كان الهدف الرئيسي لولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، من اعتقال أمراء بارزين، الجمعة 6 مارس/آذار 2020، هو توجيه رسالة قوية إلى منتقديه من داخل العائلة الحاكمة، مفادها: "لا تجرؤوا على معارضة صعودي للعرش".
في حين قالت مصادر إن الهدف الرئيسي هو الأمير أحمد بن عبدالعزيز الشقيق الأصغر للملك سلمان، وهو واحد من ثلاثة فقط من أعضاء هيئة البيعة، المسؤولة عن اختيار الملك وولي العهد، عارضوا تولي الأمير محمد ولاية العهد في انقلاب قصر، عام 2017.
أهداف اعتقالات السعودية: قالت أربعة مصادر على صلة بالعائلة الحاكمة، إن الخطوة تهدف إلى ضمان الإذعان داخل عائلة آل سعود الحاكمة، التي شعر بعض أفرادها بالاستياء، قبيل انتقال السلطة في حالة وفاة الملك أو تخلّيه عن العرش.
حيث وصف أحد المصادر الاعتقالات بأنها مساعٍ استباقية؛ لضمان موافقة هيئة البيعة على تسليم العرش للأمير محمد عندما يحين الوقت.
يُذكر أن الأمير أحمد (78 عاماً)، اعتُقل يوم الجمعة، مع الأمير محمد بن نايف، الذي كان ولياً للعهد حتى أُطيح به في 2017 وحلَّ الأمير محمد محله. وقال مصدران آخران لهما صلة بالدوائر الملكية، إن السلطات اعتقلت كذلك الأمير نايف ابن الأمير أحمد والأمير نواف شقيق الأمير محمد بن نايف.
قال هذان المصدران إن الأمراء اعتُقلوا في فيلات ملكية بالعاصمة الرياض، وسمح لبعضهم بالاتصال بأفراد أسرهم.
مساعي ولي العهد للحكم: قال مصدران ودبلوماسي أجنبي بارز، إن ولي العهد، الذي سعى جاهداً لإحكام قبضته على السلطة، خشي من احتمال أن يحتشد الأمراء الساخطون حول الأمير أحمد والأمير محمد بن نايف، باعتبارهما بديلين محتملين لتولي العرش.
قال مصدر منهما: "هذا تحضير لانتقال السلطة… إنها رسالة واضحة للعائلة بأنه ليس بوسع أحد أن يعترض أو يجرؤ على تحديه".
إلى ذلك لم تعلّق السلطات السعودية على الاعتقالات أو تؤكدها، كما لم تنشر وسائل الإعلام السعودية شيئاً عنها. ولم تردَّ وزارة الإعلام على طلبات مفصلة للتعليق.
أما إذا تولى الأمير محمد (34 عاماً)، العرش خلفاً لوالده، فسيكون هذا أول انتقال للسلطة من جيل إلى جيل منذ وفاة الملك عبدالعزيز آل سعود مؤسس الدولة عام 1953 والذي خلفه ستة من أبنائه.
مهام هيئة البيعة: هيئة البيعة، المؤلفة من عضو من كل بيت من بيوت أبناء الملك عبدالعزيز وعددهم 34، مهمتها ضمان أن يتحد مئات الأمراء الذين يشكلون الجيل التالي من العائلة الحاكمة وراء الملك الجديد.
في حين قال الدبلوماسي الأجنبي البارز، إن الاعتقالات تمثل صفعة أخرى لصورة المملكة بالخارج، في الوقت الذي بدا فيه أنها تتعافى من أثر موجة الغضب بعد قتل الصحفي جمال خاشقجي في عام 2018، والانتقادات المتعلقة بالحرب الدائرة في اليمن.
وسبق أن احتجز ولي العهد أمراء ورجال أعمال بارزين في عام 2017، بفندق ريتز كارلتون، وهو ما أثار قلق المستثمرين بالداخل والخارج. وفي الفترة الأخيرة، بدا أن هذه الأيام التي كان يصعب فيها التكهن بما يمكن أن يحدث، قد ولَّت مع تولي الرياض الرئاسة السنوية لمجموعة العشرين للاقتصادات الرئيسية.
انتقادات ولي العهد: عندما وصفت المصادر الاعتقالات في الفترة الأخيرة، قال عديد منها في بادئ الأمر، إن الأمراء المعتقلين اتُّهموا بالتخطيط لانقلاب لإحباط تولي الأمير محمد للعرش. لكن بعض هذه المصادر وآخرين تحدثوا في وقت لاحق عن الاعتقالات، أوردوا تبريرات أخفَّ، فقالوا إن الاعتقالات جاءت رداً على تراكم سوء تصرُّف وليس مؤامرة ضد ولي العهد.
