إلى وقف حفر آبار وتخفيضات حادة في الإنفاق.
خفض الإنتاج: يأتي هذه الانهيار التاريخي في الوقت الذي يعتزم فيه العراق بدء مفاوضات مع شركات نفط أجنبية، لخفض كلف الإنتاج إلى 30%، بالتزامن مع تدني مستوى أسعار النفط في الأسواق العالمية.
حيث قال عبدالحسين الهنين، مستشار رئيس الوزراء في تصريح لصحيفة الصباح الرسمية، الإثنين، إن "الحكومة أوكلت لوزارة النفط التفاوض مع الشركات النفطية الأجنبية العاملة في البلاد، لخفض كلف الإنتاج والموازنات التشغيلية من دون التأثير في مستويات الإنتاج".
أضاف أن "الهدف من ذلك يأتي من أجل تعظيم الربح لكل برميل منتج"، في وقت فقدت فيه أسعار الخام 50% من قيمتها منذ مطلع مارس/آذار الماضي.
صادرات العراق: تشكل صادرات العراق النفطية نسبة 98% من تدفقات العملة الأجنبية إلى البلاد، حيث يشكل النفط 45% من الناتج المحلي الإجمالي، و93% من إيرادات الموازنة العامة.
سبق أن أعلنت عدة دول نفطية في تحالف (أوبك+)، في 12 أبريل/نيسان الجاري، إتمام اتفاق لأكبر خفض تاريخي مدروس لإنتاج النفط الخام بواقع 10 ملايين برميل يومياً، يتحمل منها التحالف 9.7 ملايين برميل يومياً.
فيما سيخفض العراق إنتاجه بمقدار 1.061 مليون برميل يومياً أي بنسبة 22.8%، اعتباراً من مايو/أيار، ويونيو/حزيران، ثم يقلص الخفض إلى 18% حتى نهاية 2020.
يذكر أن العراق ينتج نحو 4.5 مليون برميل يومياً حالياً، في حين يتراوح إنتاج النفط في إقليم كردستان بين 300 و350 ألف برميل يومياً.
هبوط صادرات: في المقابل أظهرت أرقام المبادرة المشتركة للبيانات النفطية "جودي"، الإثنين، هبوط صادرات السعودية من النفط الخام، بنسبة 0.2% على أساس شهري، في فبراير/شباط الماضي.
حيث بلغت صادرات المملكة 7.278 مليون برميل يومياً في فبراير/شباط 2020، مقابل 7.294 مليون برميل يومياً في يناير/كانون الثاني السابق له.
يعد هذا ثاني انخفاض للصادرات النفطية السعودية على التوالي. والسعودية، أكبر مصدّر للنفط الخام في العالم، على الرغم من أنها تأتي ثالثة في حجم الإنتاج بعد كل من روسيا والولايات المتحدة، بمتوسط إنتاج 9.8 مليون برميل يومياً.
تخفيض النفط: في السياق ذاته، قال مصدران بصناعة النفط لـ"رويترز"، الإثنين، إن وزارة الطاقة الروسية أبلغت منتجي النفط المحليين بأن يخفضوا إنتاج النفط بنحو 20% عن متوسط مستويات فبراير/شباط، وهو ما سيجعل موسكو تفي بالتزاماتها في إطار اتفاق عالمي.
كذلك فقد اتفقت منظمة البلدان المصدِّرة للنفط ومنتجو نفط كبار آخرون بقيادة روسيا، في إطار ما يُعرف بمجموعة "أوبك+"، على خفض إنتاجهم النفطي مجتمعِين، بمقدار 9.7 مليون برميل يومياً في مايو/أيار ويونيو/حزيران؛ لمواجهة الفائض في الإمدادات الناجم عن أزمة فيروس كورونا.
20 مليون برميل يومياً: يمكن أن يصل مجمل الخفض في إنتاج النفط العالمي إلى 20 مليون برميل يومياً، أو ما يعادل خُمس الإنتاج العالمي، مع مشاركة دول أخرى مثل الولايات المتحدة والنرويج، وهما ليستا بين أطراف اتفاق "أوبك+".
