رغم محاولات زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، تنمية اقتصاد بلاده من خلال الاعتماد على السياحة كمحور رئيس لرؤيته الاقتصادية، فإن التغير المناخي وفيروس كورونا يهددان هذه المساعي.
حسب التقرير الذي نشرته وكالة Bloomberg الأمريكية، فإن كيم سعى منذ توليه السلطة إلى بناء منتجعات تزلُّج؛ لجذب محبي الرياضات الشتوية ولتوفير النقد الأجنبي.
"كورونا" يحبط كيم جونغ: مع انتشار فيروس كورونا في الصين، أغلق كيم الحدود مع جارته الصين، ليفقد بذلك جزءاً كبيراً من السياحة الوافدة إلى كوريا الشمالية. والأسوأ، مثل غيرها من المراكز الثلجية من جبال الألب الفرنسية إلى اليابان، تقع كوريا الشمالية ضحية تغيُّر الأنماط المناخية القطبية، وأصبح الشتاء أدفأ وقلّت مستويات الثلوج على المنحدرات المنخفضة.
كوريا الشمالية، الدولة الجبلية التي تقع بالكاد على خط طول 37 شمالاً، قالت إن درجات الحرارة في شهر فبراير/شباط 2020، أعلى من المعتاد، بسبب "ظاهرة مناخية غير عادية". وقال مكتب الأرصاد الجوية بكوريا الجنوبية، إن متوسط درجات الحرارة لجارتها الشمالية سوف يرتفع على الأرجح بمقدار 15% بحلول عام 2040 عن مستويات الفترة 1981-2010.
تحديات الاحتباس الحراري: قال كونغ وو-سيوك، وهو أستاذ في الجغرافيا لدى جامعة "كيونغ هي" في سيول: "سوف تواجه كوريا الشمالية التحديات نفسها التي فرضها الاحتباس الحراري. السؤال هو: هل كل دولة لديها البنية التحتية والنظم الاجتماعية اللازمة لمواجهة تلك التغييرات؟ وفي هذا الصدد، أعتقد أن كوريا الشمالية في وضع أخطر من غيرها".
- كان كيم أنشأ أول منتجع تزلج في الوادي الشرقي، باسم "ماسيكريونغ"، عام 2013، بعد عامين من توليه السلطة، ولا يزال يزور المنطقة الساحلية بانتظام. ويخطط لمد المشروع ليصبح حزاماً سياحياً بطول 418 كيلومتراً بتكلفة نحو 8 مليارات دولار خلال السنوات الخمس المقبلة.
منتجع ماسيكريونغ السياحي: يبلغ أعلى ارتفاع بمنتجع "ماسيكريونغ" 1.363 متراً، بمنحدرات يبلغ طولها 17 كيلومتراً فقط، وهو ما يجعل ارتفاعه مماثلاً لبعض المنحدرات المنخفضة بأوروبا، وأقل من ارتفاع قمة أسبن في كولورادو بأكثر من ألفي متر.
سُلّط الضوء على المنتجع الكوري الشمالي عام 2014 عندما نُشرت صورة لكيم جونغ أون في مصعد تزلج صيني عمره ثلاثة عقود، على الجبل بمفرده بعدما حظرت العقوبات الدولية على الشركات الغربية بيع المعدات الفاخرة إلى بلاده.
- من أشهر زوّار المنتجع لاعب كرة السلة الأمريكي السابق دينيس رودمان، والمصارع الياباني السابق والسياسي الحالي أنطونيو إينوكي. وفي العام الماضي، ذهبت مجموعة من المتزلجين من كوريا الجنوبية إلى المنتجع للتدريب قبل دورة ألعاب بيونغتشانغ الأولمبية الشتوية في كوريا الجنوبية، ضمن جهود المصالحة بين البلدين.
إغلاق بسبب الثلوج: كريستيان، وهو مُتزلج يبلغ من العمر 39 عاماً، فضّل ذكر اسمه الأول فقط؛ خوفاً من حظر دخوله كوريا الشمالية، قال إن رحلته إلى منتجع "ماسيكريونغ"، العام الماضي، كادت تُلغى بعدما أخبرته إدارة المنتجع بأنه قد يغلَق بسبب "موسم سيئ للثلوج".