واستخدم مصدران العبارة نفسها، فقالا إن الأمراء تلقوا تحذيراً من "شَدَّة أُذن"؛ للتوقف عن انتقاد ولي العهد.
وقال مصدر إن الأمير أحمد، الذي استضاف عدة مجالس، أثار الشكوك حول موقف ولي العهد من عدة قضايا، منها الخطة الأمريكية لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
ولم يكن هناك سبيل للاتصال بالأمير أحمد أو أي من الأمراء الآخرين؛ للتعليق على هذه المزاعم. وقالت مصادر إنه عاد من رحلة للخارج في الليلة السابقة للقبض عليه.
ترتيبات لظهور الأمير أحمد: وقال مصدران أحدهما على صلة بالعائلة الحاكمة، إن الأمير أحمد طلب، يوم السبت، من أسرته إحضار البشت، وهو عباءة تُلبس في المناسبات الرسمية، في مؤشر على أنه قد يظهر علناً قريباً.
في حين تقول مصادر سعودية ودبلوماسيون أجانب، إن العائلة الحاكمة من المستبعد أن تُعارض ولي العهد إذا كان الملك على قيد الحياة، وإن الملك لن ينقلب على ابنه الذي نقل إليه أغلب مسؤوليات الحكم.
أثارت الاعتقالات الأخيرة تكهنات بشأن الحالة الصحية للملك سلمان (84 عاماً)، لكن المصادر قالت إنه ما زال في حالة صحية وعقلية جيدة. وبث التلفزيون الرسمي، الأحد، لقطات للملك في أثناء تأدية سفيرين سعوديين جديدين اليمين أمامه.
كما ظهر الأمير سعود شقيق الأمير محمد بن نايف والأمير عبدالعزيز وزير الداخلية وابن سعود، اللذان ترددت شائعات بأنهما اعتُقلا كذلك، وهما يقومان بأعمال، في صُور نشرتها وسائل الإعلام السعودية أمس الأحد.
اختيار محتمل: وذكرت مصادر أن أفراد العائلة الحاكمة الذين يريدون تغيير خط ولاية العرش، يعتبرون الأمير أحمد اختياراً محتملاً يمكن أن يحظى بدعم أفراد العائلة وقوات الأمن وبعض القوى الغربية.
والعضوان الآخران في هيئة البيعة اللذان عارضا تولي محمد بن سلمان ولاية العهد في 2017، أصغر سناً وأقل نفوذاً من الأمير أحمد. وأحدهما مقيم بالخارج.
قال المصدر الرابع الذي تربطه صلات بالعائلة الحاكمة: "معسكر المستاءين كان يتجمع حوله (الأمير أحمد)، وكان هو يسمح بذلك".
وتقول المصادر إن المعارضين يشككون في قدرة ولي العهد على قيادة البلاد، بعد اغتيال خاشقجي بيد عملاء سعوديين في عام 2018 والهجوم على منشأة نفطية سعودية، العام الماضي.
استياء من ولي العهد: وشعر بعض أفراد الأسرة بالاستياء عندما قلص ولي العهد مخصصات عديد منهم وقيَّد حركتهم بدرجة كبيرة، واستبدل أمنهم بحرس تابع له.
وكانت حركة الأمير محمد بن نايف مقيدة ومراقَبة، بدرجة كبيرة، منذ 2017.
وحدَّ الأمير أحمد من الظهور العام منذ عودته إلى الرياض في أكتوبر/تشرين الأول عام 2018، بعد أن أمضى شهرين ونصف الشهر بالخارج، عندما بدا أنه ينتقد القيادة السعودية في أثناء رده على محتجين خارج مقر إقامة بلندن، كانوا يرددون هتافات تنادي بسقوط آل سعود. ويقول مراقبون سعوديون إنه لا يوجد دليل على أنه يريد العرش.
وقال المصدر الثاني ذو الصلة بالعائلة الحاكمة، إنَّ ولي العهد ربما أراد تمهيد طريقه للوصول إلى العرش قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية؛ خوفاً من أن تؤثر هزيمة دونالد ترامب في موقفه.
وقال دبلوماسيون أجانب، إنه ربما تحرَّك ضد عمه وابن عمه من باب الحرص؛ خوفاً أن "يتحول الأمريكيون ذات يوم لدعمهما".