بموجب الاتفاق، يتعين على روسيا خفض إنتاجها بمقدار 2.5 مليون برميل يومياً من مايو/أيار، والاعتماد على مستوى أساس عند 11 مليون برميل يومياً، وهو الرقم الذي يشمل النفط الخام فقط ويستثني مكثفات الغاز، وهو نوع من النفط الخفيف.
أرقام منفصلة: ولا تعطي روسيا، حيث يبلغ إنتاج مكثفات الغاز ما بين 0.6 مليون و0.7 مليون برميل يومياً، أرقاماً منفصلة لإنتاج النفط ومكثفات الغاز. وفي فبراير/شباط، بلغ إجمالي الإنتاج 11.29 مليون برميل يومياً.
في حين قالت مصادر مطلعة على الخطط، إن وزارة الطاقة الروسية أبلغت الشركات، الأسبوع الماضي، بأن تخفض إنتاجها ما بين 19% و20% عن مستويات فبراير/شباط، مما يجعل إنتاج موسكو النفطي متوافقاً مع أهداف الاتفاق.
ولم تردَّ وزارة الطاقة ومنتجو النفط الرئيسيون حتى الآن على طلبات للتعقيب. وعكس الإنتاج، لم يضع الاتفاق العالمي سقفاً لأحجام التصدير.
تعديلات كبيرة: في حين قال وحيد علي كبيروف رئيس لوك أويل، ثاني أكبر منتج روسي للنفط، لوكالة إنترفاكس للأنباء إن الشركة ستقلص إنتاجها 40 ألف طن يومياً (290 ألف برميل يومياً).
في حين قالت ثلاثة مصادر بشركات النفط الروسية ومتعاملان اثنان، لـ"رويترز"، إن الشركات الروسية أجرت تعديلات كبيرة لتقليص خطط صادراتها من الخام لشهر مايو/أيار، عقب اتفاق "أوبك+" على خفض إنتاج النفط.
ماذا يعني "أسعار عقود التأجيل"؟: الموقف الذي واجهه منتجو الخام الأمريكي اليوم ربما يكون غير مسبوق، ويُعرف بعقود التأجيل أو Contango، وهو يعني أن يجد المنتِج نفسه مضطراً للتخلص من سلعته التي حل موعد تسليمها دون أن يجد مشترياً لها بفعل تدني الطلب على السلعة، فيصبح تخزين السلعة عبئاً مالياً إضافياً يود التخلص منه ولو حتى دفع للمشترين مقابل أن يخلصوه من السلعة.
صحيفة فايننشال تايمز البريطانية وصفت الموقف بالقول إن "المنتجين قد يدفعون للمشترين؛ في محاولة لتأجيل اضطرار المنتِج لإغلاق شركة الإنتاج"، في إشارة إلى مدى عمق الأزمة التي يواجهها قطاع الطاقة الأمريكي بفعل كارثة وباء كورونا وحرب الأسعار.
وقد وصف المحلل النفطي جيسون جاميل الموقف للصحيفة البريطانية بأنه "أسوأ أزمة تواجهها صناعة النفط على الإطلاق"، وهو ما يمثل تحدياً خاصاً للرئيس الأمريكي الذي يمر بأصعب فترات رئاسته الأولى في البيت الأبيض، وسط السباق للفوز بفترة ثانية.
وحتى الآن تحافظ أسعار العقود الآجلة للخام الأمريكي في يونيو/حزيران المقبل، على بعض التماسك، بسبب رهان بعض المستثمرين على إمكانية التعافي سريعاً، وهو أمر غير محسوم ولا يوجد ضمان على أن انهيار الأسعار اليوم لن يتكرر مرة أخرى مع حلول 21 مايو/أيار المقبل (موعد تسليم خام عقود يونيو/حزيران).