بيرغامو الحزينة.. مدينةٌ صغيرة أفقدها كورونا 3.75% من سكّانها في أجمل أيامها

بعد أن ارتبطكان اسم مدينة بيرغامو الإيطالية الواقعة في مقاطعة لومبارديا في (شمال إيطاليا) مؤخراًمرتبطاً بإنجازات نادي نادي آتالانتاأتالانتا وبلوغه الدور ربع النهائي من مسابقة الشهير الذي حقق أبرز إنجازاته عبر التاريخ وتأهل إلى دوري أبطال أوروبا في 19 فبراير/شباط الماضي، أصبح اليوم مرتبطاً بشكل وثيق بفيروس كورونا المستجد.

عربي بوست
تم النشر: 2020/04/05 الساعة 16:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/04/06 الساعة 11:11 بتوقيت غرينتش
social media مدينة بيرغامو

بعد أن ارتبط اسم مدينة بيرغامو الإيطالية الواقعة في مقاطعة لومبارديا (شمال إيطاليا) مؤخراً بإنجازات  نادي آتالانتا وبلوغه الدور ربع النهائي من مسابقة دوري أبطال أوروبا في 19 فبراير/شباط الماضي، أصبح اليوم مرتبطاً بشكل وثيق بفيروس كورونا المستجد.

فبعد الإنجاز التاريخي لآتالانتا في المسابقة الأوروبية التي يشارك فيها للمرة الأولى، سرعان ما تحولت المدينة الصغيرة إلى بؤرة للوباء، وأزهق الفيروس أرواح ما يزيد عن 4,500 شخص من سكانها الذين بات يتوجب عليهم الانتظار لمدة قد تتجاوز الـ 20 يوماً ليتمكنوا من حرق جثث أحبابهم، فدفن الموتى بشكل لائق لم يعد متاحاً في بيرغامو.. والسبب، مباراة حضرها حوالي ثلث سكان المدينة!

مدينة بيرغامو
مدينة بيرغامو

مدينة بيرغامو قبل كورونا

تعد بيرغامو إحدى أهم المدن السياحية في شمال إيطاليا، إذ تعتبر ثاني أكثر المدن زيارةً في مقاطعة لومبارديا بعد ميلان.

أما اليوم فتتصدر المدينة العناوين في نشرات الأخبار بسبب عدد الوفيات المتزايد جراء انتشار فيروس كورونا بشكل خرج عن السيطرة في المدينة.

لا يتجاوز تعداد سكان بيرماغو 120 ألف نسمة، ومع ذلك خسرت المدينة 4,500 شخص بسبب فيروس كورونا، أي ما يعادل نسبة 3.75% من مجموع سكانها، ولا تزال تخضع للحجر الصحي منذ أواخر شباط/فبراير.

قبل هذا التاريخ بفترة بسيطة، كانت بيرغامو تعيش أفضل أيامها، وتحتفل بالنجاح المبهر الذي حققه فريقها في مباراته ضد فريق فالنسيا الإسباني، دون أن يدرك سكانها أن تلك المباراة ستكون سبباً لتحول المدينة إلى بؤرة للوباء.

المباراة التي تسببت في انتقال الفيروس

كانت المباراة التي جمعت آتالانتا الإيطالي بضيفه فالنسيا الإسباني تاريخية بالفعل، فقد حقق النادي الإيطالي فوزاً كاسحاً على فالنسيا بنتيجة 4-1، وقد كان أداء اللاعبين المتميز سبباً في وصول النادي الإيطالي إلى الدور الثاني من مسابقة دوري أبطال أوروبا التي يتأهل لها لأول مرة في تاريخه.

الأهم من ذلك، أن تلك المباراة تحديداً كانت بمثابة "قنبلة بيولوجية" ساهمت في نشر فيروس كورونا المستجد في كافة أرجاء إيطاليا وإسبانيا، وفي جعل مدينة بيرغامو بؤرة للوباء.

وللصدفة فإن المباراة لم تُقم في مدينة بيرغامو – كما جرت العادة بأن تستضيف الفرق المشاركة في المسابقات الأوروبية مبارياتها المحلية على أرضها وبين جماهيرها -، بل اضطر آتالانتا لخوض كافة مبارياته المحلية على ملعب "سان سيرو" التابع لفريقي ميلان وانتر ميلان في مدينة ميلان المجاورة. فمواصفات ملعب "آتليتي آتزوري دي إيطاليا" التابع لآتالانتا لا تتطابق مع المواصفات الأوروبية، وبالتالي كان عليه الاختيار بين الانسحاب من البطولة، أو اختيار ملعبٍ آخر للعب عليه، فاختار ملعب "سان سيرو" الذي يبعد 56 كيلومتر فقط عن وسط بيرغامو.

مباراة ذهاب الدور الثاني من دوري أبطال أوروبا كانت بيئةً مثاليةً لتفشي الفيروس؛ فقد حضرها قرابة 45 ألف مشجع سافروا من بيرغامو إلى ميلان لتشجيع فريقهم في هذه المباراة المفصلية في 19 فبراير/شباط.

وانضم إلى أولئك 2,500 مشجعاً قدموا من إسبانيا لمؤازرة فالنسيا، والجميع قضوا وقتاً طويلاً في الاحتفالات والتجمعات قبل وأثناء وبعد انتهاء المباراة.

