قبل أقل من شهر، أشاد العالم بسنغافورة باعتبارها واحدة من الدول التي تمكنت من التعامل مع فيروس كورونا بالطريقة الصحيحة ما بدا أنه نجاح هذه الدولة الصغيرة في وأد الحالات دون فرض إجراءات الإغلاق التقييدية التي يقاسيها الملايين في أماكن أخرى.
لكن موجة ثانية عصفت بدأت 17 مارس/آذار، حيث ارتفعت أعداد حالات الإصابة المؤكدة بفيروس كورونا في سنغافورة من 266 إلى أكثر من 5900 حالة، وفقاً لبيانات من جامعة جونز هوبكنز نشرتها شبكة CNN الأمريكية.
صحيح أنه في بلدان أوروبا الغربية الأكثر تضرراً والولايات المتحدة، تُسجل الآلاف من الحالات يومياً، إلا أن عدد سكان سنغافورة يبلغ 5.7 مليون نسمة وتبلغ مساحتها الإجمالية حوالي 700 كيلومتر مربع مما يعني أن هذه الأرقام أشد خطورة.
لكن سنغافورة أيضاً تتمتع بمزايا لا تملكها العديد من البلدان الكبيرة. إذ ليس لديها سوى حدود برية رئيسية واحدة فقط، مع ماليزيا، ويمكنها فرض رقابة مشددة على الأشخاص الذين يدخلون إليها جواً. كما أن لديها نظاماً صحياً على أعلى مستوى ونزعة إلى فرض قواعد قاسية للرقابة وحفظ النظام وهو ما من شأنه أن يفيد حكومة تحاول السيطرة على جائحة.
فما الخطأ الذي حدث إذاً؟ يبدو أن الجواب يكمن في مجموعات الحالات التي لم تلق اهتماماً بين العمال المهاجرين الذين يعيشون في وحدات مبيت ضيقة، والتقليل من أهمية السرعة التي يمكن أن ينتشر بها هذا المرض في مدينة لم تفرض إجراءات الإغلاق.
إلا أن سنغافورة تمكنت من البقاء مفتوحة نسبياً ومواصلة العمل كالمعتاد، عن طريق إجراء فحوصات على نطاق واسع وعزل جميع الأشخاص الذين تحتمل إصابتهم بالعدوى.
لكن الحالات التي يبدو أن الفحوصات الحكومية غفلت عنها تنامت سريعاً وارتفع عدد الحالات اليومية. وحتى أبريل/نيسان، بدت سنغافورة مسيطرة على تفشي المرض.
تهاون في وقت مهم: إن الموقف المتراخي الذي اتخذته سنغافورة مقارنة بالدول الأخرى كان ليكون ناجعاً إذا تمكنت من إبقاء الحالات المصابة القادمة من الخارج خارج سنغافورة، واكتشاف الحالات المحتملة الجديدة والتعامل معها بسرعة.
لكن حالما أخفقت في تطبيق هذا الإجراء، أصبحت السرعة التي ينتقل بها الفيروس من شخص لآخر أكبر من مثيلتها في مكان تُفرض فيه إجراءات حظر وتباعد جسدي مشددة.
ارتبطت العديد من الحالات الجديدة بالعمال المهاجرين الذين يسكنون سنغافورة بأعداد كبيرة، ولا سيما هؤلاء العمال -معظمهم من جنوب آسيا- الذين يعيشون في وحدات مبيت ضيقة، والذين غفلت عنهم الحكومة على ما يبدو في الموجة الأولى من الفحص. وعزلت الحكومة العديد من وحدات المبيت وكثفت جهودها لفحص جميع العمال.
ليس واضحاً أكانت تلك الإصابات من العمال المهاجرين القادمين من الخارج، أم أن الفيروس انتشر بين السكان الذين لم يخضع أغلبهم للفحص لبعض الوقت. أما الواضح فهو أن الظروف التي يعيش فيها العمال جعلت من التباعد الجسدي الناجع -أو الحجر الصحي "المنزلي"- أقرب إلى المستحيل، ما يسهِّل انتشار الفيروس.
التعامل مع العمال الأجانب: هذا وكتب تومي كوه، وهو محام سنغافوري ودبلوماسي سابق، في منشور تداوله كثيرون على فيسبوك في وقت سابق من هذا الشهر: "كانت وحدات المبيت مثل قنبلة موقوتة معدّة للانفجار. الطريقة التي تعامل بها سنغافورة عمالها الأجانب لا تناسب دول العالم الأول وإنما العالم الثالث. إذ سمحت الحكومة لأرباب أعمالهم بنقلهم في شاحنات دون مقاعد. ويقيمون في وحدات مبيت ضيقة ويتكوّمون مثل السردين، حيث يقيم في الغرفة الواحدة 12 شخصاً".
إن تجربة سنغافورة تدل على أن التسرُّع في التراخي يمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية كارثية.