قال عبر رسالة بريد إلكتروني، لوكالة Bloomberg الأمريكية: "كنا محظوظين، لأن المنتجع كان مفتوحاً وقت ذهابنا".
- "ماسيكريونغ" ليس منتجع التزلج الوحيد في كوريا الشمالية. فبالقرب من بلدة سامجيون القريبة من الحدود الصينية، حيث يحتفل السكان بفصل الشتاء ببناء التماثيل الثلجية مختلفة الأشكال، تأمل كوريا الشمالية الانتهاء من إعادة بناء منتجع آخر بنهاية العام الحالي.
في يانغدوك، البلدة الثلجية التي تبعد 60 كيلومتراً شمال شرقي العاصمة بيونغ يانغ، حضر كيم حفل قص الشريط في ديسمبر/كانون الأول من عام 2019، احتفالاً باكتمال المنشأة الثالثة، التي تضم ينابيع ساخنة ومضماراً لسباقات الخيول. وبعد شهرين، ذكر موقع أخبار كوري شمالي أن سكان المدينة "يستمتعون بسعادة وحضارة لا يمكن تخيُّلهما حتى في جنات عدن".
ليس للدعاية السياسية: اهتمام كيم الشديدُ بالمنتجات الفارهة ليس مجرد دعاية سياسية. إذ يمثل تزايد عدد السياح الوافدين من جميع أنحاء العالم بحثاً عن مغامرات جديدة، إضافة إلى أن الزيادة السريعة في أعداد المسافرين من الصين مصدر قيّم محتمل للعملات الأجنبية، لتعزيز احتياطات النقد الأجنبي.
- وفقاً لشركة السياحة والرحلات "Uri Tours Inc"، يمكن الذهاب في رحلةٍ مدتها سبع ليالٍ، شاملةً التأشيرة وتذاكر السفر ذهاباً وعودة من بكين على متن طائرات شركة الخطوط الجوية الكورية الشمالية Air Koryo، والإقامة في العاصمة بيونغ يانغ، وزيارة منتجع ماسيكريونغ، مقابل 1.632 دولاراً فقط.
إقبال صيني على السياحة: حيث شهد عام 2018 زيارة نحو 200 ألف سائح صيني لكوريا الشمالية، حسبما ذكر مسؤول في السياحة كوري شمالي لوكالة الأنباء الصينية "Xinhua". وأنفق هذا العدد من الصينيين ما يصل إلى 152 مليون دولار حسب المتوسط العالمي، أي إنهم يسهمون بجزء كبير من فاتورة صادرات كوريا الشمالية البالغة قيمتها 240 مليون دولار.
قد ينخفض الرقم هذا العام، بسبب تفشي فيروس كورونا، إلا أن الإمكانات الاقتصادية لمنتجعات التزلج تظل كبيرة، وهناك احتمالات أيضاً بزيادة عدد الزوّار من كوريا الجنوبية.
من جانبه قال الرئيس الكوري الجنوبي، مون جاي-إن، إن كوريا الجنوبية ستبدأ التعاون السياحي مع كوريا الشمالية، وتعهّد بالمساعدة في تخفيف حدة الأزمة بين كيم والرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد فشل قمة هانواي، العام الماضي.
لكن سرعان ما واجهت الولايات المتحدة عرضه بالتحذير من المضي قدماً، فقد ينتهي به الأمر منتهكاً العقوبات الدولية المفروضة على كوريا الشمالية.
فضلاً عن الإقبال الكوري الجنوبي: حيث جذبت كوريا الشمالية أكثر من مليوني سائح من كوريا الجنوبية قبل انتهاء مشروع السماح بعبور الحدود بين الكوريتين للسياح في 2008، على أثر مقتل امرأة كورية جنوبية كانت تزور منتجعاً جبلياً في كوريا الشمالية، بعيار ناري إثر تجولها بالقرب من منشأة عسكرية.
كيم ومنذ القمة الفاشلة مع ترامب، أكّد مبدأ "الاعتماد على الذات"، والمضي قدماً في المشروعات السياحية وغيرها من المشروعات. ويحشد الآن بعض قوات الجيش الشعبي الكوري، البالغ عددهم 1.2 مليون فرد، لبناء المنتجعات.