غيرت "جائحة كورونا" الكثير من ملامح هذا العالم، وأحدثت تغييرات لم تكن لتخطر على بال قبل أيام قليلة فقط، فأبرز الأماكن السياحية عبر العالم باتت خاوية على عروشها، وأشهر الشوارع الصاخبة، التي لم تكن "تعرف النوم" تحولت إلى أماكن مهجورة شبيهة بتلك التي نشاهدها في أفلام "نهاية العالم".
شبكة CNN الأمريكية، قالت الثلاثاء 31 مارس/آذار 2020، إن نبض الحياة توقف أيضاً في أشهر الإقامات الرئاسية في العالم؛ البيت الأبيض، وفي العاصمة الأمريكية واشنطن، بعد أن قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تقليص عدد الموظفين الذين يفوقون 90 شخصاً إلى بضعة أشخاص، تطبيقاً لتعليمات "التباعد الاجتماعي" الرامية إلى صد أي خطر مرتبط بانتشار العدوى بين العاملين في البيت الأبيض، والتي قد ينتج عنها أيضاً إصابة الرئيس الأمريكي.
وكانت العديد من الولايات الأمريكية قد أعلنت، نهاية الشهر الماضي، حظراً تاماً للتجول، بعد أن تصدر البلد قائمة البلدان العالمية الأكثر إصابة بهذا الفيروس، حسب تصنيف منظمة الصحة العالمية، كما تم سن مجموعة من الإجراءات الاحترازية، أبرزها العمل عن بعد، والتباعد الاجتماعي.
الإغلاق التام
مشاهد غريبة على الأمريكيين، تلك التي نقلتها شبكة CNN الأمريكية، للقصر الرئاسي، فابن الرئيس الأمريكي الأصغر بارون ترامب احتفل بعيد ميلاده الرابع، بداية شهر مارس/آذار الماضي، دون أي صخب أو احتفال، ورفقة عائلته عوض حضور أصدقائه، فالجائحة غيّرت عادات كل الأشخاص عبر العالم مهما كانت وضعيتهم الاجتماعية، ولو كانت عائلة رئيس أكبر دول العالم.
ولم تطفئ "كورونا" شموع الاحتفال فقط في بيت عائلة رئيس الولايات المتحدة، بعيد ميلاد ابنه الصغير، بل أغلقت أيضاً جل مداخل ومخارج البيت.
فحسب نفس الشبكة الأمريكية، فإن حجرات البيت الأبيض الـ132، ونوافذه الـ147، ومدافئه الـ24، وأدراجه الثمانية كلها مغلقة الآن.
كما أن منسق الزهور الذي يجهز عشرات الباقات للترتيبات والأحداث المختلفة التي تُنظم في البيت الأبيض لم يعد يذهب إلى البيت الأبيض بوتيرة أسبوعية، ولا يوجد خطاطون من الموظفين يكتبون بشق الأنفس الدعوات والقوائم وهم منكبون على عملهم في الطابق الثاني بالجناح الشرقي، وليس هناك فرق من الطباخين وطهاة المعجنات يُحضرون الوجبات ويتذوقون الأطعمة في المطبخ الضخم في الطابق نفسه، الذي يضم مكتب السيدة الأولى للولايات المتحدة.
بل حتى ريكي نيسيتا، السكرتيرة المسؤولة عن المناسبات الاجتماعية في البيت الأبيض صدرت لها توجيهات بالعمل من المنزل.
تغيير جدري
يصف موظف كبير سابق في البيت الأبيض، في حديثه مع الشبكة، التغييرات الجذرية التي طرأت على سير الحياة داخل المقر الرئاسي، الذي يكاد نبضه يتوقف، بعد إقرار إجراءات التباعد الاجتماعي، ومغادرة عدد كبير من العاملين أو عملهم عن بعد من داخل بيوتهم الخاصة.
ويقول المتحدث نفسه: "في أوقات أخرى في التاريخ الحديث، مثلما هو الحال مع الإغلاق الحكومي، يُدار المنزل على الأرجح فقط بمجموعة أساسية من الأفراد الضروريين"، مضيفاً أن القائمة قد تتضمن خادماً، ومدبرة منزل أو اثنتين، وطاهيا، وساقياً، وربما مهندساً.
وهذا عدد ضئيل للغاية مقارنة بالعدد المعتاد من الخدم والسقاة في البيت الأبيض، الذين يصل عددهم تقريباً إلى 8 و6 على التوالي.
ويضيف: "يرُسل باقي الموظفين إلى المنزل، أو يجري استدعاؤهم عند الطلب أو يعملون بالتبادل".
إجراءات صارمة
هذه الإجراءات لم تشمل العاملين فقط، بل إنها فُرضت أيضاً على عائلة ترامب، فالسيدة الأولى وأفراد العائلة يطبقون قاعدة التباعد الاجتماعي، إذ يؤدون مهامهم، لكن من على بعد ستة أقدام ممن يخدمونهم، ويطهون لهم، وينظفون في هذا القصر البالغة مساحته 55 ألف قدم مربعة.
فقد غيرت الجائحة أيضاً "بروتوكول" التعامل داخل هذا القصر أيضاً، ووصفت المتحدثة باسم البيت الأبيض، ستيفاني غريشام، لشبكة CNN، تدابير العمل الجديدة داخل المقر الرئاسي قائلة إن السيدة الأولى ميلانيا ترامب تطبق قاعدة التباعد عن العاملين، وتتبع إرشادات مراكز مكافحة الأمراض واتقائها. وقالت غريشام: "يعمل الموظفون غير الضروريين من المنزل".
أما بخصوص الموظفين الذين يعملون بالبيت الأبيض في الوقت الحالي، فإنهم يتوقفون يومياً قبل دخول باحة القصر لكي يقيس فرد من أعضاء الفريق الطبي بالبيت الأبيض درجة حرارتهم.
فالقصر المترامي الأطراف فارغ الآن على نحوٍ لا يُصدّق، ويخلو من المناسبات والموظفين وهمهمة وضوضاء الزوار اليوميين ضمن الجولات السياحية بالبيت الأبيض، وبالنسبة للسيدة الأولى فقد أُلغيت مناسبتان تحظيان بأكبر مشاركة منها: لعبة دحرجة البيض، وعشاء رسمي لملك وملكة إسبانيا.
سابقة تاريخية
ليست هذه هي المرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية التي يغلق فيها البيت الأبيض، فمؤرخ تاريخ البيت الأبيض ونائب رئيس مركز "National Center for White House History" ماثيو كوستلو، يقول إن "البيت الأبيض أُغلق من قبل -خلال الحربين العالميتين، والأزمات الاقتصادية- عدة مرات".
وأضاف: "أتذكر قبل عشرينيات القرن الماضي، كان من المعتاد أن يكون البيت الأبيض مفتوحاً كلياً، حيث يمكن للأشخاص السير في حدائقه، ومروجه، والشعور إلى حد كبير بأنه مكان يتشاركونه مع العائلة الأولى حتى لو لم يكن كذلك من الناحية التقنية".
كان الاستثناء في عام 1917 حين اندلعت الحرب العالمية الأولى، إذ تسببت في إغلاق البيت الأبيض (وكان ذلك من قبيل الصدفة قبل تفشي الإنفلونزا الإسبانية مباشرة) لكن أُعيد فتحه بعد انتهاء الحرب.