في ذاك الوقت لم يكن من الواضح إذا ما كان الفيروس قد بدأ بالانتشار أم لا، لكن الخبراء أوضحوا لاحقاً أن مباراة آتالانتا وفالنسيا كانت من أبرز أسباب انتشار الفيروس بشكل خارج عن السيطرة، سيما في مدينة بيرغامو.

ليس ذلك فحسب، بل كانت مدينة ميلان من أوائل المدن الإيطالية التي ضربها الفيروس، والتي زارها ثُلث سكّان بيرغامو لحضور ذلك اللقاء.

مباراة آتالانتا وفالنسيا
مباراة آتالانتا وفالنسيا

جيل كامل قتل في غضون أسبوع

حتى تاريخ المباراة لم تكن هناك حالة وفاة واحدة في إيطاليا، ولكن بعد حوالي أسبوع من انتهاء المباراة أعلن آتالانتا عن أول إصابة بفيروس كورونا في فريقه لحارس المرمى ماركو سبورتييلو، فيما كشف فالنسيا في وقت سابق عن إصابة 35% من اللاعبين والطواقم الفنية بالفيروس المستجد.

وقد تحدثت وسائل إعلام عن احتمالية حمل المشجعين الإسبان المرض إلى إيطاليا، على اعتبار أن أول وفاة سجلت في فالنسيا بسبب كورونا يوم 13 فبراير/شباط 2020، أي قبل المباراة بـ 6 أيام.

وبغض النظر عن الطرف الذي حمل العدوى للآخرين، فقد تسبب هذا التجمع الهائل في انتشار الفيروس بين الآلاف من الناس، وجعل من مدينة بيرغامو مدينةً منكوبة، إذ لقي 3 آلاف و33 شخصاً حتفهم غضون أسبوع واحد فقط بعد 3 أسابيع من انتهاء المباراة، ما جعل من بيرغامو أول مدينة تفقد "جيلاً كاملاً في أسبوع واحد" وفقاً لتعبير الوسائل الإعلامية الإيطالية.

الجيش الإيطالي يتدخل لنقل الوفيات

بعد مضي أقل من شهر على انتهاء مباراة الفخر والأمل التاريخية، تكدست الجثث في مقابر بيرغامو التي لم تعد قادرة على استقبال ضحايا الفيروس الجدد.

في البداية كانت التوابيت تتراكم دون دفن في المقبرة الشمالية للمدينة، وقد قدمت الحكومة الإيطالية تسهيلات للمواطنين لدفن موتاهم دون دفع أي تكاليف بسبب الأعداد المتزايدة لضحايا كوفيد-19.

لكن، لم يمض وقت طويل حتى امتلأت مقابر المدينة تماماً، وأصبح سكان بيرغامو مضطرين للاحتفاظ بجثث موتاهم لأيام في المنازل في غرف مغلقة.

وعندما بدأت أعداد المتوفين تخرج عن السيطرة، تدخّل الجيش الإيطالي وبدأ بنقل جثث الضحايا تباعاً إلى محارق للجثث خارج المدينة، حيث يحرق الموتى دون أن يتمكن أحباؤهم من وداعهم.

لكن حتى إجراء نقل الجثث وحرقها خارج المدينة لم يعد فعالاً في بيرغامو، فأعداد الجثث التي تنتظر الحرق تزداد بشكل يومي، وقال بيان صادر عن مجلس المدينة إنّ فترة الانتظار لحرق جثّة في محرقة "كريماتوريو دي لامبراتي" قد تصل إلى 20 يوماً، وأضاف المجلس على موقعه الإلكتروني، إن فترة انتظار أطول قد تتسبّب بمشاكل تتعلّق بالنظافة والصحة.

الشاحنات العسكرية تنقل توابيت الموتى
الشاحنات العسكرية تنقل توابيت الموتى

خبراء روس يقومون بتطهير مواقع في بيرغامو الإيطالية

بعد أن أصبح الوضع خطيراً جداً في مدينة بيرغامو، بدأت الحكومة الإيطالية بالبحث عن مساعدات دولية لحسر انتشار الفيروس، وقد استجاب الروس ببعث فريق من الخبراء إلى المدينة الإيطالية المنكوبة.

إذ قام فريق خبراء من علماء الأوبئة من وزارة الدفاع الروسية إلى جانب فرق إيطالية بعمليات تطهير واسعة لمركز مارتينو زانشي للرعاية في ضواحي بيرغامو.

وأوضحت البيانات التي نشرتها السلطات الإيطالية أن فرق التطهير المختصة أشرفت على تعقيم أكثر من 2,000 متر مربع من المساحات الداخلية وجميع طرق ومحاور الموقع.

ومن المقرر أن يشرف الخبراء الروس على تطهير مواقع أخرى إضافة إلى إجراء معالجة صحية لأكثر من 60 مركزاً، تشمل المستشفيات والوحدات الصحية إضافة إلى الأبنية والشوارع في مدينة بيرغامو.

 هكذا تحوّلت بيرغامو الصغيرة من مدينةٍ تعيش أحلى أيامها بسبب فريق آتالانتا وإنجازاته المحلية والأوروبية، إلى أخرى منكوبة فقدت 3.75% من سكانها في غضون أسابيع. والسبب؟ مباراة كرة قدم كانت الأفضل في تاريخها!

تحميل المزيد