بدأ شاكيل أفريدي الطبيب الباكستاني الذي ساعد وكالات الاستخبارات الأمريكية في تحديد مكان أسامة بن لادن، العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر/أيلول، إضراباً عن الطعام بعد استمرار معاناته خلف القضبان منذ تسع سنوات تقريباً، حسبما ذكر قمر نديم، محاميه وابن عمه، لشبكة Fox News الأمريكية الأربعاء 4 مارس/آذار 2020.
سياق الخبر: إعادة البحث في ملف الطبيب الباكستاني تأتي بعد تدهور وضعه الصحي داخل السجن، وأيضاً بعد إبلاغ شاكيل برفض وزارة الداخلية إصدار جواز سفر لعائلته من أجل أداء فريضة الحج، "وفي ظل تعامل الحكومة اللاإنساني معه، اضطر إلى بدء إضرابٍ عن الطعام".
تفاصيل أكثر: قال نديم متحدثاً عن أفريدي: "لقد زارته عائلته، بما في ذلك شقيقه، منذ بضعة أيام، وتحدثوا معي عن حالته الصحية المتدهورة. إنه يرفض تناول أي وجبة بعدما فقد الأمل في الحصول على العدالة. أريد أن يعرف العالم أنَّه محرومٌ من العدالة في قضيته".
يقال إنَّ الأسرة تقدَّمت بطلب للحصول على جواز سفر منذ عدة أشهر، ولكن يُزعم أنَّ الطلب رُفِض، وأُبلِغوا بأنَّ أسماءهم وضِعَت في "قائمة مراقبة الخروج لمنعهم من الهروب من باكستان في أي وقت".
هذا ويأتي الإضراب عن الطعام وسط مشكلاتٍ صحية يعانيها الطبيب الجراح، الذي يبلغ من العمر حوالي 58 عاماً تقريباً، منذ فترةٍ طويلة. إذ ذكر بعض أفراد أسرته أنَّ جسده يتقلص بشدة منذ سنوات في الحبس الانفرادي، بينما يعاني في الوقت نفسه اكتئاباً حاداً ومشكلات في الصحة العقلية. وأكَّد نديم مراراً وتكراراً أنَّ ظروف سجن موكِّله "بائسة مثل الجحيم"، ولا يتوفر له مكيف هواء أو مروحة للتغلب على درجات الحرارة المرتفعة.
إذ قال نديم: "ظروف الحياة منعدمة في زنزانته في السجن، ولم تُتَّخذ أي تدابير للتغلب على الحرارة الحارقة التي تسببت في ظهور طفحٍ جلدي سيئ على جسده، ولم يتلق أي علاجٍ طبي له حتى الآن".
صورة أوضح: بالرغم من تأكيدات الحكومة الأمريكية والمشرعين الأمريكين طوال السنوات الماضية، أنَّ أفريدي محتجزٌ بصورةٍ جائرة، وأنَّ إطلاق سراحه يظل أولوية قصوى في المناقشات الدبلوماسية، فإنَّ محنته لم تتحسَّن على ما يبدو.
كذلك يجد الطبيب المريض صعوبةً في الخضوع لمحاكمة عادلة، إذ تؤجَّل جلسات الاستئناف باستمرار لمجموعةٍ كبيرة من الأسباب المختلفة. وكان آخرها جلسة الاستماع التي كان من المقرر إجراؤها يوم الخميس الماضي 27 فبراير/شباط، والتي تأجَّلت مرةً أخرى بداعي أنَّ القضية التي كانت تُنظَر قبلها في المحكمة استغرقت وقتاً إضافياً، بحسب ما ذكره نديم.
كما أنه في مقابلاتٍ متعددة مع شبكة Fox News طوال السنوات الماضية، اشتكى نديم مراراً من عدم السماح له بالتواصل مع موكله، مع أنَّ بعض أفراد أسرته يُسمح لهم أحياناً برؤيته في ظروفٍ محاطة بسريةٍ شديدة.
إذ قال المحامي في شهر مايو/أيار الماضي متحدثاً عن أفريدي: "كان خاضعاً لأوامر صارمة بعدم الكشف عن نظامه الغذائي لأي فرد من أفراد أسرته عند زيارته. ومع ذلك، كانوا يلاحظون كلَّما زاروه أنه كان يفقد وزناً هائلاً، وأصبح أشبه بهيكلٍ عظمي. لقد كان هذا مُقلقاً للغاية".
