لم يعد أمام عدد من البلدان عبر العالم، خاصةً غير المُصنِّعة منها، من سبيل للوقوف في وجه الزحف الجارف لوباء كورونا، سوى الاعتماد على المبادرات المحلية من أجل تصنيع وابتكار معدات قد تساعد في الوقاية من الفيروس، أو آليات طبية مساعِدة، خاصةً آلات التنفس الإصطناعي.
إذا كانت بعض البلدان الأوروبية والمتقدمة قد دقت ناقوس الخطر وأصبحت مستشفياتها المتطورة تشكو نقصاً حاداً في المعدات أمام العدد الهائل من المرضى المصابين المتوافدين عليها، فإن عدداً كبيراً من الدول الأخرى -خاصةً العربية منها- لم يعد أمامها من بُد سوى التصنيع المحلي، واحتضان ابتكارات ومبادرات محلية.
في المغرب، تصدَّرت عدد من ابتكارات الشباب المغاربة، من طلبة ومهندسين ومراكز بحثية، اهتمامات رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن بادر عشرات من الشباب إلى ابتكار مجموعة من الآليات الطبية الرامية على الخصوص، إلى حماية الأطقم الطبية من الإصابة بالفيروس، أو تلك المتعلقة بآليات التنفس الاصطناعي، والتي أصبحت العملة النادرة حالياً في العالم.
طائرة من دون طيار
من أجل تحفيز طلبتها المهندسين على الخلق والإبداع والابتكار، أجرت المدرسة المغربية لعلوم المهندس مباراة بين طلبتها المهندسين، تم من خلالها التباري في ابتكار اختراعات جديدة لديها علاقة بفيروس كورونا المستجد.
حسب وكالة الأنباء المغربية الرسمية، فإن اللجنة العلمية لهذه المدرسة المغربية قد حصرت التباري بين10 اختراعات، تم اختيار 3 من بين أفضلها، ومن المرتقب أن تصبح عملية في الأيام القليلة المقبلة، حيث سيتم تجريبها في عدد من المستشفيات.
تتمثل أبرز هذه الابتكارات، في اختراع طائرة من دون طيار، ستكون مهمتها المساعدة في الكشف عن المرض، إذ ستكون هذه الطائرات الخاصة مزوَّدة بأجهزة قادرة على القيام باختبار المسحة الأنفية، حيث ستصل إلى كل مريض محتمل، ظهرت عليه أعراض المرض خاصةً السعال والعطس.
كما أكدت الوكالة أن هذا الابتكار سيحمي الأطباء خاصةً، إذ إنه سيمد كل مصاب بـ"جِل معقم خاص"، ويمنع الاحتكاك المباشر مع الطبيب، كما سيسهم أيضاً في توسيع رقعة الاختبارات والبحث عن المرضى المحتملين.
أما الاختراع الثاني فيتعلق بنظام إلكتروني للتشخيص، عن طريق تطبيق هاتفي خاص يمكِّن الأطباء من معرفة ضغط المريض ونبضه وطبيعة تنفُّسه، بالاستعانة بشريحة إلكترونية، ويتوخى هذا الابتكار حماية الأطباء أيضاً، ومنعهم من الاحتكاك المباشر مع المرضى المصابين.
ثالث هذه الابتكارات "الوصفة الطبية الإلكترونية"، ويتعلق الأمر بتطبيق هاتفي، يمكِّن الأطباء من التواصل عن بُعد مع المرضى في زمن الوباء، ويمكِّنهم من توصيف الدواء الذي يحتاجونه، دون الحاجة إلى التواصل المباشر معهم، كما يُشرك هذا التطبيق أيضاً الصيدليات ويساعدها في تسهيل مهمة الطبيب.
قناع بلاستيكي
الابتكارات في زمن كورونا غير مرتبطة فقط بالمهندسين أو الأشخاص ذوي التكوين المهني العالي؛ بل يمكن أن تكون أيضاً صادرة عن أشخاص عاديين، هاجسهم ودافعهم الأول هو مساعدة الأطباء والمرضى على حد سواء، في الوقاية أو عدم نشر العدوى.
إذ انتشرت على عدد من الصفحات الشهيرة بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" في المغرب، مجموعة من المبادرات الشبابية، لأشخاص قاموا بابتكار وتصنيع كمامات واقية، أو أقنعة، منها ما تم توزيعه على المرضى أو الأشخاص العاديين، ومنها ما تم اعتماده من طرف الأطباء.
من جهته، نشر الدكتور عبداللطيف ياسي، وهو طبيب مغربي بمستشفى الحسن الثاني في أكادير، جنوب المغرب، تدوينة على حسابه الشخصي، يؤكد فيها توصُّله بأول دفعة من أقنعة واقية مغربية الصنع، ويشدد على فاعليتها ونجاعتها في الوقاية من الفيروس.
قال الدكتور ياسي في هذه التدوينة: "هذا القناع الواقي اجتهاد من شاب مهندس تطوَّع وصنع هذه الأقنعة الواقية، بعد تعقيمها جرَّبناها أنا ومجموعة من الأطباء والممرضين (6 أقنعة فقط). المهندس ربيع وزملاؤه مستعدون لتزويدنا بهذه الأقنعة بعد تعقيمها طبعاً وبالمجان… لجميع الأطباء والممرضين الذين يوجدون في الجبهة الأولى…شكراً لك أخي على هذه البادرة ولزملائك المهندسين، دون أن ننسى المايسترو الممرض الباز".
موصّل يضاعف قدرة الجهاز التنفسي
بمدينة خريبكة (وسط المغرب)، أعلن فريق مركز البحث "Act4community Khouribg" المتكون من جامعيين وتقنيين، وطلبة باحثين، عن ابتكار اختراعين محليين، سيتم توزيعهما على المراكز الاستشفائية والمستشفيات المحلية في المدينة.
حسب ما أكده هذا المركز، على حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، فإن الفريق "نجح في تصميم نموذجين أوليَّين لقطعتين أساسيتين تُستخدمان في تجهيزات طبية؛ وذلك من أجل مساعدة أطر مستشفى الحسن الثاني في خريبكة".
إذ "قام المتطوعون بتصميم وإنتاج نموذج أوَّلي لواقي الوجه، يحمي الأطقم الطبية من خطر الإصابة وأيضاً موصل Y، يهدف إلى مضاعفة قدرة الجهاز التنفسي والذي تم تصنيعه عبر طابعة ثلاثية الأبعاد".
بينما أكد الفريق المشرف على هذه العملية بشكل تطوعي، أن هذه الابتكارات التي ستموّلها مؤسسة مغربية معروفة، سيتم توزيعها بالمجان على المستشفى المحلي بالمدينة، في أفق تعميمها على كل المستشفيات المغربية.