عائلته تدفع الثمن: كذلك دفع سجن أفريدي أسرته إلى الفقر والوقوع في تضييقٍ أمني شديد. إذ تضطر زوجته وأطفاله باستمرار إلى تغيير مكان إقامتهم والبقاء تحت المراقبة، معتمدين على أقربائهم في الحصول على المساعدة المالية.
في العام الماضي 2019، نُقِل أفريدي من سجن بيشاور إلى منشأةٍ أمنية مشددة الحراسة في مدينة ساهيوال، بعدما انتشرت سلسلةٌ من نظريات المؤامرة، مفادها أنَّ الولايات المتحدة كانت تُخطِّط لتهريب أفريدي، الذي يعد شخصاً مهماً بالنسبة لها، من السجن. وفي العام نفسه، أثير حديثٌ عن تبادل السجناء في اجتماعٍ بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس وزراء باكستان عمران خان، لكنَّه لم يُسفر عن أي جدوى حتى الآن.
في وقتٍ لاحق، ذكر بعض موظفي البنتاغون المُطَّلعين على العملية التي شارك فيها أفريدي لقناة Fox News أنَّ السلطات الأمريكية بذلت جهوداً وقدَّمت عروضاً لأفريدي وأسرته المباشرة لمغادرة البلاد. ولكن قيل إنَّ الطبيب رفض ذلك بداعي أنَّه لن يكون قادراً على اصطحاب عائلته الممتدة. وعلاوة على ذلك، لم يكن أفريدي -الذي لم يكن على علمٍ بهدف المهمة أو طبيعتها الدقيقة حين وافق عليها- يتوقع أنَّ تفاصيل مخطط وكالة الاستخبارات المركزية الذي أعِدَّ بعناية ستُكشَف للجميع، وأنَّ دوره سيُفضَح هكذا.
لماذا سجن: فضلاً عن ذلك، ففريدي ليس محتجزاً بتهمة الخيانة كما يظن عامة الناس، لكنَّه يقضي عقوبةً بالسجن 23 عاماً بعد إدانته بعلاقاته مع جماعة شكر الإسلام الجهادية المحظورة. غير أنَّ نديم ينفي هذه الاتهامات بشدة واصفاً إيَّاها بأنَّها ذريعة ملفقة لمعاقبة أفريدي.
هذا ولم ترد وزارة الداخلية الباكستانية فوراً على طلب التعليق على هذه المسألة.
وأضاف نديم: "لسنا متيقنين ممَّا إذا كانت الولايات المتحدة مهتمةً بإطلاق سراحه. لقد كانت لدينا آمالٌ في التزام إدارة ترامب بالوعد الذي قطعته منذ فترة طويلة، ولكن لم يحدث شيءٌ حتى الآن".
عودة إلى الخلف: يُذكَر أنَّ أفريدي اعتُقِل في الأسابيع التي أعقبت المداهمة التي شنتها قوات العمليات الخاصة التابعة للبحرية الأمريكية في عام 2011 على مجمع أبوت آباد، والتي أسفرت عن مقتل بن لادن، وذلك بعدما أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما تفاصيل خطة تعقُّب الإرهابي البارز، التي اضطلع أفريدي فيها بدورٍ، في جمع مسحاتٍ قطن تحمل الحمض النووي لأطفال بن لادن من أجل تحديد هويته.
أغضبت هذه المهمة، التي أحيطت بتكتُّم شديد، حكومة باكستان -التي كانت حليفةً للولايات المتحدة في حرب القضاء على تنظيم القاعدة في أفغانستان المجاورة- وأحرجتها، لكنَّها أثارت تساؤلاتٍ حرجة حول ما إذا كان المسؤولون الباكستانيون قد وفَّروا ملاذاً آمناً آنذاك لابن لادن، الذي كان أبرز الأشخاص المطلوبين في العالم، بدرايةٍ منهم. وحُكم على أفريدي بالسجن 33 عاماً في عام 2012، ثم خُفِّف الحكم لاحقاً إلى 23 عاماً.